مع دخول الحرب الروسية – الأوكرانية عامها الثالث، لا تزال الحرب تشغل المجتمع الدولي، في وقت تصرّ فيه كييف على استعادة الأراضي التي سيطرت عليها روسيا. في المقابل، تصرّ موسكو على حقها في الدفاع عن نفسها ضد جارتها المتحالفة مع خصومها (الغرب). تتجدد الدعوات الغربية إلى مساندة ودعم أوكرانيا بين الحين والآخر، كان آخرها دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى تحرّك سريع، وذلك خلال افتتاحه مؤتمراً يهدف إلى حشد الدعم الغربي لكييف وشارك فيه القادة الأوروبيون بمناسبة دخول الحرب عامها الثالث. وكانت الرئاسة الفرنسية أكّدت قبل الاجتماع أن هذا المؤتمر سيشكّل فرصة للمشاركين "لتأكيد وحدتهم وعزمهم هزيمة الحرب العدوانية التي تخوضها روسيا في أوكرانيا". موقف فرنسي جديد على الرغم من الدعوات الفرنسية والأوروبية بشكل عام إلى دعم أوكرانيا، فإن الموقف الفرنسي الأخير كان جديدا من ناحية دعوته إلى إمكانية إرسال قوات فرنسية إلى أوكرانيا، إذ أشار ماكرون قبل الاجتماع في باريس إلى أنه من غير المستبعد إرسال قوات برية غربية لإلحاق الهزيمة بروسيا، مضيفا "شهدنا تصلباً في موقف روسيا، خصوصاً في الأشهر القليلة الماضية"، وأشار إلى وفاة المعارض أليكسي نافالني في السجن. وهذه ليست المرة الأولى التي تقول فيها باريس إنها تدرس الخيار العسكري في أوكرانيا، ففي 2022، أعلنت باريس أنها تدرس إرسال المزيد من العتاد العسكري إلى أوكرانيا لمواجهة روسيا، بما يشمل مدافع "هاوتزر" الفرنسية من طراز "قيصر". وردا على تصريحات ماكرون، أكد المستشار الألماني أولاف شولتس أنه لن يتم إرسال أي جندي إلى أوكرانيا من الدول الأوروبية أو الدول الأعضاء في حلف الناتو. وخلال مؤتمر صحافي قال شولتس: "ما تم الاتفاق عليه منذ البداية ينطبق أيضا على المستقبل، وهو أنه لن تكون هناك قوات على الأراضي الأوكرانية مرسلة من الدول الأوروبية أو دول الناتو".كذلك قالت لندن إن المملكة المتحدة لا تخطط لنشر قوات في أوكرانيا "على نطاق واسع" ما خلا "العدد الصغير" من القوات الموجودة هناك لدعم جيش كييف.وحذرت روسيا من هذه الخطوة، وقال الناطق باسم الكرملين إن إرسال قوات إلى أوكرانيا لن يكون في مصلحة الغرب.رغبة ماكرون ولا يعتقد المحلل السياسي الأوكراني فلوديمير شوماكوف في حديث إلى منصة "المشهد" أن "فرنسا أو أي دولة أخرى سوف ترسل قواتها إلى أوكرانيا. كييف لا تحتاج إلى جنود، وإنما تحتاج إلى ذخائر ومعدات عسكرية ومقاتلات". ويرى شوماكوف أن "ماكرون يريد أن يكون رائدا في الاتحاد الأوروبي عبر تزويد أوكرانيا بالمساعدات، يتزامن ذلك مع تردد المستشار الألماني شولتس بتزويد أوكرانيا بأسلحة هجومية. لا يوجد موقف أوروبي موحّد لدعم كييف، في ظل مشاغل وجودية للاتحاد الأوروبي، وفي ظل تصريحات الرئيس الأميركي السابق حول انهيار وعدم تمويل الناتو". في بداية الحرب، كان الموقف الأوروبي أكثر توحدا وتماسكا، ساعيا حينها إلى دعم أوكرانيا بمعدات عسكرية تساعدها في التصدي لروسيا، لكن مع إطالة زمن الحرب، بدأت الشروخ تظهر في الموقف الأوروبي، ترافق ذلك مع تراجع الدعم الذي كان يقدم لكييف في بداية الحرب. يؤيد ذلك المتخصص في الشأن الروسي عمر الديب في تصريح إلى منصة "المشهد" قائلا: "تصريح ماكرون إعلامي لا أكثر، حيث إن مسألة إرسال قوات برية إلى أوكرانيا هي إعلان حرب من جانب فرنسا، وبالتالي سيكون إعلان حرب من الناتو، وهذا الأمر سيؤدي إلى سيناريوهات خطيرة". ويتساءل الديب أنه "كيف يمكن الحديث عن إرسال قوات برية في الوقت الذي تتراجع فيه المساعدات إلى أوكرانيا، حيث أصبح الدعم الغربي في أقل مستوياته منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فكيف يتم تقليل المساعدات العسكرية إلى أدنى مستوياتها، والحديث عن دعم عسكري بري للقوات الأوكرانية ضد الجيش الروسي؟". ويبين الديب أنه "لا يمكن أخذ هذا النوع من التصريحات بجدية سواء في الوقت الحالي أم في المستقبل القريب، وربما تكون هذه التصريحات موجهة للداخل الفرنسي أو الأوروبي، أو لأوكرانيا والولايات المتحدة".موقف أوروبي غير موحد تشير الوقائع على الأرض أن أوكرانيا تعاني تخبطا عسكريا، خصوصا بعد خسارتها منطقة أفدييفكا، التي تعتبر الحصن المنيع ضد روسيا، تزامن ذلك مع إقالة القائد العام للقوات المسلحة فاليري زالوجني، والعديد من المدوّنين العسكريين المناصرين للكرملين. ويشرح الديب أنه "لا يوجد نية أوروبية حقيقية لدعم أوكرانيا، فهي بدأت بالأساس من خلال الضغط البريطاني على الدول الأوروبية من أجل تقديم مساعدات والتخلص من ترسانات الأسلحة القديمة الخاصة فيها، إضافة إلى أن أوروبا ليست بحاجة إلى هذا الدعم في الوقت الحالي، وفرنسا من الدول التي ترفع لواء التفاهم وتخفيف حدة الصراع بين روسيا والغرب، فلا يمكن لباريس أن تقوم بهذه التحركات التي يمكن أن تؤدي إلى حرب شاملة بين روسيا والناتو". العام الماضي، طُرحت مسألة انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من عدم التقدم في هذا الأمر، فإن المبادرات الأوروبية بين الحين والآخر تُبين المساعي الأوروبية بإظهار الالتزام بأوكرانيا، ومساعدتها ضد موسكو. من جهته يلفت شوماكوف أن "الغرب يرغب في إيجاد حل للحرب الأوكرانية في أقرب وقت، لأن استمرار الحرب يدمر الاقتصاد الأوروبي، بوتين اختار مسار حرب الاستنزاف، وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة، فإن موسكو ترغب في حرب طويلة الأمد للاستيلاء على كل أوكرانيا". ويضيف شوماكوف "روسيا هاجمت أوكرانيا لأن بوتين يرغب في إعادة بناء الاتحاد السوفياتي، وعودة كل الدول التي كانت جمهوريات في الاتحاد السوفياتي إلى سيطرة روسيا، خصوصا أن أوكرانيا هي الدولة الأقوى بين الدول السوفياتية سابقا". قلة الدعم الأميركي تشتت الدعم الأميركي ما بين إسرائيل وأكرانيا، حيث تقف فيه واشنطن مع الجانبين كحليف. وأشار كبار ساسة كييف إلى عدم رضاهم عن الموقف الأميركي، من منطلق أن الغرب جرّهم إلى الحرب، ولم يعد يدعمهم بما هو كافٍ لمواجهة روسيا. يضاف إلى ذلك، غياب موقف أميركي موحد تجاه كيفية دعم أوكرانيا، إذ يميل الجمهوريون إلى إعادة هيكلة المساعدة العسكرية والمادية لكييف. اليوم هناك قلق واهتمام أميركي من الحرب بين "حماس" وإسرائيل، ويولي الغرب اهتماما قد يفوق ذلك الذي يوليه لأوكرانيا، سيما وأن اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة والمتمثل بشكل أساسي بمنظمة "آبياك" يلعب دورا كبيرا في السياسة الأميركية، ويطال فوز المرشح الرئاسي من عدمه، وبهذه المرحلة يحاول بايدن استرضاء هذا اللوبي كونه مقبلا بعد أشهر على انتخابات رئاسية. ولا يعتقد المحلل الأوكراني شوماكوف أن هذه الحرب سوف تنتهي في هذا العام، في ظل المواجهات الضخمة بين الجانبيين، وتردد بايدن في تقديم الدعم لكييف، شجع بوتين على اختيار سيناريو استنزاف أوكرانيا، وهذا أمر خطير ليس فقط لأوكرانيا، بل للاتحاد الأوروبي أيضا". ويرى الديب أن "الدعم الغربي في أقل مستوياته، ما دفع بزيلينيسكي إلى المطالبة بقروض، ويعود السبب في ذلك إلى طول فترة الحرب، في ظل قوة الجيش الروسي وتوفر الأسلحة والمعدات، مقابل نفادها من عند الجانب الأوكراني". فيما ينهي الديب حديثه إلى "المشهد" قائلا "الحل في أوكرانيا مرتبط بتغير الرئيس الأميركي، وما دون ذلك لا يوجد أي حديث عن أي حل، حيث إن عجلة الصراع الغربي – الروسي في أعلى مستوياته في هذه الفترة".(المشهد)