رأت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، أن جميع الحلول التي يتم تداولها في أروقة السياسة العالمية المرتبطة بغزّة محكومة بالفشل لأنها تتعامل مع غزة بمعزل عن غيرها، وكأن من الممكن معالجتها من دون النظر إلى القضية الأوسع المتمثلة في الدولة الفلسطينية وتقرير المصير. ورأى كاتب المقال، مروان معشر، نائب رئيس الدراسات في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن أنّه "ليكون حل مستقبل غزة مستداماً حقاً، لا بد أن تعالج السبب الجذري للعنف الذي لا ينتهي.. وهو الوجود الإسرائيلي في القدس الشرقية وغزة والضفة الغربية". نهاية اللعبة المفقودة ووفق معشر، الذي تدرّج في عدد من المناصب الرفيعة في الأردن فقد "أدت الحرب الحالية إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين، وتدمير غزة، وتقويض أمن إسرائيل والدعم الدولي، وخلق 1.5 مليون لاجئ فلسطيني آخر، والتهديد الذي يلوح في الأفق بحدوث المزيد من الترحيل الجماعي للفلسطينيين إلى خارج البلاد. وأي محاولة لحل مشكلة اليوم التالي من خلال العودة إلى النماذج القديمة لن تؤدي إلا إلى تكرار هذه الكوارث مرة أخرى". ويرى معشر أنه رغم وجود أسباب عديدة وراء تعثر كل جولة من جولات المفاوضات السابقة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، إلا أنها كانت تعاني من أوجه قصور أكبر كانت مشتركة بين أغلبها، فقد كانت في أغلب الأحوال تقريباً إما مفتوحة النهاية أو لم تحدد نهاية اللعبة في البداية. كما أنها افتقرت إلى آلية مراقبة ذات مصداقية للتأكد من أن الأطراف تفي بالتزاماتها التدريجية على الطريق المؤدي إلى التسوية الدائمة. علاوة على ذلك، في مناسبات عديدة، انهارت المفاوضات بشأن النتيجة النهائية، وليس بشأن الخطوات اللازمة للوصول إلى هذا الهدف، بحسب المعشر.من الفشل إلى الكارثة ويضيف المعشر "بالنسبة للفلسطينيين، كانت عواقب هذه الإخفاقات مدمرة. فقد تمكنت إسرائيل من مواصلة النشاط الاستيطاني غير قانوني بموجب القانون الدولي، في الضفة الغربية والقدس الشرقية (وحتى عام 2005 في غزة)، فاستوعبت الأراضي الفلسطينية وجعلت إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة أمراً متزايد الصعوبة. منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو، ارتفع عدد المستوطنين الإسرائيليين من حوالي 250 ألفاً إلى أكثر من 750 ألفاً، أي ما يقرب من ربع السكان في الضفة الغربية والقدس الشرقية بأكملها". وفي عام 2005، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون الانسحاب من غزة بشكل أحادي، منهياً الوجود العسكري الإسرائيلي المباشر. لكن الحكومة الإسرائيلية قامت ببناء حاجز أمني حول المنطقة لعزلها، وواصلت إسرائيل السيطرة على من يدخل ويخرج من القطاع. كما منعت سكانها الفلسطينيين من امتلاك مطار أو ميناء بحري، مما أدى فعلياً إلى عزل غزة عن العالم. وبعد أن سيطرت "حماس" بشكل كامل على القطاع في أعقاب الانقسام مع السلطة الفلسطينية في عام 2007، تدهورت الظروف المعيشية إلى درجة انخفض فيها دخل الفرد في قطاع غزة إلى جزء صغير من دخل الفرد الفلسطيني في الضفة الغربية. المتطلبات الأساسية للسلام على الرغم من أن أغلبية الإسرائيليين يحملون الحكومة الحالية مسؤولية الهفوات الأمنية التي حدثت في 7 أكتوبر فإن الانقسام العام في إسرائيل اليوم لم يعد بين المعسكرات المؤيدة للسلام والمناهضة للسلام، كما كان الحال قبل عقود، بل بين المعسكرين المؤيد والمعارض لنتانياهو، حيث يتخذ الجانبان موقفاً متشدداً ومتطابقاً تقريباً ضد الدولة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، فقدت السلطة الفلسطينية الكثير من مصداقيتها وشرعيتها. ففي استطلاع للرأي أجري أثناء وقف إطلاق النار القصير في غزة في أواخر نوفمبر، وجد المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن 88% من الفلسطينيين يريدون استقالة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، و7% فقط يريدون أن تحكم السلطة الفلسطينية بقيادة عباس غزة بعد الحرب. لا يمكن لأي طرف أن يدعي أنه يمثل الفلسطينيين في أي عملية سياسية دون انتخابات، لكن من المؤكد تقريبا أن السلطة الفلسطينية وإسرائيل والولايات المتحدة ستعارض مثل هذه الانتخابات في المدى القريب، نظرا لأن "حماس" قد تحصل على أكثرية الأصوات، كما يشير الاستطلاع.وفي حين يشير الاستطلاع نفسه إلى أن شخصيات مثل مروان البرغوثي تتمتع بدعم واسع النطاق بين جماهير "فتح" و"حماس"، فمن المشكوك فيه أن توافق إسرائيل على إطلاق سراحه، وذلك على وجه التحديد لأن الحكومة الحالية ليست مهتمة بالتوصل إلى صفقة سياسية.3 سيناريوهاتويقول المعشر إنه إذا ثبت في نهاية الحرب في غزة أن تنفيذ عملية سياسية جادة أمر مستحيل، فقد تتكشف 3 سيناريوهات بديلة. أولاً، يمكن للأطراف العودة إلى انتظار وقت أفضل وأكثر هدوءاً، مثلما فعلت الولايات المتحدة في السنوات التي سبقت هجمات 7 أكتوبر. وهذه الاستراتيجية ستفشل بالتأكيد. فهو يفترض أن حل الدولتين هو في نهاية المطاف النتيجة المفضلة لجميع الأطراف، لكن في إسرائيل، انخفض الدعم في الكنيست لاتفاقية سلام لتقاسم الأرض من أغلبية الأعضاء قبل 30 عاماً إلى ما لا يزيد عن 15 عضوًا اليوم. علاوة على ذلك، فإن منطق الانتظار يفترض وجود وضع راهن ثابت، ومن الواضح أن الأمر ليس كذلك نظراً لاستمرار إسرائيل في توسيع المستوطنات. والبديل الثاني، في غياب عملية سياسية جادة، قد يكون أسوأ من ذلك: النقل الجماعي للفلسطينيين من أرضهم التاريخية إما بالقوة أو بجعل الحياة الفلسطينية في الأراضي لا تطاق من غزة إلى مصر، ومن الضفة الغربية إلى الأردن. السبب وراء ضرورة أخذ مثل هذه النتيجة الجذرية على محمل الجد هو الواقع الديموغرافي الذي تواجهه إسرائيل الآن، فقد بلغ عدد العرب الفلسطينيين في المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل الآن 7.4 ملايين نسمة، وهو عدد أكبر من عدد اليهود الإسرائيليين داخل إسرائيل وفلسطين والذي يبلغ 7.2 ملايين نسمة. وهذا يتركنا أمام بديل ثالث وهو الأكثر ترجيحاً، بحسب المعشر وهو "استمرار الوجود الإسرائيلي، ولكن الآن في ظل ظروف غير قابلة للاستمرار. إن معدل المواليد لدى الفلسطينيين أعلى من نظيره بين اليهود الإسرائيليين، ومع فقدانهم الأمل على نحو متزايد في احتمال قيام دولة فلسطينية، فإن مطالبتهم بالمساواة في الحقوق مع الإسرائيليين سوف ترتفع بصوت أعلى وأكثر إصراراً. وقد يصبح الصراع بعد ذلك أكثر عنفا".(ترجمات)