بعد شهور طويلة من البرود الدبلوماسيّ بين البلدين، في ما يشبه أزمة صامتة، دخلت العلاقات المغربية- الفرنسية منعطفًا جديدًا، بعد تأكيد فرنسا دعمها لجهود المغرب في قضية الصحراء، في إطار حل توافقيّ بين جميع الأطراف تشرف عليه الأمم المتحدة. فما دلالات تصريحات وزير الخارجية الفرنسية ودعمه للمغرب؟ وهل غيّرت فرنسا من موقفها التاريخيّ بشأن النزاع في الصحراء؟أزمة صامتة تميزت العلاقات بين المغرب وفرنسا خلال الأعوام الأخيرة بتوترات قوية، وقد كان قرار فرنسا في سبتمبر 2021 بخفض عدد التأشيرات للمغاربة إلى النصف، والذي قوبل بانتقادات حادة في المغرب، بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس في الأزمة بين البلدين، إضافة إلى عدم رضى المغرب عن سعي الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون، إلى التقارب مع الجزائر التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط عام 2021. ويربط المغرب علاقاته الخارجية، بموقف البلدان من نزاع الصحراء، حيث صرّح العاهل المغربيّ الملك محمد السادس في خطابات سابقة، بأنّ الزاوية التي ينظر بها للمغرب لشركائه وأصدقائه، تتعلق بالموقف من هذه القضية التي يعتبرها للمغرب قضيته الأولى وإحدى ثوابته الوطنية. وفي أغسطس 2022، أكد العاهل المغربيّ أنّ ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات. وكان موقف العاهل المغربي واضحًا حينما قال، "ننتظر من بعض الدول، من شركاء المغرب التقليديّين والجدد، التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن توضح مواقفها، وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل". وهو ما اعتبره مراقبون إشارة واضحة إلى الدول التي تربطها علاقات تاريخية مع المغرب، ولم تعلن بعد عن موقفها بشكل واضح بخصوص نزاع الصحراء.فرنسا تدعم المغربوفي محاولة لرأب الصدع الذي بدا في العلاقات بين الرباط وباريس بسبب تراكمات عدة خلال السنوات الأخيرة، زار وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورني، أمس الاثنين الرباط، في مسعًى لفتح فصل جديد ولإعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها، حيث صرح الوزير الفرنسيّ أنّ موقف فرنسا من قضية الصحراء، هو أبرز نقطة في زيارته للمغرب، "ومن خلال مخطط الحكم الذاتيّ يجب على الرباط أن تعوّل على باريس، وموقفها الواضح في دعم هذا المخطط".القرار الفرنسيّ جاء بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسية ستيفان سيجورني للمغرب يوم الاثنين، في محاولة جديدة لإعادة الدفء للعلاقات بين الرباط وباريس، والتي شابها جمود غير مسبوق منذ وصول الرئيس الفرنسيّ الحاليّ لقصر الإليزيه عام 2017.وأعلن وزير الخارجية الفرنسية خلال مؤتمر صحفيّ مشترك مع نظيره المغربيّ ناصر بوريطة، عن دعم فرنسا "الواضح والمستمر" لمقترح الحكم الذاتيّ الذي تطرحه الرباط لحلّ نزاع الصحراء. وجدّد سيجورني تأكيد دعم بلاده "الواضح والثابت" لمخطط الحكم الذاتيّ في الأقاليم الجنوبية الذي تقدم به المغرب، مؤكدًا، في هذا الصدد، أنه" بالنسبة لفرنسا فقد حان الوقت لتحقيق تقدم في هذه القضية". وأكد وزير الخارجية الفرنسية على أنّ فرنسا كانت أول بلد يدعم مخطط الحكم الذاتيّ سنة 2007، وأشار إلى أنه "في إطار الاستمرارية المنطقية لهذا الالتزام، حان الوقت لتحقيق تقدم". ونوه المسؤول الدبلوماسيّ الفرنسيّ بالتغييرات والتنمية التي تشهدها الأقاليم الجنوبية للمغرب، وصرّح أنّ فرنسا ترغب أيضًا في المضي قدُمًا من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة، مشيرًا إلى أنّ "فرنسا ستواكب التنمية في هذه المنطقة من خلال دعم جهود المغرب في مختلف المجالات".باريس والرباط كما أكد رئيس الدبلوماسية الفرنسية أنّ باريس والرباط عازمتان على تجديد وتعميق روابطهما "الاستثنائية" من خلال الاتفاق على خريطة طريق "واضحة"، و"طموحة" ترقى إلى مستوى التحديات الجديدة. من جانبه، اعتبر وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقيّ والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أنّ العلاقات بين المغرب وفرنسا "المتفردة، والتي لا مثيل لها، والمتجذّرة في التاريخ" مدعوة إلى تجديد نفسها حتى تساير التطورات، كما يجب أن تتجدد وتتطور وفق مبادئ الاحترام المتبادل والطموح والتنسيق، وعلاقات دولة لدولة".علامة فارقة وتعليقًا على تصريحات وزير الخارجية الفرنسية، يقول الباحث المغربيّ في العلاقات الدولية، محمد الشرقاوي، إنّ التأكيد الفرنسيّ على دعم مقترح للمغرب، يعدّ علامة فارقة في الموقف الفرنسيّ من النزاع، حيث كانت فرنسا في السابق تتخذ موقفًا أكثر حيادية، ويتّسم بنوع من الضبابية، فلا هو يدعم المغرب، ولا يؤيد الطرح الآخر، بل كانت باريس تقف في الوسط وتتخذ المسافة نفسها من الطرفين. وأضاف الباحث المغربيّ في تصريح لمنصة "المشهد"، أنّ سيجورني لم يصرح بشكل صريح بمغربية الصحراء، إلا أنّ دعمه للحكم الذاتيّ يُعتبر اعترافًا ضمنيًا بسيادة المغرب على المنطقة، وهو ما يُبقي موقف فرنسا من هذا الجانب غامضًا على عكس موقف الولايات المتحدة الأميركية وإسبانيا، اللذين عبّرا بشكل واضح عن تأييد المقترح المغربيّ واعتباره أساسًا واقعيًا لأيّ حل مرتقب للنزاع المستمر منذ عقود. ويرى الشرقاوي أنّ دلالات تصريح وزير الخارجية الفرنسية يمكن النظر إليها من النزعة البراغماتية التي تتميز بها العقلية الفرنسية، التي تنظر إلى مستعمراتها السابقة كمنطقة مصالح، وبالتالي فلا يجب أن تحابي طرفًا على حساب طرف آخر، وهو ما جعل موقفها الأخير يقابَل بنوع من الفتور من الجانب المغربيّ الذي فهم أنّ فرنسا تبقي على موقفها السابق ولم تغيره.لا جديد من جهة أخرى، يقول الباحث في العلوم السياسية والشؤون الصحراوية عمر الحضرمي، إنّ الموقف الفرنسيّ لم يأتِ بجديد، بل أعاد الفكرة نفسها ولكن بصياغة إنشائية جديدة، حيث لم تكشف فرنسا عن موقفها النهائيّ والواضح كما فعلته دول كبرى قبلها، وهو ما يدلّ على أنّ الموقف الفرنسيّ كان الهدف منه كسر الجمود في العلاقات بين البلدين، باستخدام ورقة الموقف من قضية الصحراء. وأضاف الحضرمي في حديث لمنصة "المشهد"، أنّ الموقف الفرنسيّ كان حذرًا للغاية، ورئيس الديبلوماسية الفرنسيّ نمّق كلماته بشكل يظهر وكأنه يُرضي جميع الأطراف التي لها علاقة بالنزاع، وفي مقدمتها الجزائر التي ترفض أيّ اعتراف دوليّ بمغربية الصحراء، و"ما الموقف الجزائريّ من إعلان إسبانيا دعمها للمقترح المغربي، إلّا دليل واضح على ذلك، حيث دخلت العلاقات الجزائرية- الإسبانية في احتقان لم ينفرج إلى اليوم"، على حدّ تعبيره.(المشهد)