لا حديث في المشهد السياسيّ المصريّ في هذه الأيام، يعلو فوق قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي أقرّته لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب مؤخرًا، خصوصًا بعد إعلان عدد من الحقوقيّين ونقابتَي الصحفيّين والمحامين، اعتراضات على بعض بنود هذا القانون، وطالبوا بإعادة طرحه للحوار المجتمعيّ مرة ثانية.وعند مناقشة القانون، قدمت نقابة المحامين المصرية ملاحظاتها واعترضت على 22 مادة، وانضمت إليها نقابة الصحفيّين في هذا الاعتراض، واستجابت اللجنة التشريعية للكثير منها، حتى أعرب نقيب المحامين في النهاية عن رضاه على المسوّدة النهائية لمشروع القانون، لكنّ نقابة الصحفيّين كان لديها مزيد من الاعتراضات حول هذا القانون.ما رد مجلس النواب على المعترضين؟وأمام اعتراضات البعض حول مواد القانون، سارع مجلس النواب المصريّ بالدفاع عنه، واصفًا إياه في بيان أصدره، بأنه يعدّ خطوة مهمة في تحديث النظام القانونيّ في مصر، ويهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في فلسفة الإجراءات الجنائية، حيث يمنح النيابة العامة اختصاصات أوسع في تحريك الدعوى الجنائية، فباتت صاحبة الاختصاص الأصيل في تحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، إعمالًا لحكم المادة (189) من الدستور، كما يشمل مجموعة من الضمانات التي تعزز من حقوق الإنسان، منها تقليص مدة الحبس الاحتياطي، وتقييد سلطات مأموري الضبط القضائيّ في القبض والتفتيش، ووضع ضوابط لتعويض المتهمين عن الحبس الاحتياطيّ الخاطئ.وفي حديثه لمنصة "المشهد" أوضح وكيل لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب المصريّ ورئيس اللجنة المكلفة بإعداد وصياغة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، النائب إيهاب الطماوي، أنّ قانون الإجراءات الجنائية المعمول به الوقت الراهن داخل مصر، لم يتغير منذ عام 1950 أيّ منذ ما يقرب من 74 عامًا، وبالتالي كان يجب أن تكون هناك فلسفة جديدة بعد كل هذه الأعوام، من خلال تشريع متكامل وليس تعديلًا، وذلك لأنه بمرور الوقت ظهر عدد من الإشكاليات التي تحتاج إلى معالجة تشريعية، تساهم في تعزيز حقوق الإنسان وتنظم عملية التقاضي، وتوفير ضمانات المحاكمة العادلة للمتقاضين.بالإضافة إلى أنه في عام 2017 تقدمت الحكومة لمجلس النواب بتعديلات على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وذلك استجابة لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بناءً على توصيات لجنة الحوار الوطنيّ مع الأحزاب السياسية بتعديل بعض مواد القانون، خصوصًا المتعلقة بالحبس الاحتياطي، وتضمن مشروع الحكومة تعديل 365 مادة من أصل 461 مادة بالقانون، أي ما يعادل نحو 80% من مواد القانون، وبالتالي كان لزامًا علينا أن تقوم بإعداد قانون كامل متكامل.وكشف الطماوي أنّ مشروع القانون نتاج لعمل تشاركيّ للجهات ذات الصلة كافة، والمتخصّصين، واستمر العمل لإخراجه عامين من العمل المتواصل مع الأطراف المعنية كافة، مشيرًا إلى أنّ القانون تم عرضه للحوار المجتمعيّ على الجهات كافة خلال فترات مناقشته، موضحًا أنّ اللجنة التي تم تشكيلها لصياغة مسوّدة القانون، ضمت في عضويتها ممثلين من (اللجان الدستورية والتشريعية والدفاع والأمن القوميّ وحقوق الإنسان بمجلس النواب، بالإضافة إلى الخبراء المتخصصين من مجلس الشيوخ، وممثلين عن الجهات القضائية، ووزارات الدفاع والعدل والداخلية ونقابة المحامين والمجلس القوميّ لحقوق الإنسان، وأساتذة من كلية الحقوق جامعة القاهرة).وأكد الطماوي أنّ القانون الجديد يحقق طموحات عموم المصريّين، وبه من الضمانات التي وردت، ما يشكل نقلة نوعية في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى أنه يتفق مع الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقها الرئيس السيسي من جهة، ومع أحكام دستور 2014 من جهة أخرى، والمواثيق الدولية ذات الصلة من جهة ثالثة، مبينًا أنه يعدّ خطوة مهمة لتطوير وتعزيز منظومة العدالة، كما أنه يعكس التزام الدولة وحرصها على تطوير المنظومة التشريعية، بما يتناسب مع التطورات الاجتماعية.نقابة الصحفيّين تبدي تحفظهامن جهته، طالب نقيب الصحفيّين خالد البلشي عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعيّ "فيسبوك"، بسحب مشروع قانون الإجراءات الجنائية، ووقف مناقشات التصويت على بنوده في اللجنة التشريعية بمجلس النواب، واصفًا إياه "بالكارثي" ومطالبًا بضرورة طرحه للحوار المجتمعيّ من أجل وضع قانون جديد يستجيب لمتطلبات المجتمع المصري.ويرى البلشي أنّ 41 مادة من موادّ المشروع تخالف مواد الدستور، وهناك 44 مادة تحتاج لتعديلات جذرية، بينها مادتان على الأقل تتعلقان بعمل الصحافة وهما 15 و266، وتمثلت أبرز ملاحظاتها على القانون في وجود نصين يمكن استخدامهما لتقييد العمل الصحفي.وذهب نقيب الصحفيّين إلى القول بأنّ مشروع قانون الإجراءات الجنائية الحالي لا يلبي العديد من المعايير التي من أبرزها الآتي:بعض نصوصه تخالف الدستور بفجاجة.يوجد به نصان يمكن استخدامهما لتقييد العمل الصحفي.ينال من مواد الدستور الخاصة بالتقاضي ونظام العدالة، ونحن بدورنا نؤكد أنه لا حرية للصحافة في ظل غياب إجراءات قانونية تضمن العدالة للجميع.وحول موعد العمل بالقانون الجديد أوضح وكيل اللجنة التشريعية بمجلس النواب إيهاب الطماوي، أنّ موافقة اللجنة الدستورية بمجلس النواب على مشروع قانون الإجراءات الجنائية لا يعني إقراره، وإنما إحالته لمناقشة مواد القانون في الجلسة العامة، والتصويت على كل مادة قبل إقرارها، وفي النهاية يتم الموافقة على مجمل القانون بموافقة ثلثَي أعضاء مجلس النواب.ووفقًا للطماوي فإنّ مجلس النواب ما زال يفتح أبوابه لمناقشة أيّ تعديلات قد يراها البعض ضرورية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، طالما تهدف إلى إرساء نظام عدالة ناجزة، وتسعى لتعزيز الحقوق والحريات العامة، لافتًا إلى أنّ الغاية المشتركة تظل تحقيق العدالة وضمان حماية حقوق الجميع.مميزات مهمةوأشار الطماوي إلى أنّ مشروع القانون تفرّد بالعديد من البنود المميزة والمهمة التي للمرة الأولى يتم تضمينها في القانون المصري، وذكر منها الآتي:تخفيض مدد الحبس الاحتياطيّ ووضع حدّ أقصى له.وضع مادة للمرة الأولى تخصّ حماية الشهود والمبلغين وأيضًا المجني عليهم.مراعاة ذوي الإعاقة وحقوق المرأة، فنص القانون على عدم تنفيذ أحكام الإعدام بحق الحامل إلا بعد عامين من تاريخ الولادة.استغلال التطورات التكنولوجية التي يشهدها العالم من خلال نصوص قانونية لاستخدامها داخل قاعات المحاكم، فيمكن الاستماع إلى الشهود عن بُعد، وتقديم الأدلة الرقمية، وإجراء المحاكمات عبر الفيديو كونفرانس في حالات معينة.وفي ما يخص الانتقادات التي وُجهت للقانون بشأن توسعة الضبطية القضائية لأفراد وزارة الداخلية والسماح بدخول المنازل وتفتيشها من دون إذن قضائيّ، أوضح الطماوي أنّ هذا الأمر ليس موجودًا في القانون الجديد، ولا يجوز لأيّ جهة دخول المنزل إلّا بإذن قضائيّ مسبّق ومبرّر.من ناحيته، أكد الخبير القانونيّ ورئيس حزب الشعب الديمقراطيّ المستشار خالد فؤاد، أنّ نقابة المحامين أبدت اعتراضات على بعض المواد في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وكانت هذه الاعتراضات بحق 22 مادة، من بينها مواد تخص حق الدفاع وحق المواطن، وذكر أنّ من بين أبرز المواد التي تحفظت عليها نقابة المحامين، هي المادة 242 والتي كانت تنتقص من كفالة ضمانات حق الدفاع أمام المحكمة، لكنه في الوقت ذاته أشار إلى أنّ مجلس النواب فتح ذراعيه للنقابة، واستمع إلى رؤيتها بشأن تلك التعديلات ووافق على عدد منها.فيما أوضح فؤاد أنّ القانون القديم لسنة 1950، لا يتناسب حاليًا في ظل الثورة التكنولوجية واختلاف النظم، حيث تم وضعه في عهد "المملكة المصرية" عام 1950، ولا يتماشى حاليًا مع الظروف التي تغيرت كثيرًا للشعب المصري وتركيبته الاجتماعية، والجرائم الجديدة وضرورة مواكبة التكنولوجيا، ومن ثم فهو مشروع ثوريّ تقدميّ به موادّ كثيرة متقدمة، تتناسب مع التقدم العلميّ والرقميّ في العالم، ويتسق مع الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها مصر وأصبحت ملزمة لها.وكانت اللجنة المكلفة بإعداد وصياغة مشروع قانون الإجراءات الجنائية من قبل مجلس النواب المصري، قد أعلنت الانتهاء من مناقشته، لكنّ بعض بنود القانون الجديد قوبلت برفض شديد من قبل البعض داخل البلاد، الأمر الذي جعل اللجنة المكلفة بإعداد القانون تُقدم على إدخال بعض التعديلات. (المشهد - القاهرة)