من جديد، يمضي الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتصريح والإعلان عن نواياه حيال مستقبل قطاع غزة والحلول المطروحة من جانبه، بإعادة الإعمار عبر إخراج وتهجير الفلسطينيين منه، واستيلاء الولايات المتحدة على القطاع وتحويله إلى منطقة سياحية جميلة "ريفييرا الشرق الأوسط"، عبر مشروع عقاري ترفيهي بأبراج شاهقة على البحر، وهو ما اعتبره الفلسطينيون، مشروع تهجير عبر "واجهة اقتصادية".تصريحات ترامب لاقت غضباً ورفضاً فلسطينياً وعربياً ودولياً، وأعربت الرئاسة الفلسطينية ومختلف الفصائل الفلسطينية رفضها المطلق لدعوات الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم. وفي الجانب الإسرائيلي، أشاد مسؤولون إسرائيليون وعلى رأسهم نتانياهو باقتراح ترامب، معتبرين أن "رؤية الرئيس الأميركي تمثل "تحولاً جذرياً في المنطقة"، وبأنها "قد تغير التاريخ" وأن الرئيس ترامب "ملتزم تجاه إسرائيل". ترامب وريفييرا الشرق الأوسطفي السياق، أكد المستشار السياسي لوزارة الخارجية الفلسطينية د. أحمد الديك لمنصة "المشهد" بأن تصريحات ترامب بالغة الخطورة ومرفوضة، وقال:نحن ننظر بخطورة بالغة لمقترح ترامب المتعلق بقطاع غزة، فالمقترح لا يتعلق بتحويل قطاع غزة إلى ريفييرا، بل جعله ريفييرا إن صدقت النوايا من دون أهالي قطاع غزة. الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي واضح وصريح، مع أن يتم تعمير قطاع غزة لريفييرا مع وجود الفلسطينيين في قطاع غزة وليس بترحيلهم وتهجيرهم لخارج القطاع، كما يريد ترامب نحو مصر والأردن، هذه أفكار مرفوضة وخارجة عن السياق والتاريخ وحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة. وتابع حديثه لـ"المشهد" موضحا أن "التهجير القسري هو انتهاك صارخ للقانون الدولي، ويعطي الشرعية في الوقت ذاته للتدمير الهائل الذي قامت به إسرائيل في عموم قطاع غزة، هذه التصريحات تتنافى مع القانون الدولي وحقوق الإنسان، ومع المثل والمبادئ التي تنادي بها الولايات المتحدة الأميركية، نحن نحذر أن تقوم الحكومة الإسرائيلية باستغلال أقوال وأفكار ومقترحات الرئيس الأميركي ترامب، وتفرض التهجير بالقوة". وشدّد المستشار السياسي للخارجية الفلسطينية بأن "من يسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، عليه أن يدين الجرائم الإسرائيلية ويوقفها، وأن يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني في نيل حريته وإقامة الدولة المستقلة، ونطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته، والوقوف بحزم، ضد أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني أو انتهاك حقوقه، ونؤكد بأن الحل الوحيد العادل والدائم للقضية الفلسطينية يكمن في إنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وفقاً للقرارات الدولية ذات الصلة". حكومة نتانياهو الرابحة من جهته، أشار المحلل السياسي الإسرائيلي يوآف شتيرن لمنصة "المشهد" بأن "الأصداء في إسرائيل حول مقترح ترامب تشير إلى الرضى وربما أكثر من ذلك، فالمقترح يتناغم تماماً مع مخططات الحكومة الحالية، ومعظم المجتمع الإسرائيلي، يعتقد بأن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لا يمكن إلا عبر تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وهذا توجه الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية". ويعتقد المحلل السياسي شتيرن فإن المقترح لن ينفذ على أرض الواقع، "مقترح ترامب بتحويل قطاع غزة لريفييرا الشرق الأوسط، لن ينجح ولن يرى النور، وعلى الأغلب لن يتم تنفيذه، لأنه ليس واقعياً على الإطلاق وفكرة مستحيلة، فهو معاكس للثوابت الفلسطينية وسيصطدم برفض أهالي غزة، يجب على الرئيس ترامب أن يفكر بحل منطقي وواقعي يمكن أن ينفذ في قطاع غزة لحل الصراع وليس تعقيده أكثر فأكثر". واستكمل حديثه قائلاً:الحكومة الإسرائيلية معنية في هذا المقترح المطروح من قبل ترامب وبالتأكيد ستوافق عليه، لأنه يخدمها سياسياً، ويتماشى مع مخططاتها ومساعيها المعلنة في قطاع غزة.المقترح سيعزز من مكانة نتانياهو كرئيس للوزراء، عبر تماسك الشركاء معه بالائتلاف الحكومي، وهذا ينسجم مع الحكومة وسياستها بالمنطقة في التعامل مع الصراع القائم. إلغاء الشعب الفلسطيني واعتبر الباحث والمحلل السياسي عادل شديد في حديث لمنصة "المشهد" أن "مقترح ترامب يتحدى القانون الدولي والمنظومة الأخلاقية والقيمية، ويظهر فيه جنون العظمة لترامب الذي هو ليس قدرا وبالإمكان هزيمته، وهذا تطور سلبي وخطير على القضية الفلسطينية، وينقذ إسرائيل من جريمة التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي ارتكبتها طوال الحرب في قطاع غزة، وبالتالي الأمر يتطلب مشروعا فلسطينيا فيه وحدة، فالرهان على الشعب الفلسطيني لا يكفي، بل يجب أن يكون هناك موقف سياسي موحد، ومن ثم الذهاب باتجاه قرار عربي، يرى بما طرحه ترامب تهديد بالأمن القومي الجماعي العربي، لإفشاله". وأوضح شديد أن "الفلسطينيين في قطاع غزة لن يستفيدوا من هذا المشروع الاقتصادي لأنه سيتم تهجيرهم، بل المستفيد من مقترح ترامب بجعل قطاع غزة ريفييرا الشرق الأوسط هو تيار اليمين الفاشي في إسرائيل، الذي حصل على رافعة جديدة وشرعية عبر تصريح ترامب، لكن في حال تم تنفيذ هذا المشروع أم لم ينفذ، وكان هناك مخطط أم لم يوجد، بكل الأحوال، طرح التهجير والترانسفير في هذا التوقيت، خطير ويعطي شرعية للفكر الإسرائيلي ويعيد النقاش للمربع الأول بأن فلسطين أرض بلا شعب".معيقات مقترح ترامب في المقابل، أوضح الأكاديمي والخبير الاقتصادي د. طارق الحاج لمنصة "المشهد" بأن "مقترح ترامب المتهور غير واقعي بالنسبة للفلسطينيين، الذين يتشبثون بأرضهم ووطنهم وحقهم المشروع الذي كفلته كل القوانين الدولية، لكن في ظل الحكم السائد في إسرائيل والولايات المتحدة، ليس مستبعداً من تنفيذ وتمرير المقترح في قطاع غزة، بالدرجة الأولى سيستفيد نظام الحكم في إسرائيل والرئيس ترامب من هذه الرؤيا الاقتصادية، وكذلك رأس المال الاستثماري الذي لا يهمه أين وكيف يستثمر، أو حتى الوقت الذي يستثمر به، المهم جلب المال والأرباح في نهاية المطاف".وشدّد الخبير الاقتصادي على وجود معيقات ستواجه هذا المقترح، وهي:المعيق الأول، وجود الشعب الفلسطيني وعدم رغبته في ترك وطنه معيق محوري ومهم في هذا المقترح. المعيق الثاني، مدى تماسك وتمسك الدول الرافضة لرغبة ترامب بتهجير الفلسطينيين إليها، كمصر والأردن وغيرها من الدول.المعيق الثالث، وجود وحدة فلسطينية حقيقية على أرض الواقع تصدى لمقترح ترامب تفشل هذه الرؤيا حيال مستقبل قطاع غزة. (المشهد)