لم يكن غريبا على المهتمّين بالصحة العامة في الأردن قراءة خبر مفاده أن المملكة حلّت في المركز الأول لأكثر الدول تعاطيا للتبغ في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط بنسبة 36.3%.وحلّ الأردن سابقا في المرتبة الأولى عالميا بنسب التدخين بين المواطنين، حيث بات التدخين مشكلة صحية كبيرة ويتجلى ذلك بالأرقام وإصابات سرطان الرئة بين الكثير من المرضى. وأشار تقرير حديث أصدرته منظمة الصحة العالمية بعنوان "اتجاهات انتشار تعاطي التبغ 2000-2030"، إلى أن 6 دول "لا تزال" تشهد ارتفاعا في تعاطي التبغ، 3 منها في شرق المتوسط وهي الأردن ومصر وعُمان. وقدرت المنظمة عدد مستخدمي التبغ ومدخنيه في الأردن عام 2022 بنحو 2.774 مليون شخص من أصل ما يقارب من 11 مليون نسمة، منهم 2.291 مليون ذكر، و483 ألف أنثى. التدخين في الأردنوتشمل الأسباب الرئيسية لهذا الانتشار الواسع عدم تطبيق بنود الاتفاقية التي صادق عليها الأردن في عام 2004، وهي بمثابة خطة لخفض نسب التدخين، وعدم الالتزام بتطبيق قانون الصحة العامة الرقم 47، الذي أقرّه الأردن عام 2008 ويفرض حظر التدخين في الأماكن العامة. وتشير الإحصائيات إلى أن الأردنيين يُدخنون ما معدله 21 سيجارة يوميًا. وعلى الرغم من وجود قانون يمنع بيع السجائر للأعمار تحت سن 18 عاما، فإن التدخين منتشر بين المراهقين.وتم منع التدخين بجميع أشكاله وأنواعه في أي من المناطق الداخلية للمنشآت. بدائل التبغفي هذا السياق، قال أخصائي الأمراض الصدرية والتنفسية وأمراض النوم الدكتور محمد حسن الطراونة في حديثه لمنصة "المشهد" إن المبادرة العالمية لداء الانسداد الرئوي المزمن أصدرت تحديثاً لعام 2024 ذكرت فيه أنه لا يمكن أن تكون السجائر الإلكترونية بديلا للإقلاع عن التدخين أو وسيلة للإقلاع عنه كما كان معروفا في السابق. وأضاف أن "السبب يعود إلى الأضرار الناجمة عن السجائر الإلكترونية وهناك حسب الدراسات العالمية نحو 2800 حالة تم تشخيصهم بأمراض رئوية لها علاقة بالتدخين الإلكتروني كما التهاب الرئة وأنسجة الرئة والنزف داخل الحويصلات الهوائية وتهيّج الجهاز التنفسي العلوي والسفلي نتيجة وجود مواد مرافقة لمادة النيكوتين أثناء عملية تدخين السجائر الإلكترونية". وأكد الطراونة أن الانتشار الواسع لاستخدام السجائر الإلكترونية في الأردن خصوصا لدى المراهقين، يزيد من احتمالية حدوث الأضرار الناجمة عن التدخين وذلك بسبب كون الرئة تكون في مرحلة نمو مستمر حتى العمر بين 20 و25 عاما بصورة متفاوتة بين الذكور والإناث. وأوضح أن كفاءة الرئة تبدأ بالاستقرار حتى سنّ 30 عاما، وبعد ذلك تبدأ بالنزول بسبب التقدم بالعمر. وشدّد على أنه كلما كانت بداية التدخين مبكّرة كانت الأعراض والمضاعفات الناجمة عن التدخين أكثر وبحاجة لإجراءات طبية أوسع مع التقدم في العمر وذلك يُثقل كاهل الاقتصاد الصحي. ظواهر التدخين وقال الأخصائي في الأمراض التنفسية ومناظير الرئة "لدينا ظواهر عدة في الأردن من أهمها ظاهرة التدخين المزدوج التي يتم فيها المراوحة بين استعمال السجائر الإلكترونية والتدخين التقليدي، من دون ضوابط ولا رقابة". وأضاف "نحن نعلم بأنه ضمن الاتفاقية الموقعة بين الأردن ومنظمة الصحة العالمية وبين جهات عدة دولية لمكافحة تعاطي التبغ، فإنه يُمنع الترويج لمنتجات التبغ على وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام". وتابع "عند الدخول إلى المحلات التجارية الكبرى، نلاحظ في مدخل المتاجر إعلانات ترويج السجائر الإلكترونية التي تباع إلى جانب علب الحلوى وهذا أمر في غاية الخطورة ويُسهّل الوصول إليها".غياب تفعيل القوانين وقال الطراونة "نلمس على أرض الواقع غياب تفعيل قانون الصحة العامة الذي يمنع التدخين في الأماكن العامة والترويج للتبغ". وطالب بضرورة أن يكون هناك ضوابط لحماية المجتمع من آفة التدخين، لافتا إلى أن الأشخاص الأصحاء الذين يتعرضون للتدخين السلبي هناك أثر عليهم أكبر من المدخنين. ودعا الطراونة السلطات الصحية في الأردن بضرورة اتخاذ إجراءات رادعة لمكافحة التدخين ومخالفة المخالفين للتعليمات وتفعيل دور عيادات الإقلاع عن التدخين لأنها غير مفعّلة وغير منتجة. وقدّم نصيحة للسلطات الصحية بالأردن من أجل إيجاد منصة للإقلاع عن التدخين بالتعاون مع وزارة الاتصالات والريادة والاقتصاد الرقمي من أجل إنشاء هذه المنصة لما لها من أهمية في تقديم نصائح حول الحد من هذه الآفة التي تضرب المجتمع الأردني. نسب أمراض سرطانية مرتفعة في محاولة للتحذير من مخاطر التدخين، بثت الحكومة رسائل توعية تشير إلى أن المدخنين أو الذين يتعرضون للتدخين السلبي هم أكثر عرضة للمعاناة من أمراض خطيرة.وبلغت نسب الإصابة بالسرطان وأمراض القلب نتيجة التعرض للتدخين السلبي في الأردن بين 25 إلى 30%، وفق أرقام وزارة الصحة الأردنية. كما بلغت نسبة التعرض السلبي للتدخين أكثر من 65%. خُطط للحد من التدخين واتبع الأردن خطة موسّعة للحد من التدخين، شملت على إجراءات ومبادرات عدة أهمها: تقوم وزارة الصحة الأردنية بتنظيم حملات توعية لرفع الوعي حول مخاطر التدخين والتشجيع على الإقلاع عنه. تطبيق قوانين وتشريعات صارمة تحظر التدخين في الأماكن العامة وتمنع بيع السجائر للأشخاص دون سن 18 عامًا. إيجاد عيادات مختصّة لمساعدة الأشخاص الراغبين في الإقلاع عن التدخين. تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية من قبل وزارة الصحة الأردنية لبناء القدرات وتعزيز استخدام الحلول الرقمية ومبادئ الاتصال والتواصل لإحداث تغييرات سلوكية واجتماعية. كما أن استخدام الحلول الرقمية مثل روبوتات الدردشة يمكن أن تؤدي إلى جعل الحياة في الأردن بدون تبغ وتدخين أكثر سهولة وفائدة.(المشهد)