في وقت تكافح فيه تونس لتحسين وضعها المالي من خلال الحصول على قرض دولي في مقابل إصلاحات قاسية، يبقى القطاع السياحي الملاذ الأخير الذي يحتمي فيه هذا الاقتصاد المُنهك. فالقطاع، الذي يُعتبر من أهم موارد الدولة، يتكبدُ منذ جائحة كورونا خسائر ضخمة، على الرغم من تسجيله انتعاشا ملحوظا بين عام 2022 وبداية العام الجاري. أرقام غير مطمئنة وفي التفاصيل، قفزت إيرادات القطاع السياحي التونسي بنسبة تجاوزت 83% عام 2022، مسجلة 4.2 مليارات دينار (حوالى 1.35 مليار دولار)، بحسب بيانات نشرها المصرف المركزي التونسي أخيرا. هذه الأرقام، على الرغم من أنها تبدو مطمئنة، لا يمكنها إخفاء نقاط الضعف الموجودة. فمن خلال تحليل أرقام السياحة التونسية وبياناتها عن كثب، يُلاحظ أن 70% من الإيرادات مصدرها السيّاح القادمين من دول شمال إفريقيا، بحسب تقرير نشره موقع "لابرس". وكشف التقرير أن السياح الأوروبيين يشكلون 17% فقط من هذه الإيرادات، لأسباب لم يوضحها. وعلى الرغم من ذلك، يتمسك البنك الدولي في تقرير له تحت عنوان: "إدارة الأزمة في وضع اقتصادي مضطرب"، بأن معدل النمو الاقتصادي بلغ 2.7% عام 2022، ويُرجع ذلك إلى حد كبير إلى انتعاش السياحة بعد جائحة كورونا. عقبات تتجاوز السياحة لكن التقرير أشار أيضا إلى الصعوبات التي تمنع الاقتصاد التونسي من النهوض وانعكاساتها، إذ قال مدير مكتب البنك الدولي في تونس ألكسندر أروبيو: - بعد التعافي من كورونا، واجهت تونس تحديا يتمثل في ارتفاع أسعار السلع الأساسية والحرب في أوكرانيا، والتي خلقت ضغوطا هائلة على إمدادات القمح والطاقة العالمية. - معدل التضخم ارتفع من 6.7% في يناير 2022 إلى 8.1% في يونيو من العام نفسه، ما دفع المصرف المركزي التونسي إلى رفع سعر الفائدة، وهي أول زيادة له منذ عام 2020. - عجز الميزان التجاري اتسع بنسبة 56% في النصف الأول من عام 2022، ليصل إلى 8.1% من إجمالي الناتج المحلي. السياحة تدفع الثمن على المقلب الأخر، يبدو أن البلاد ستدفع ثمن محاربتها للفساد ومحاسبة المتورطين، من بينهم شخصيات بارزة في "حركة النهضة" الإسلامية. ففي تقرير موسع لمجلة "أتالايار" الإسبانية، تمت الإشارة إلى عقبة أخرى قد تواجه الاقتصاد والسياحة في تونس تتمثل في "محاصرة الرئيس التونسي قيس سعيّد وضرب اقتصاد تونس من خلال قطاع السياحة، وذلك بسبب رفضه التعاون مع النهضة"، التابعة لجماعة الإخوان المسلمين. وحمّلت المجلة الإسبانية في تقريرها المسؤولية لقطر التي أشارت إلى أنها "تعمل على تعزيز استثماراتها في الجزائر، ودعم قطاع السياحة لجعلها قادرة على المنافسة مع جيرانها"، وتحديدا تونس. وارتكزت المجلة في معرض اتهامها إلى اتفاقية بين شركة رتاج القطرية للفندقة والضيافة مع مجمع الفندقة والسياحة والحمامات المعدنية التابع للحكومة الجزائرية، تتولى بموجبها الشركة القطرية تطوير المؤسسة الفندقية في البلاد، بحسب ما نشرته السفارة القطرية في الجزائر عبر حسابها في "تويتر" الأسبوع الماضي. ومثّل الشركة القطرية في توقيع الاتفاقية الشيخ نايف بن عيد آل ثاني، وهو أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر، فيما شهد التوقيع وزير السياحة الجزائري ياسين حمادي والسفير القطري في الجزائر عبد العزيز علي نعمة. تهديد غير مباشر لتونسووفقا لتقرير المجلة الإسبانية، تُشكل هذه الصفقة تهديدا غير مباشر لمصالح تونس، إذ إن سعي الجزائر لتطوير قطاعها السياحي قد يعني أن تونس ستستقبل عددا أقل من الزوار سنويا، ما يدفع عائدات السياحة للانخفاض وخسارة خزائن الدولة في وقت حسّاس للغاية. وفسّر المحللون المتخصصون إصرار قطر على الاستثمار السياحي في الجزائر أنه "انتقام من سعيّد لعدم تقاربه مع المعسكر الإسلامي الذي تمثله قطر وتركيا". المحلل يوسف الشريف من معهد "Elcano Royal" يقول لمجلة "أتالايار": "بعد وصول سعيّد إلى السلطة، زار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تونس على أمل دعمه فيما يقوم به في ليبيا. كما زار سعيّد قطر بدعوة من الأمير تميم بن حمد آل ثاني، لكن سرعان ما تحوّلت هذه العلاقة إلى الأسوأ، بعدما لم يتفق سعيّد مع زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي". تراجع الاستثمارات القطرية قبل هذه الواقعة، كانت قطر تتدخل لإنقاذ تونس عندما تصبح الأمور صعبة، لكنها امتنعت عن المساعدة عندما تأزم الاقتصاد، خصوصا بعد حل البرلمان التونسي في أبريل 2022. إضافة إلى ذلك، تراجعت الاستثمارات القطرية في تونس، لا سيما منذ أن شرع الرئيس التونسي في مشروع الإصلاح الدستوري الذي يهدف إلى محو كامل الإرث السياسي الذي بنته "حركة النهضة". وفي 25 يوليو 2021، قرر سعيّد إقالة الحكومة وحل البرلمان الذي كان يترأسه راشد الغنوشي، وهو الشخصية الأقرب إلى الدوحة في السياسة الداخلية التونسية. هذا وتسعى تونس للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي في مقابل إصلاحات لا تحظى بقبول شعبي وتشمل خفض الإنفاق وتجميد الأجور وتخفيضات في دعم الطاقة والغذاء.(ترجمات)