لم تكن الأشهر الثلاث الماضية طبيعية من ناحية الحرارة ولا المناخ، ما جعلها تتربع على عرش الأشهر الأكثر حرارة منذ بدء حفظ السجلات في عام 1940. وفي الإطار، قال مرصد كوبرنيكوس للمناخ التابع للاتحاد الأوروبي إن الشهر الماضي كان أغسطس هو الأكثر حرارة على الإطلاق عالمياً في ثالث شهر على التوالي يسجل رقماً قياسياً بعد تسجيل ذات الارتفاع القياسي في يونيو ويوليو. وتشير التقديرات إلى أن درجات الحرارة في أغسطس زادت 1.5 درجة مئوية عن متوسط درجات الحرارة في فترة ما قبل الثورة الصناعية بين عامي 1850 و1900. ولا يزال يوليو 2023 الشهر الذي شهد أعلى درجات حرارة مسجلة على الإطلاق. كل ما تقدّم ترك أسئلة عدة عما إذا سيكون الشتاء قارساً أو بارداً مثل قساوة الصيف. فهل تصحّ هذه المعتقدات؟ شتاء قارس؟ هنا أكد مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند الدكتور جورج متري أن لا علاقة مباشرة بين الصيف القاسي بأن يكون الشتاء أيضا قاسيا، موضحا أنه "في الصيف أتت موجات حرّ ممتالية ولفترة طويلة في بعض البلدان، لكن لا يعني أن ذلك يرتبط بشتاء قاس".وأشار في حديث لمنصة "المشهد" أن "ما نشهده هو تطرفات بالطقس ولا يعني أن لدينا شتاء قارسا وصيف غير طبيعي، التطرفات تأتي لفترة محددة خلال الصيف ووتيرتها تزيد وكل هذا يرتبط بالخلل المناخي الحاصل". وتوافق هذا الكلام مع موقف رئيس حزب البيئة العالمي والخبير البيئي الدكتور ضومط كامل الذي وصفه بـ"غير الواقعي" ربط الصيف الحار بالشتاء البارد، فالكوكب مرتبط ببعضه والحرارة ترتفع ونعيش في مناخ الاحترار. "لا نزال في البداية""لا نزال في بداية سنوات الحرّ وسنذهب باتجاه تصاعدي في السنوات المقبلة"، بهذه الكلمات أطلق رئيس حزب البيئة العالمي والخبير البيئي الدكتور ضومط كامل إنذاره تجاه ما عاشه العالم من حرارة مرتفعة في الأشهر الماضية، قائلا: "نحن نتجه نحو كوارث". وأرجع السبب الأساس وفق حديث لمنصة "المشهد" لتغير المناخ لحرق الوقود الأحفوري، لافتا إلى "أننا تخطينا حرق 100 مليون برميل للوقود في اليوم، يضاف إليها ازدياد سكاني عالمي، وزيادة استهلاك خطير وكميات ضخمة من المواد المتجددة وغير المتجددة". وأشار إلى أن الانسان يحرق البترول الذي يشكل خطرا على المناخ حيث تتصاعد كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون والكميات الدفيئة أي أننا وصلنا لمرحلة الاحترار العالمي. حرّ وسيول.. كيف ذلك؟ وبعد موجة حر شديدة ضربت جنوب إيطاليا في يوليو الماضي، هطلت كميات كبيرة من حبات برد ضخمة ما أدى إلى تشكل سيول في مدينة سيرينو.عن هذه الظاهرة، أكد متري أن "موجة الحر التي يليها هطول أمطار وانجراف بالتربة وسيول تسمى تطرفات مناخية، ونحن غير معتادين عليها"، وعن أسباب هذه الظاهرة، ذكر متري أن الدراسات تبرهن أن الحر الذي يليه أمطار وسيول فيه ارتباط بالتغير المناخي والاحتباس الحراري، لافتا إلى أن هذه الظواهر من المتوقع ان تعاد بوتيرة مرتفعة في السنوات القادمة، لأننا نتجه إلى تدهور أكثر في المناخ. ومن التغيرات التي قد نشهدها في السنوات المقلبة تتعلق بالثلوج والأمطار، فذكر ضومط أن "الثلوج التي كانت تتساقط في شرقي المتوسط مثل في لبنان وسوريا كانت تصل لحدود 2000 متر لكن بعد عام 2010 لم تعد تصل إلا إلى 1000 متر وما دون. كما انخفضت المتساقطات 50 يوما". وتابع أن الاحترار العالمي سيؤدي إلى وجود مناطق فيها تصحّر وغياب للمتساقطات وتمدّد للجفاف بالمقابل سنرى مناطق فيها سيول جارفة وأمطار وتساقط للثلوج بأحجام خطيرة جدا قد تصل لحجم البيضة.أي مناطق ستشهد تصحرا وأيها سيول؟ في الإطار، قال كامل أن "الكتل الهوائية فيها اضطراب مناخي عالمي ومن خلال هذا الاضطراب لا يمكن تحديد أي منطقة من المناطق سيحصل فيها سيول أو تصحر. مثلا هناك مناطق شهدت حرائق وسيول في الوقت نفسه في أوروبا هذا العام. أما متري ففسر أن الكوارث وتتفاوت بين منطقة وأخرى. وأوضح أن: المناطق التي فيها أحراج كبيرة ستتأثر بالحرائق أكثر من غيرها وهذا ما رأينا في لبنان واليونان وتركيا وإسبانيا. المناطق التي تعاني من قلة مياه ستتأثر بها القطاع مثل شمال افريقيا تونس الجزائر المغرب. هل فات الأوان؟ "لا يمكن إيقاف الخلل المناخي بوقت قصير لكن يمكننا العمل على التأقلم مع الكوارث والمشاكل للتخفيف من الضرر"، وفق متري.بينما حذّر ضومط من أن نسبة الوفيات سترتفع بسبب الحر.وهذا فعلا ما كشفته دراسة حديثة، ذكر أنه إذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية بمقدار 3 درجات مئوية من دون أي إجراء تبريد في المدن، فيمكن للولايات المتحدة أن تتوقع 5 أضعاف عدد الوفيات المرتبطة بدرجات الحرارة سنويًا.الحرّ مستمر الآنورغم أن الصيف اقترب من نهايته إلا أن دولا عربية عدة لا تزال تحذر من ارتفاع درجات الحرارة فيها منها مصر. فحذرت الهيئة العامة للأرصاد الجوية من تعرض البلاد لموجة ساخنة صحراوية لمدة 48 ساعة، وتعمل على رفع درجات الحرارة على كافة الأنحاء لتسجل محافظات جنوب البلاد 46 درجة مئوية.كما أعلنت دائرة التقديرات في مصلحة الارصاد الجوية في المديرية العامة للدفاع المدني في لبنان أن كتلا هوائية حارة مصدرها مصر وشبه الجزيرة العربية تسيطر على لبنان والحوض الشرقي للمتوسط تؤدي الى ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة فوق معدلاتها الموسمية على الساحل بحدود الـ4 درجات وفي الداخل بحدود ال 6 درجات، وتستمر حتى بعد ظهر السبت. (المشهد)