هل باتت الأزمة في قطاع غزة مستعصية على الحل؟ سؤال أضحى على ألسنة كثيرين ليس فقط عربيًا بل عالميًا، خصوصًا مع انسداد أفق حلول تقضي على الضبابية المستشرية على مآل الحرب، التي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين وتسببت في تشريد الملايين منهم، فيما أصبحت الحياة في القطاع غير قابلة للعيش في ظل تدمير أكثر من 65% من بناه التحتية.ومع الحديث عن جهود أو مبادرات تطرح لحلحلة الأزمة المتفاقمة، تقف حركة "حماس" حجر عثرة أمام إحراز أيّ تقدّم يُذكر وفق مراقبين، إذ يراها البعض المتسبب الرئيس في اندلاع الصراع، بعد هجومها الواسع في السابع من أكتوبر من عام 2023 على مستوطنات ومواقع عسكرية إسرائيلية، في وقت تتمسك إسرائيل بضرورة إبعاد حركة "حماس" بشكل نهائي عن حكم قطاع غزة من أجل إنهاء الحرب، وفي المقابل تتشبث الأخيرة بفرض سيطرتها على غزة والعودة بأوضاعها إلى ما قبل "طوفان الأقصى".وفي ظل حالة الجمود التي تعتري هذه الأزمة، والتي تمخضت عنها مخاطر تخطت حدود غزة وباتت تفرض نفسها على أمن واستقرار المنطقة برمتها وفي مقدمتها التهجير، بدأت الأصوات تتعالى لمطالبة "حماس" بترك شؤون غزة وأهلها، لأيّ بديل فلسطيني آخر من أجل وجود حلحلة عاجلة للأزمة الحالية، وتفادي عراقيل إسرائيلية في هذا الصدد. تنحي "حماس"الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، اعتبر أنّ حل أزمة غزة قد يكمن في تنحي حركة "حماس" عن إدارة القطاع المدمر قائلًا في مقابلة تليفزيونية له مؤخرًا "إذا كان من مصلحة الفلسطينيين أن تتنحى حماس فلتتنحى"، مؤكدًا أنّ:على "حماس" أن تتوافق مع السلطة الفلسطينية وتنكر الذات.دعوة الأمين العام لجامعة الدول العربية وصفها مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية أشرف العشري في تصريحات لمنصة "المشهد" بالمهمة والعملية في هذا التوقيت، موضحًا أنه عندما أطلق أبو الغيط هذا التصريح، يبدو أنه كان مطلعًا على الكثير من النقاشات في الأروقة والكواليس بين عواصم عربية وحتى إشارات من قبل السلطة الفلسطينية و"حماس"، لذلك وجّه دعوته بعدم مشاركة "حماس" في اليوم التالي للحرب وتنحيها عن حكم القطاع.وكشف العشري أنّ هناك نشاطًا جرى في القاهرة يومي الأربعاء والخميس الماضيين، خلال لقاء جمع بين المسؤولين المصريين ووفد من حركة "حماس" برئاسة خليل الحية، تم التطرق خلاله إلى اليوم التالي للحرب في قطاع غزة، مشيرًا إلى أنّ القاهرة تلقت بعض الضمانات أو على الأقل الموافقات الحمساوية على ضرورة ألا يكون لديها دور خلال المرحلة المقبلة، خصوصًا في ظل تصاعد الحديث داخل الأروقة المغلقة بضرورة تنحي "حماس" عن السيطرة والتموضع داخل قطاع غزة خلال المرحلة المقبلةوأشار العشري إلى أنّ حركة "حماس" قرأت الكثير من المشهد في العواصم العربية وفي مصر باتجاه هذا الطرح، وهناك نصائح عربية ومصرية لـ"حماس" بعدم الظهور في المشهد حتى يتم الحفاظ على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ويجد العالم العربي المبرر القوي لرفض اقتراح ترامب لتهجير الفلسطينيين، وهذا هو الحل الأمثل لإمكانية معالجة هذه الأزمة.تشبث "حماس"في المقابل، استبعد المحلل السياسي الفلسطيني والباحث في الشؤون الإسرائيلية الدكتور نزار نزال، موافقة "حماس" أو غيرها من الفصائل الفلسطينية التنحي عن حكم غزة لأيّ فصيل فلسطيني آخر مهما كان شكله، سواء كانت الجبهة الشعبية، أو الجبهة الديمقراطية، أو حركة فتح، أو ألوية النصر صلاح الدين، أو أيّ جهة أخرى، وبالتالي فإنّ هذا الطرح لن يجد آذانًا صاغية داخل قطاع غزة، وذلك لأنه يأتي في إطار قضيتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بمشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمتمثل في التهجير.الثانية تتناغم مع طرح نتانياهو في اقتلاع جذور الفصائل الفلسطينية من غزة. وبالتالي فـ"حماس" لن توافق على التنحي.ويرى نزال أنّ إسرائيل تبحث عن ذرائع وحجج لتنتقل من مربع إدارة الصراع إلى مربع حسم الصراع من دون المرور بتحويل الصراع، وهذه نقطة في غاية الأهمية، مؤكدًا أنّ العقدة ليست في حركة "حماس" فحتى لو تنازلت "حماس" عن السلطة في غزة عن الحكم، فإنّ إسرائيل لن تترك القطاع بحاله، لأنه ستكون هناك فصائل فلسطينية أخرى موجودة.ودلل نزال طرحه السابق بأنّ إسرائيل تقوم في هذه الأيام بتنفيذ عمليات عسكرية في الضفة الغربية لم يسبق لها مثيل منذ العام 2002, علمًا بأنّ الضفة الغربية لم تشهد أيّ أحداث في السابع من أكتوبر أو قبله أو حتى بعده، ولا يوجد في الضفة الغربية خلايا لحركة "حماس" سوى نسبة ضئيلة جدًا، بل الموجود في جغرافيا الضفة خلايا مسلحة تابعة لحركة فتح والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية. و"مع ذلك فإسرائيل تشن هجمات عنيفة على جنين وطولكرم وأريحا وطوباس وغيرها من مدن الضفة الغربية، وها هي اليوم تريد أن تنتقل إلى رام الله وبعد ذلك الذهاب إلى الخليل وبيت لحم، المشكلة تكمن في الحكومة الإسرائيلية اليمنية المتطرفة"، أضاف نزال.حكم محمود عباسوحذّر مدير تحرير جريدة الأهرام أشرف العشري من أنّ تشبث "حماس" بسلطة القطاع، سيؤدي إلى صعوبات بالغة في إعادة إعماره، وسيعطي الفرصة للرئيس الأميركي ترامب وإسرائيل الاستمرار في الحرب داخل القطاع، وتأجيل تنفيذ المرحلة الثانية والثالثة من اتفاق التهدئة، بالإضافة إلى أن دول عربية كثيرة كانت غير متحمسة للمشاركة أو المساهمة في عملية إعمار غزة، خشية أن يكون هناك عودة للحرب مرة ثانية، وبالتالي يتم تخريب كل ما يتم بناؤه في مرحلة الإعمار المرتقبة خلال المرحلة القادمة.ووفقًا للعشري فإن ما يتعلق بإدارة فلسطينية من قبل محمود عباس أبو مازن في قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة هي الأقرب للواقعية السياسية، وسيتم تنفيذ ذلك بالفعل، و"حماس" لن يكون لها دور في تلك المرحلة وهذا حل من الممكن أن يكون له الكثير من القبول والتعاطي الدولي والأميركي وحتى الإسرائيلي، ورجح أن يكون هذا هو السيناريو القادم مع انتهاء المرحلة الثالثة من تبادل الأسرى وستختفي "حماس" من القطاع على الأقل خلال السنوات القادمة.وتوقع العشري أن تشهد المرحلة المقبلة بعض خروج القيادات من حركة "حماس" للخارج، مع بقاء الغالبية العظمى من قياداتها في الجناح العسكري، بشرط ألا تحمل سلاحًا وألا تقوم بأيّ عمليات استعراض عسكري.الانقسام الفلسطينيووصف المحلل السياسي الفلسطيني والباحث في الشؤون الإسرائيلية الدكتور نزار نزال، الانقسام الفلسطيني الداخلي بالمرض المزمن الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني، ونجحت إسرائيل في العمل عليه منذ سنوات طويلة، مؤكدًا أنّ الفلسطينيين في حاجة إلى ترتيب البيت الفلسطيني وترتيب الأوراق الفلسطينية، وآن الأوان أن يكون هناك رأس واحدة وخطاب موحد يتحدث به الفلسطينيون مع العالم.وأشار إلى أنّ هناك أكثر من 148 دولة حول العالم تعترف بالدولة الفلسطينية، ومن ثم يجب أن يكون هناك تعجل بترتيب هذا البيت وأن تكون هناك وحدة وطنية فلسطينية من أجل مواجهة التحديات، موضحًا أنه لا يعقل بعد كل هذا الدم أن يبقى الانقسام شوكة في ظهر الشعب الفلسطيني وفي ظهر القضية الفلسطينية.وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط قد أوضح مؤخرًا أنه إذا كانت الرؤية الدولية، والمصلحة الفلسطينية، تتطلبان أن تتنحى "حماس" عن الوجود في الصورة بهذا الشكل الواضح، فليكن وبإرادة عربية، وبتوافق وتراضٍ فلسطيني.(المشهد)