تستحوذ أخبار سوريا في الآونة الأخيرة على جلّ اهتمام المواطن السوري والعربي في المنطقة، خصوصا مع تسارع الأحدث التي تشهدها البلاد منذ الأسبوع الأول من ديسمبر الماضي.وتشهد سوريا تحديات أمنية عدة بدءا من منطقة الساحل السوري منذ أيام ما أسفر عن سقوط الآلاف بين قتلى وجرحى، وصولا إلى التوغل الإسرائيلي في الجنوب ومحاولات أخرى من قوات سوريا الديمقراطية الاستفادة من انشغال قوات الحكومة السورية بمعارك الساحل لتوسيع مناطق سيطرتها في اتجاه مدينة حلب. ولعلّ محاربة الإرهاب وتهريب المخدرات والسلاح ومواجهة التحديات المشتركة الأخرى، هي من الدوافع التي أدت إلى عقد هذا الاجتماع في العاصمة الأردنية عمّان، حيث لدى المملكة مصلحة في استقرار جارتها الشمالية.وكان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأردنية السفير سفيان القضاة، أكد في وقت سابق، أن اجتماع "سوريا ودول الجوار" سيبحث سبل إسناد الشعب السوري في جهوده لإعادة بناء وطنه على أسس تضمن وحدته وسيادته وأمنه واستقراره، وتخلصه من الإرهاب بالإضافة إلى ضمان ظروف العودة الطوعية للاجئين وحفظ حقوق جميع أبنائه.أحداث الساحل السوري يأتي اجتماع "سوريا ودول الجوار" على وقع توترات أمنية دموية شهدتها وما زالت منطقة الساحل السوري. وفي هذا السياق، لم يقف الأردن بعيدا، حيث أكد دعمه لسوريا في كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها. وأعربت المملكة عن رفضها لأي تدخل خارجي أو محاولات لدفع سوريا نحو الفوضى. وشدّدت وزارة الخارجية الأردنية في بيان يوم الجمعة على أنها "تقف مع الجمهورية العربية السورية وأمنها واستقرارها ووحدتها وسيادتها".انعكاسات الحالة السورية ومن هنا، قال الخبير العسكري والإستراتيجي نضال أبوزيد إن الاجتماع الذي يُعقد في عمّان يحمل دلالات زمانية ومكانية تتعلق بطبيعة الحضور. وفي الدلالات الزمانية، أشار في تصريحات لمنصة "المشهد" إلى أن الاجتماع الذي أَطلق عليه اسم "خماسية عمّان" يأتي بعد يومين من اجتماع مكة الذي ضم دولا عربية ووضع آفاقا سياسية واقتصادية للحالة السورية. وأكد أبوزيد أن الاجتماع جاء بعد 48 ساعة من الاضطرابات الأمنية التي شهدها الساحل السوري ما أسفر عن سقوط المئات من القتلى. وحول الدلالات المكانية، أشار إلى أن انعقاد اجتماع "سوريا ودول الجوار" في الأردن بمشاركة تركيا ولبنان والعراق، يشير بكل وضوح إلى أن "هذه الدول متضررة من أي انفلات أمني قد يحدث في الدولة السورية". وهذه الدول المشاركة، متأثرة من انعكاسات عدم الاستقرار في سوريا لذلك من المتوقع أن تؤطر "خماسية عمان" لسوريا جديدة موحدة في محيط عربي داعم، وفق أبو زيد.تحالف أمني جديد وحول الحضور للاجتماع، أشار إلى أن وجود 5 وزراء دفاع و5 مدراء مخابرات و5 وزراء خارجية، يدل على أن "خماسية عمّان" لن تبحث ملفات تقليدية بقدر ما ستركز على ملفات أمنية استخبارية قد يكون أبرز مخرجاتها "تحالف أمني وعسكري" لدول الجوار السوري. وأوضح أبوزيد أن وجود وزراء الدفاع يؤكد مدى الجدية بإعادة بناء الجيش السوري ضمن حالة عربية بعيدا عن الاستقطاب الطائفي أو المذهبي. وفيما يتعلق بالتهديد الحدودي وحالة الانفلات الأمني وتهريب المخدرات، يعتقد أبوزيد أن هذه النقطة تم تجاوزها على ما يبدو من خلال الاجتماعات واللقاءات التي حصلت بين الجانب الأردني والسوري مؤخرا. وأكد أن الاجتماع الأخير يأتي في مستوى إستراتيجي إقليمي أكثر من أنه اجتماع يتعلق بقضايا فردية لدول جوار سوريا. وتوقّع أبو زيد أن تكون أحد مخرجات "خماسية عمّان" في بيانها الختامي الإعلان عن تحالف جديد يساعد في حفظ الأمن والاستقرار في سوريا ويبدّد بعض التخوفات العربية من استبدال المشروع الإيراني في الأراضي السورية بمشروع تركي. مظلة أمنية واسعة ومن وجهة نظر الباحث الإستراتيجي والمحلل السياسي الدكتور عمر الرداد، فإن المحاولة الانقلابية التي شهدتها سوريا قبل يومين، ستفرض نفسها على اجتماعات دول "جوار سوريا" التي يستضيفها الأردن اليوم الأحد. وأشار إلى أنه في الاجتماع، يُتوقع أن تتم مناقشة الموضوعات الأخرى المقررة الخاصة بأمن الحدود ومكافحة تهريب المخدرات والإرهاب تحت مظلة أمنية أوسع، تشير إلى استمرار وتجدّد التهديدات. وعلى الرغم من أن التهديدات المذكورة تشكل قاسما مشتركا لدول الجوار إلا أن القواسم المشتركة بين تركيا والأردن ولبنان، تبدو أكبر منها بالنسبة للعراق الذي لا يتفق مع الدول الثلاث في الموقف تجاه سوريا الجديدة، ترجمة لدوره في سوريا تحت عناوين "محور الممانعة" الذي تقوده إيران، بحسب الرداد. ويعتقد الرداد أن للأردن حساباته الإستراتيجية بمرجعيات أمنية وعسكرية، لذا وبعد أحداث الساحل السوري قبل يومين، فإنه يُدرك أن المطلوب منه لدعم القيادة السورية الجديدة، سيكون أكبر من مجرد تنسيق مواقفه مع الإدارة الانتقالية في دمشق ودعمها عبر رفع وتائر التعاون في مجالات عديدة أمنية وعسكرية. وقف التدخّل الخارجي وشدد الرداد على أنه من المرجح أن يكون ذلك خاضعا لطلبات القيادة السورية الجديدة، "إذ إنها الأقدر على تحديد احتياجاتها الأمنية والعسكرية والتدريبة". وخلُص بالتأكيد أن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدها الساحل السوري ودقة التخطيط والتنفيذ، تشير إلى أن التهديدات الأمنية ستبقى قائمة في المدى المنظور كمّا ونوعا، في ظل إصرار الداعم على هدف إسقاط النظام السوري الجديد. وأضاف الرداد "تزداد هذه التهديدات مع تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين، الذين تتعارض أهدافهم من التدخل في سوريا".(المشهد)