تغيّر الموقف التركي حول الحرب في غزة بعد انقطاع أمل الرئيس رجب طيب إردوغان بأن يكون وسيطا في الهدنة، وسرعان ما اتخذ موقفا مؤيدا لحركة "حماس"، وهاجم إسرائيل وحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بشدّة، الأمر الذي أدى إلى توترات دبلوماسية بين الجانبين، استدعت ردودا وسجالات بين كبار الدبلوماسيين.وفي مقابلات صحفية، بيّن رئيس الخارجية التركي هاكان فيدان رغبة بلاده بالوساطة في الحرب، لكنه أشار في الوقت ذاته إلى دولٍ قد يكون لها دور أقوى في ذلك، ولا سيما قطر ومصر، لافتا إلى أن تركيا مستعدة لقطع العلاقات الاقتصادية مع تل أبيب.ولا شك أن علاقات تركيا مع "حماس" منذ سنوات، واستضافة قادتها على أراضيها، بالتزامن مع الموقف التركي شديد اللهجة ضد إسرائيل، يطرح تساؤلات حول حجم دعم أنقرة للحركة الفلسطينية المسلحة. تركيا تدعم "حماس"؟تقوم علاقات تركيا مع حركة "حماس" على أساس شعبوي بالمقام الأول، في وقت يهتم فيه قسم كبير من الشعب التركي بالقضية الفلسطينية، مع الأخذ بعين الاعتبار البعد الديني لهذه القضية، والمشاعر العامة في تركيا سواء لليمين المحافظ أو اليسار الثوري الذي يدعم الفلسطينيين.ويتوافق ذلك أيضا مع "البروباغندا" التي يتّبعها الرئيس التركي كزعيم مسلم "مناهض للغرب" وهذه الدعاية لها أرضية واسعة في صفوف داعميه في الداخل. بالإضافة إلى أن تركيا منذ عام 2011 أظهرت نفسها كـ"حامية لجماعات الإسلام السياسي، ودعمتهم، واستضافتهم على أراضيها، وفتحت لهم مكاتب، ومن ضمن هذه الحركات: جماعة "الإخوان"، حركة "حماس" وغيرها".وعلى الرغم من قيام تركيا في السنوات الأخيرة بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وعزم إردوغان زيارة إسرائيل، إلّا أنه في الوقت ذاته لم يتخلَ الرئيس التركي عن "حماس" التي تشكل ورقة رابحة بالنسبة له، وفقا لمراقبين.في السياق، يقول المحلل السياسي المتخصص في الشأن التركي سركيس قصارجيان في حديث إلى منصة "المشهد" إن:الدعم التركي لـ"حماس" معروف منذ أكثر من عقد من الزمن، لكن هذا الدعم لم يخرج عن النطاق السياسي ولم يتطور إلى دعم لوجيستي سواء على المستوى المادي أو العسكري كما هو الحال بالنسبة لقطر أو إيران مثلا.ثمة تغير حصل في العلاقة مع "حماس" لا سيما بعد التقارير شبه المؤكدة عن عدم رغبة أنقرة في الاستضافة العلنية لقادة الجناح السياسي في التنظيم، كما أن هناك معطيات ومؤشرات تؤكد وجود تباينات بين أنقرة والجناح العسكري للحركة على الأقل.يؤيد هذا الرأي، الباحث السياسي محمد نادر العمري بقوله "الجناح السياسي لـ"حماس" أقرب إلى "الإخوان" لذلك هناك تصريحات تركية تدعم ذلك، لكن في الواقع حتى هذه اللحظة تركيا لم تقطع علاقاتها مع إسرائيل، ولم توقف العلاقات الاقتصادية أو الدبلوماسية، ومن هذا المنطلق فإن الدعم التركي للحركة جزء كبير منه إعلامي، والجزء الأقل هو سياسي واقتصادي".ضغط أميركي على تركيا في هذا الإطار، قال وكيل وزارة الخزانة الأميركية لشؤون الإرهاب والمخابرات المالية براين نيلسون إنه ناقش مع مسؤولين بالحكومة التركية شعوره "بالقلق العميق" إزاء جمع حركة "حماس" أموالا داخل تركيا واحتمال انتهاك القوانين المحلية.وأضاف نيلسون أن تركيا لها موقع "بارز" في خطط "حماس" لجمع الأموال ومن المرجح أن تستفيد الجماعة من ذلك في سعيها للحصول على مزيد من السيولة النقدية وسط الحرب مع إسرائيل. حول ذلك يشرح العمري "ليس النظام التركي هو من يقوم بجمع التبرعات، بل عبر مراكز دينية ومساجد ومنظمات في بعض المدن التركية، لكنها تقوم بذلك عبر ضوء أخضر من النظام التركي. الضغط الأميركي يأتي في سياق أن واشنطن لا تريد الاعتراف بـ"حماس" أو بذراعها العسكري من قبل الدول، وكذلك لا تريد أي دعم لـ"حماس" سواء إعلامي أو مادي أو سياسي، خصوصا وأن هذه الأموال لا تذهب بشكل أساسي إلى القطاع، وإنما إلى الحركة بالخارج".ويرى قصارجيان أن "العقوبات الأميركية في الأصل تستهدف الشبكة المالية لـ"حماس" والمؤسسات المالية المملوكة للتنظيم أو المقرّبة منه والهدف بطبيعة الحال هو تجفيف المنابع المالية للتنظيم أو وضعها تحت المراقبة اللصيقة على الأقل خصوصا وأننا نعرف بأن "حماس" تتلقى أموالاً بقيمة 30 مليون دولار شهريا عبر معبر رفح وبإشراف من تل أبيب، قد يكون الهدف من التحرك الأميركي هو ضبط حركة الأموال الواردة للتنظيم لكنها لا شك أنها عملية بالغة الصعوبة خصوصا وأننا نتحدث عن الاقتصاد التركي المفتوح والمتقاطع مع الاتحاد الأوربي وواشنطن في معظم مجالاته".وبرأي المتخصص بالشأن التركي فإن "دعم أنقرة لـ"حماس" يعني بقاء أنقرة في قلب الملف الشرق الأوسطي الأهم وهو الصراع بين "حماس" وإسرائيل فعلياً والصراع الإسرائيلي الفلسطيني سياسياً والصراع الإسرائيلي العربي بمفهومه الشامل وهنا لا تختلف دوافع أنقرة من التمسّك بهذا الملف عن دوافع طهران ويمكن شرحها أيضاً في إطار المزاحمة السياسية بين الجانبين".إردوغان يطرح رؤيته خلال كلمته في قمَّة العشرين التي شاركَ بها عن بعد، قالَ إردوغان: إنَّ بلاده "مستعدة للاضطلاع بالمسؤولية مع دول أخرى في المنظومة الأمنية التي ستؤسَّس في غزة، بما في ذلك أن تكون دولة ضامنة". ويُشير تصريح إردوغان إلى نظرته ما بعد الحرب، ورغبته بأن يكون له يد في القطاع، ففي حال بقاء "حماس" فإن علاقاته جيدة معها، وفي حال تم إقصاؤها عن السلطة كما تريد إسرائيل، فإن الرئيس التركي يسعى بأن تكون بلاده دولة ضامنة، تلعب دورا رئيسيا في قضية رئيسية.لم يقدّم إردوغان تفاصيل حول خطته بأن تكون تركيا دولة ضامنة، ما يصعّب التكهن بالآلية التي تفكر فيها أنقرة، لكن بالنظر إلى دور تركيا كدولة ضامنة في الملف السوري، يمكن التكهن بالنوايا الحقيقية لإردوغان، التي تتمثّل في نفوذ في الملف الفلسطيني، كما السوري، مع الأخذ بعين الاعتبار الاختلاف بين الملفين.وبحسب العمري "العرض التركي يتعلّق بالمساعي الجيوستراتيجية لزيادة النفوذ في المنطقة على المستوى الإقليمي والدولي، خصوصا أن تركيا اليوم تقدم نفسها على أنها وسيط دولي، وهو ما حصل عندما رعت اتفاقية الحبوب ما بين الغرب وروسيا على سبيل المثال. يضاف إلى ذلك مساعيها لدور في استخراج النفط والغاز من شرق المتوسط، بعد إبعادها من منتدى الغاز الذي تم تأسيسه بضوء أخضر أميركي، وبقيادة إسرائيلية". فيما يلفت قصارجيان إلى أن "المقترح التركي جاء بعد اقتراح الوساطة الذي لم يلقَ تأييداً من قبل إسرائيل على الأقل، في ظل عدم معرفتنا بموقف "حماس"، وفي حين تذهب الكثير من التحليلات إلى تصوّر سيناريوهات دولة فلسطينية منزوعة السلاح بضمانات دولية فإن مثل هذا السيناريو يتيح لتركيا لعب دور محوري كونها دولة تصنف نفسها ضمن العالم الإسلامي وفي الوقت ذاته أطلسية، ودولة ترتبط مع "حماس" بعلاقات سياسية وثيقة ومع تل أبيب بعلاقة اقتصادية وثيقة وبالتالي تتفوق على الدور القطري والإيراني في هذه النقطة". لكن هذا الاقتراح سيصطدم بالعديد من العوائق منها الموقف المصري والأردني بالدرجة الأولى، وفقا لقصارجيان، إضافة إلى "موقف بعض الدول الغربية التي لا ترتاح للمواقف التركية مؤخراً".(المشهد)