يشكّل امتحان ثالث ثانويّ أو البكالوريا حسب التسمية العروفة شعبياً رعباً للطلاب السوريين وأهاليهم على حد سواء، لكونه الحكم والفصل في إمكانيّة استكمال الطالب لتعليمه الجامعيّ والاختصاص الذي يرغب بتعلّمه والحصول على شهادته. يتم الامتحان النهائيّ في مواد البكالوريا بأجواء "مخيفة" للطلاب، الذين يوزعون على مراكز الامتحانات في مدارس مختلفة عن التي ارتادوها خلال عامهم الدراسي.ويتم قطع الاتصالات والانترنت عن البلد بأكمله قبل ساعات من موعد بدء الامتحان وإلى حين الانتهاء منه، للحيلولة من دون تسرب الأسئلة مسبقاً أو تلقين الإجابات للطلاب من خلال السماعات في ظل تفشي الفساد في جسم المؤسسة التعليمية كغيرها من قطاعات أخرى. صعوبة امتحان البكالوريا بعد امتحان الرياضيات مباشرة، خرج الطلاب من مراكز التقديم وملامح الغضب تسيطر عليهم، وذلك بسبب صعوبة الأسئلة، الأمر الذي أدى إلى تسجيل حالات انهيار عصبي وإغماءات بعد تفاجئهم من تغيير منهجية وضع الأسئلة من دون إعلامهم مسبقا. نتيجة لذلك، دعا قسم من أهالي الطلاب إلى إعادة الامتحان في وقت لاحق، وتخفيف صعوبة الأسئلة التي وصفوها بـ"التعجيزية".ردًا على هذه الادعاءات، قالت وزارة التربية السورية في تصريح رسميّ إن "مكتب التوجيه الأول لمادة الرياضيات أوضح أنّ أسئلة مادة الرياضيات جاءت متدرجة لتناسب جميع مستويات الطلاب والفروق الفردية بينهم وتعتمد على فهم المادة بعيدًا عن التلقين". وأضافت الوزارة أن مناقشة السلالم التي بدأت اليوم تنطلق من قبول جميع الإجابات الصحيحة الممكنة، وأبدى سلم التصحيح مرونة في تصحيح بعض الطلبات. في هذا السياق، يقول المدرس الجامعيّ والمتخصص في الشؤون التربوية والطلابية د. عماد السيف في حديث إلى منصة "المشهد" أن "أسئلة البكالوريا لهذا العام كانت شاملة لكل الأبحاث، لكن هذه الشموليّة إيجابية، حيث إن الطالب الذي يريد أن يحصل على العلامة الكاملة يجب أن يكون ملمًّا بكل الأبحاث، لكن الأمر الذي كان مزعجًا بالنسبة للطلاب هو إلغاء الأسئلة الاختيارية بشكل مفاجئ". ويلفت السيف إلى أن "صعوبة الأسئلة كانت بشكل نسبي وفي بعض المواد وليس جميعها، ونحن نشهد في كل عام إشكالية بسبب مادة الرياضيات، وهذه ليست المرة الأولى، ويبدو أن هناك خللًا في طريقة دراسة أو تحضير الطلاب للمادة". الطلاب غير راضين عبّر الكثير من الطلاب عن عدم رضاهم عن امتحان البكالوريا لهذا العام، حيث شهدت العديد من المراكز الامتحانية عددا من الانسحابات. وتروي الطالبة رؤى الخطيب لـ"المشهد" تجربتها مع امتحان البكالوريا، قائلة: "هذا العام الثاني لي في البكالوريا، اضطررت في العام الفائت إلى الانسحاب في منتصف الامتحانات بسبب إدراكي أنني لن أحصل على المجموع الذي أريده". وتضيف رؤى "العام الماضي كانت الأسئلة بالنسبة لي أسهل من هذا العام، لكن لم تعد لدي القدرة على الانسحاب أو الإعادة، أريد أن أنهي الامتحان بأيّ طريقة كانت. كنت أحلم بأن أدخل كلية الصيدلة في جامعة دمشق، لكن هذا الحلم أصبح بعيدا الآن". وتشير رؤى إلى أن الأسئلة قد تكون سهلة بالنسبة لبعض الطلاب المتمكنين، قائلة: "قدرات الطلاب متفاوتة، بعض الطلاب يحتاجون وقتا أكثر من غيرهم لحل الأسئلة، خصوصا في المواد العلمية، وجميع الأسئلة كانت إجبارية ولم يكن هناك أي سؤال اختياري كما كان في الأعوام الماضية". وتنهي رؤى حديثها بقولها: "باختصار، مستوى الأسئلة لا يراعي المستوى المتوسط من الطلاب، يبقى أملنا بمعدلات القبول أن تكون منخفضة هذا العام على عكس العام الماضي".ضبط حالات الغش خلال فترة الامتحانات، أعفى "وزير التربية"، مدير تربية محافظة ريف دمشق من مهامه، وذلك بعد ساعات من إعفاء نظيره في دمشق على خلفية ضبط شبكة واسعة بشبهة التزوير في الامتحانات. وبحسب المعلومات، فإنّ القرار الذي صدر جاء على خلفية "تجاوزات في العملية الامتحانية"، أُلحق بقرار آخر يتضمن إعفاء مدير التربية المساعد لشؤون التعليم الثانوي في مديرية تربية ريف دمشق. ويرى المتخصص في الشؤون التربوية والطلابية أن "إعفاء بعض المسؤولين من وزارة التربية كان له دور في ضبط العملية الامتحانية، وحالات الغش هي موجودة في كل عام، لكن لا يمكن القول إنها تكون بنسبة 100%، إذ إن هناك العديد من الطلاب يحصلون على مجموع عال وبجهودهم الفردية". وأشار إلى أن "وزارة التربية تعمل بشكل كبير على كبح عمليات الغش، وقد عملت على قطع الإنترنت قبل وخلال ساعات الامتحان الأولى، الأمر الذي ساعد بشكل كبير على ضبط العملية الامتحانية". ويبيّن السيف أن "التوجه نحو الفروع الطبية يأخذ منحى تصاعديًا، أي عدد الطلاب الطامحين في دخول الفروع الطبية يزداد عام بعد عام، بسبب شعور الطلاب والأهالي أن هذه المجالات يمكن أن تدرّ أموالا أكثر من غيرها، لكن هذه الآراء ليست صحيحة، لأنه لا يوجد مجال غير فعّال، وفي كل مجال هناك أشخاص لامعون". الجدير بالذكر أنه يتم قطع الإنترنت والاتصالات خلال امتحانات شهادتي الثانوية والتعليم الأساسي بكل فروعهما، فيما أكد وزير الاتصالات إياد الخطيب أن القطع جاء استجابة لطلب من وزارة التربية من أجل تحقيق العدالة والنزاهة في سير العملية الامتحانية، مؤكداً أنه تم الحرص على أن يكون القطع خلال أقل مدة زمنية ممكنة. ردود فعل متباينة تباينت ردود الأفعال في سوريا حول صعوبة الأسئلة إذ رآها البعض ضمن الحد الطبيعي لأيّ امتحان الذي هو بالأساس اختبار لقدرات وإمكانيات الطالب، فيما لفت البعض إلى أنها أشبه بـ"التعجيزية". وحول ذلك، قال أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعي "الأسئلة كانت صعبة على الجميع، يعني الطلاب تعرضوا لنفس الحالة وهذا سينعكس على علامات الجميع، وبالتالي معدلات القبول الجامعي ستكون منخفضة مقارنة بالسنوات السابقة".(المشهد )