تصدّر اغتيال القيادي البارز في "حماس" صالح العاروري، أخبار حرب غزة الساخنة في المنطقة العربية والعالم، وسط توقّعات بأن يتّجه مسار المعارك الضارية في القطاع المحاصر والكواليس الدبلوماسية المرتبطة بها نحو مزيد من التصعيد.اغتيال نائب رئيس مكتب "حماس" السياسي يزيد من احتمالات توسيع نطاق نيران حرب غزة، كون العملية تم تنفيذها في ضاحية بيروت الجنوبية، معقل "حزب الله"، كما ينذر بتعثّر مفاوضات وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين بين تل أبيب و"حماس".انفجار الضاحية الجنوبية في بيروتوفي هذا الإطار، يتوقّع محللون أن تستغل حكومة بنيامين نتانياهو عملية الاغتيال في التسويق لأول إنجاز استخباراتي - عسكري بهذا المستوى منذ بدء الحرب على غزة بعد هجوم "حماس" في 7 أكتوبر، في وقت باتت الأصوات ترتفع أكثر فأكثر مطالبة بضرورة تغيير تل أبيب لتكتيكات الحرب باهظة الكلفة إسرائيلياً لجهة قتلى جيشها وخسائر اقتصادها والأهم صورتها في الرأي العام العالمي.ولم يتوانَ نتانياهو الذي فقد شعبيّته وفق استطلاعات الرأي الداخليّة، عن التصريحات المتكررة منذ 7 أكتوبر، والتي يتعهّد فيها بالقضاء على قادة حركة "حماس"، لكن في نوفمبر الماضي ألمح علانية عن خطة تشمل القيادات في الخارج أيضًا، قائلًا في خطاب: "لقد أصدرت تعليماتي لجهاز المخابرات الخارجية بالعمل ضد قادة "حماس" أينما كانوا".توسيع حرب غزةوأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير إلى أن إسرائيل تستعدّ لحملة اغتيالات ضد قادة "حماس" في جميع أنحاء العالم قد تستمر لسنوات عدة عقب انتهاء الحرب في قطاع غزة، مشيرة نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين إلى أنّ الخطة تستهدف القادة الذين يعيشون في لبنان وتركيا وقطر.على الرغم من ذلك، ذكرت الصحيفة أنّ المسؤولين الإسرائيليين غاضبون بسبب تصريحات رئيس الوزراء، حيث كانوا يريدون أن تظل خطط الاغتيالات الخارجية سريّة وغامضة على نطاق واسع.وتعليقا على اغتيال صالح العاروري، اعتبر المحلل السياسي الفلسطيني أحمد رفيق عوض في حديث إلى منصة "المشهد" أن "الاغتيال سيوسع دائرة الصراع وسيفرض على "حزب الله" ردا معينا لا نعرف شكله أو طبيعته، لكن بالاستناد إلى تصريحاته السابقة بأنه سيرد في حال تم اغتيال أي شخص عربي أو لبناني على الأراضي اللبنانية، سيكون حسن نصرالله محرجا من الرد على عملية الاغتيال".ويضيف رفيق عوض أن "اغتيال صالح العاروري الشخص المهم جدا في حركة "حماس"، سيجعل الأخيرة تتراجع عن فكرة تبادل الأسرى أو أي محاولة تسوية، وبالتالي الأمور ستتعقد، وسيكون هناك صراع جديد". ويلفت المحلل الفلسطيني على أن "إسرائيل قد تصوّر هذا الاغتيال على أنه نصر، وبالتالي قد تسمح بردود معينة أو تمتص ردود الغضب، ثم توعز لحلفائها وأصدقائها أن يبدأوا بالكلام عن تسوية ما، وهذا أمر ممكن. لكن بنهاية الأمر اغتيال العاروري يعتبر مرحلة جديدة من المواجهة بين حركة "حماس" و"حزب الله" من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية". وبرأي رفيق عوض فإن "السيناريوهات المرجحة هو اشتداد المواجهة، وربما دخول "حزب الله" الحرب، لكن بالتأكيد الحزب سيكون له حسابات كثيرة وردوده ستكون مدروسة، لأن من الواضح حتى اللحظة أنه لا "حزب الله" ولا إيران معنيتان بتوسيع الصراع".وفي أحيان كثيرة تنفي إسرائيل أو لا تُعلن مسؤوليتها عن تنفيذ عمليات اغتيال ضد شخصيات فلسطينية أو متعاونة معها في الخارج، مثل المهندس التونسي محمد الزواري الذي اغتيل عام 2016 في تونس، بسبب قيادته مشروع طائرات الأبابيل المسيّرة لـ"حماس"، وأطلق اسمه بعد ذلك على الطائرات المسيّرة للحركة التي هاجمت إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي.هل يردّ "حزب الله"؟ على النقيض من ذلك، لا يعتقد المحلل والكاتب السياسي الإيراني وجدان عبد الرحمن في حديثه إلى منصة "المشهد" أن "مقتل العاروري سيغير من المشهد العام للحرب، سواء من جانب "حزب الله" أم من جانب "حماس"، وكل ما تستطيع فعله "حماس" هو مزيد من الصواريخ على إسرائيل، وتل أبيب مرت بهذه المراحل لذلك تستطيع التصدي لها".على الصعيد اللبناني، يستبعد عبد الرحمن أن يدخل "حزب الله" في حرب مع إسرائيل بسبب اغتيال صالح العاروري، وبالأمس اجتمعت إيران وحلفاؤها، وأكدوا خفض التصعيد بحيث لا يؤدي إلى حرب شاملة في المنطقة، لذلك رد "حزب الله" سيكون محدودا جدا لأن إيران مقتنعة بأن إسرائيل تريد جرها إلى الحرب، وهذا ما صرح فيه أكثر من مسؤول إيراني بالقول إن إيران لن تدخل في حرب تريد إسرائيل جرنا إليها". ويرى عبد الرحمن أن "سيكون التصعيد كلاميا وإعلاميا بالمقام الأول، لكن هذا الاغتيال سيحرج "حزب الله" بشكل كبير، خصوصا أن نصرلله لديه كلمة متلفزة غدا". وتتمتع إسرائيل بخبرة واسعة في تنفيذ حملات الاغتيالات بجميع أنحاء العالم، إذ نفذت أكثر من 2700 عملية من هذا النوع منذ الحرب العالمية الثانية، حسبما ذكر تقرير "وول ستريت جورنال" نقلًا عن كتاب "انهض واقتل أولا" للصحفي رونين بيرغمان.ووقعت أبرز عمليات الاغتيال الإسرائيلية ضد فلسطينيين في سبعينيات القرن الماضي، وذلك في أعقاب قتل 11 رياضيًّا إسرائيليًّا في أولمبياد ميونيخ عام 1972 خلال عملية تحرير بعد احتجازهم من قبل منظمة "أيلول الأسود" الفلسطينية، إذ نفذت إسرائيل بحسب الموقع الإلكتروني للمكتبة اليهودية الافتراضية أكثر من 10 عمليات اغتيال في الخارج خلال الفترة بين 1970 و1980، طالت قيادات في منظمَتي التحرير الفلسطينية وأيلول الأسود.(المشهد)