عاد الجدل في تونس ليتصاعد مرة أخرى حول مشروع قانون لتجريم العلاقات مع إسرائيل، بعد أن أعلنت رئاسة البرلمان التونسيّ تأجيل جلسة كان من المنتظر أن تُعقد الاثنين 26 فبراير للنظر فيه إلى أجل لم تحدّده. وتبنّى البرلمان التونسيّ مقترحًا لتعديل المجلة الجزائية، يتعلّق بـزجر الاعتراف والتعامل مع إسرائيل، عوضًا عن مقترح قانون تجريم التطبيع معها. وفي بيان لها قالت رئاسة البرلمان الخميس، إنّ مكتب المجلس قرر تأجيل الجلسة عقب تلقّيه تقديم مبادرة تشريعية تتعلق باقتراح إضافة فقرة سادسة جديدة إلى الفصل 61 من المجلة (القانون) الجزائية، تهدف إلى زجر الاعتراف والتعامل مع إسرائيل، مؤكدة أنّ الجلسة ستُستأنف بعد الاطلاع حول تقرير لجنة التشريع العام حول هذه المبادرة. وأوضح نواب، في وثيقة شرح أسباب المقترح الجديد، أنّ هذا الخيار أكثر تقاربًا مع "مفهوم الخيانة العظمى"، باعتبارها "جوهر مفهوم المجلة الجزائية"، مشدّدين على أنه يخلق "انسجامًا بين الموقفين الرسميّ والشعبيّ للدولة".تونس وإسرائيلومع ورود المبادرة التشريعية الجديدة، لا يُعرف مصير مشروع القانون الأول، وهو ما اعتبره المدافعون عن تمريره، مماطلة من السلطة التشريعية والتنفيذية لعدم تمريره. ورغم التبرير الذي قدّمه البرلمان التونسيّ لتأجيل النظر في هذه الجلسة، فإنّ القرار أثار ردود فعل متباينة، وذهب عدد من المنادين باستعجال تمرير القانون إلى حدّ اتهام رئاسة البرلمان بالمماطلة والتسويف، من أجل عدم تمريره إلى حين نهاية الحرب في غزة. وفي بيان لها اعتبرت حملة مناهضة العلاقات مع إسرائيل قرار تأجيل الجلسة العامة لقانون تجريم التطبيع، "مناورة جديدة للالتفاف والتقاعس عن نصرة شعب فلسطين". وأضافت أنّ هذا القرار ليس إلّا مناورة جديدة من رئيس المجلس لتسويف الموضوع، على أمل أن تنتهي الحرب على غزّة، قائلة "لو كانت النيّة الصادقة لوقع تقديم اقتراح تعديل المجلة الجزائية منذ وقت طويل، لا انتظار عشيّة استئناف الجلسة العامّة لإخراجه كما يُخرج الساحر أرنبًا من قبّعته". لكنّ الحقوقيّ المدافع عن القضية الفلسطينية أحمد الكحلاوي، اعتبر في تصريح لمنصة "المشهد"، أنّ المبادرة الجديدة خطوة مهمة مرحب بها، وتترجم الموقف التونسيّ الرسميّ والشعبيّ مما يحدث في غزة، معتبرًا أنّ الأهم هو تجريم كل أشكال التعامل مع إسرائيل. تجريم العلاقات مع إسرائيل الجدل حول قانون تجريم العلاقات مع إسرائيل، ليس وليد اللحظة، فمنذ سنوات تعيش تونس على وقع اختلاف المواقف من هذه الخطوة، التي تحولت في الأعوام الأخيرة إلى ملف يسعى الكل لتوظيفه سياسيًا.ونهاية العام الماضي عرض القانون على مجلس النواب، لكنّ النظر فيه تعطّل، ما حوّله إلى ملف تبادلت بشأنه الأطراف السياسية الاتهامات، بين من يرغب في استعجال تمريره ومن يرفض ذلك.ويقول المحلل السياسيّ مهدي المناعي، "إنّ مسألة تجريم التطبيع مع إسرائيل نظريًا محسومة في تونس"، فالبلد وفق تعبيره، "لا يملك علاقات مباشرة معها، إضافة إلى أنّ الموقف الرسميّ التونسي، دائمًا ما كان رافضًا رفضًا قطعيًا لفكرة التعامل مع إسرائيل بأيّ شكل من الأشكال". وفي حديثه لمنّصة "المشهد"، يرى أنّ هذا المشروع صار ملفًا للمزايدة السياسية من طرف الإسلاميّين والمتحالفين معهم، لمهاجمة السلطة الحالية وتحديدًا الرئيس قيس سعيّد، وذلك على اعتبار أنه دائمًا ما يشدد على رفضه الكلّي للتعامل مع إسرائيل". وكثيرًا ما عبّر الرئيس التونسيّ عن رفضه القطعيّ لفكرة التعامل مع إسرائيل، معتبرًا ذلك "خيانة عظمى". ويتابع المناعي مؤكدًا أنّ "موقف الرئيس التونسيّ لم يتغير، في حين أنّ الترويكا الحاكمة بقيادة "الإخوان"، رفضت تمرير هذا القانون سابقًا عندما كانت في الحكم".وفي فترة حكم حزب النهضة لتونس، أثار تمرير قانون تجريم العلاقات مع إسرائيل جدلًا واسعًا بعد رفض الإسلاميّين حينها، وكانوا أغلبية في البرلمان التصويت على مشروع قانون خاص به. وكان الإسلاميون وحلفاؤهم قد هاجموا سعيّد بعد تصريحات سابقة له حول مشروع قانون تجريم العلاقات مع إسرائيل، قال فيها إنه يضرّ بمصالح تونس الخارجية. ويقول الكحلاوي إنّ "الإخوان" هم من تصدّوا سابقًا لتمرير مشروع تجريم العلاقات مع إسرائيل، لذلك فإنّ مواقفهم الحالية هي في رأيه من باب "التزيّد على الموقف الرسميّ التونسي". ولا تملك تونس علاقات مباشرة مع إسرائيل بأيّ شكل من الأشكال.تداعيات على مصالح تونس ويتمسك المناصرون للقضية الفلسطينية باستعجال تمرير هذا القانون، مؤكدين أنه يعبّر عن إرادة التونسيّين وحماسهم للقضية الفلسطينية، خصوصًا في ظل مجريات الحرب واستمرار إسرائيل في قصف قطاع غزة، نافين أن تكون له عواقب على تونس كما يحاول البعض ترويجه. وانتظمت في تونس منذ بداية الحرب على غزة، تظاهرات شعبية حاشدة دعمًا للقضية الفلسطينية. في المقابل، حذّر مراقبون من تداعياته على مصالح تونس الخارجية، في صورة عدم صياغة قانون متماسك. وكان نصّ القانون الأول، قد قُدّم من طرف مجموعة من النواب الداعمين لسعيّد، لكنّ مجموعة أخرى من النواب عبّرت صراحة عن رفضها لتمريره، محذرة من تداعياته على البلد في صيغته المقترحة. ويقول المناعي إنّ المشروع الذي تم التقدم به للبرلمان لمناقشته وتضمن فصلين وحيدين، هو مشروع ضعيف من حيث الصياغة بإجماع كل المتخصّصين، ويتطلب المزيد من التدقيق والتثبت، حتى لا تكون له انعكاسات سلبية على تونس. ويعتبر المناعي أنّ الحديث عن تجريم العلاقات مع إسرائيل في المطلق وبالشكل الذي صيغ به في النسخة الأولى من المشروع، يُضرّ بتونس اقتصاديًا وسياسيًا على المستوى الدولي، والجميع مدرك لذلك، "عدا من يحاول أن يسجل نقاطًا سياسية لحسابه" وفق تعبيره، "إذ لا يمكن أن يتم تعريض مصالح البلاد للخطر وعزلها دوليًا، بسبب نص قانونيّ لم تقع صياغته بطريقة جيدة". وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد علّق في بداية الجدل حول مشروع تجريم التطبيع مع إسرائيل، قائلًا إنه "سيُضرّ بمصالح البلاد". وهو ما عاد وأكده رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة حينها، قائلًا إنّ "سعيّد أبلغه "أنّ مقترح القانون سيُضرّ بالمصالح الخارجية لتونس، وإنّ الأمر يتعلق بخانة الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، وأنّ المسألة اتخذت طابعًا انتخابيًا لا أكثر ولا أقلّ". وقالت تقارير صحفية محلية، إنّ تونس تعرضت لضغوط خارجية لمنع تمرير مشروع تجريم العلاقات مع إسرائيل، وفي تقرير لها صادر قبل أيام، قالت جريدة "الشارع المغاربيّ" نقلًا عن مصدر دبلوماسي، إنّ "الخارجية الأميركية وجهت مذكرة لتونس ذكّرتها فيها بتبعات تمرير قانون تجريم التطبيع مع إسرائيل، على المستويين الماليّ والاقتصادي".(المشهد)