رغم المؤشرات الإيجابية التي اعتبرها محللون مُقدمة لعودة العلاقات بين سوريا وتركيا، خصوصًا بعد الدعوة التي وجهها الرئيس التركيّ رجب طيب إردوغان للقاء نظيره السوري بشار الأسد بهدف إعادة السلام بين البلدين لمصلحة الشعبين، إلا أنّ هناك عقبات عدة ما زالت تقف أمام إتمام هذا الاتفاق.وردًا على دعوة إردوغان، علّقت وزارة الخارجية السورية بقولها إنّ سوريا حرصت على التعامل بإيجابية مع مختلف المبادرات التي طُرحت لتحسين العلاقات بينها وبين تلك الدول بما فيها تصحيح الأوضاع مع تركيا. ولكن دمشق وضعت شرطًا لعودة العلاقات مع أنقرة وهو انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضاً. ملف تحسين العلاقات بين سوريا وتركيا، الذي يتم بوساطة روسيّة متواصلة منذ أكثر من عام، وفقًا لتقارير صحفية. وبالأمس، خرج وزير الدفاع االتركيّ يشار غولر، ليقول إنّ بلاده لا يمكن أن تناقش التنسيق بشأن الانسحاب من سوريا إلا بعد:الاتفاق على دستور جديد.إجراء انتخابات.تأمين الحدود بين البلدين.ما فتح هذا التصريح الباب أمام العديد من الأسئلة حول إمكانية التوّصل إلى اتفاق بين البلدين خصوصًا وأن الشروط التي وضعتها كل من دمشق وأنقرة تبدو متعارضة لبدء جلسات التفاوض، فيما ذهب البعض إلى القول بأن هناك اختلافًا في وجهات النظر داخل الحكومة التركية فيما يتعلق بملف تطبيع العلاقات مع سوريا. لكن قال محللون في حديث لمنصة "المشهد" إنّ تصريحات وزير الدفاع التركي ليست بعيدة عن الأهداف التي تعلنها تركيا والخاصة بتهيئة المناخ المناسب قبل انسحاب قواتها من الأراضي السورية.رغبة تركيا في تطبيع العلاقات مع سورياوفي التفاصيل قال المحلل السياسيّ والمتخصص في الشأن التركي، محمود علوش، إنّ تصريحات وزير الدفاع التركي تعكس بشكل كبير الخطوط العريضة التي حددتها بلاده لسياستها الجديدة منذ شروعها في حوار مع دمشق برعاية روسية قبل أكثر من عام.وأضاف في حديث لـ "المشهد" أنّ التصريحات الجديدة هي تأكيد على هذه المبادئ، وتندرج في سياق تأكيد أنقرة على أن أيّ انسحاب تركي من سوريا في المستقبل لا يمكن أن يتم دون توفر الظروف الموضوعية لهذا الانسحاب. وأشار علوش إلى أنّ تصريحات وزير الدفاع التركي لا تعكس أيّ تحول في الموقف التركي بقدر ما تشير إلى محاولة أنقرة التأكيد على أنها ليست هناك أيّ مساومة على المبادئ الثلاثة للانسحاب من الأراضي السورية. ورأى المتخصص في الشأن التركي أنّ أنقرة لا تزال راغبة في تطبيع العلاقات مع دمشق، لافتا إلى أنه ليس هناك أيّ خلاف داخل الحكومة التركية فيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع سوريا. وقال علوش إنّ هناك عوامل رئيسية ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند تقييم الجهود الحالية لمشروع التطبيق، وتتمثل في: الشروط التي طرحتها تركيا هي شروط موضوعية.لا يمكن تصوّر أن تتمكن تركيا من معالجة هواجسها الأمنية وحتى إعادة اللاجئين إلى سوريا دون أن يكون هناك حل سياسي للصراع في سوريا.لا يمكن النظر إلى هذه الأهداف على أنها عرقلة مسار التطبيع مع دمشق وتراجع عنه.استحالة تحقيق تقدّم في هذا المسار قبل التوصّل إلى تفاهم على المبادئ العامة للتطبيع، وهي المرحلة الأكثر أهمية في هذا المسار.وأوضح علوش أنّ الرئيس السوريّ بشار الأسد سارع إلى طرح تصوراته العريضة لهذه المبادئ والمتمثلة في عنصرين رئيسيين هما: تحديد الانسحاب التركي من سوريا كأساس لعودة طبيعية للعلاقات.العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل اندلاع الصراع في عام 2011.ورغم ذلك رأى المتخصص في الشأن التركي، أنه لا يجب النظر إلى هذا السقف التفاوضي المرتفع على أنه ثابت وغير قابل للانخفاض لاعتبارين اثنين:رهن التطبيع بإنهاء الصراع لا يعني سوى انتظار المزيد من الوقت الطويل.يتطلع كل من الأسد وإردوغان إلى المزايا المباشرة المختلفة للتطبيع بمعزل عن مسألة الحل السياسي الذي لا يُمكن تصوره بأي حال دون انخراط إقليمي ودولي واسعين فيه.تخوّفات أمنيةمن جانبه، استبعد المحلل السياسي والمتخصص في الشأن التركي، فراس رضوان أوغلو، وجود قراءة عسكرية لدى تركية مختلفة عن القراءة السياسية فيما يخص تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. وأشار في حديث لـ"المشهد" إلى أنّ تركيا لديها تخوّفات أمنية من قبل القوات العسكرية الموجودة في الأراضي السورية بسبب التطورات الجارية في منطقة الشرق الأوسط، خصوصًا مع احتمالية أن تتحول الساحة الشمالية في سوريا إلى صراع بين إيران وأميركا وإسرائيل وهو ما لا تريده تركيا. واتفق أوغلو مع الطرح السابق المتعلق بأن تصريحات وزير الدفاع التركي لا تعني أن هناك اختلافا في وجهات النظر في تركيا حول ملف التطبيع في سوريا. وأشار إلى أنّ تركيا لا ترغب في وجود قوات موالية لإيران أو حتى ميليشيات سورية تتبع إيران. وقال أوغلو إنّ "انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية أمر قائم ولكن السؤال هو كيفية الترتيب لهذا الانسحاب وتوقيته"، لافتا إلى أنّ التطورات الجديدة تجعل تركيا تتراجع نوعا ما عن هذه الخطوة في الوقت الحالي. وختم رضوان أوغلو حديثه إلى "المشهد" بقوله: "هناك رغبة لدى تركيا في تطبيع العلاقات مع سوريا في الوقت الحالي لتهدئة الأوضاع على حدودها". (المشهد)