اتّهم نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، د. إلهام أوزغيل، الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان "بتنفيذ انقلاب قضائي" في البلاد من خلال "استغلال القضاء والمؤسسات القانونية" لصالح أجندة سياسية.وقال أوزغيل، وزير خارجية حكومة الظل في تركيا، في حديث خاص مع "المشهد" إن "تركيا تعيش أسوأ أيامها، حيث انعدام مبدأ فصل السلطات، والتفرّد بالأحكام والقرارات من دون رقيب"، في إشارة إلى ممارسات الرئيس التركي الاقصائية.اعتقال إمام أوغلوتصريحات أوزغيل لـ"المشهد" جاءت بالتزامن مع استمرار التحقيقات لليوم الثاني مع رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، و86 شخصاً من مساعديه وموظفيه المقرّبين الذين تم اعتقالهم في الوقت ذاته، ودعوة حزب الشعب الجمهوري إلى تظاهرات شعبية احتجاجية. ووفقاً لمصدر قانوني في المكتب الحقوقي لحزب الشعب الجمهوري، فإن استجواب إمام أوغلو لم يتم بعد، رغم مرور أكثر من 24 ساعة على توقيفه فجر أمس الأربعاء، في ظل انتظار محامييه في "مركز شرطة جادة الوطن". وشرح أوزغيل أن "إردوغان من خلال حملته الأخيرة يهدف إلى تعيين وصي بدلاً من إمام أوغلو للسيطرة على بلدية إسطنبول، التي تعتبر الأهم لناحية حجمها وتأثيرها، وبالتالي منع حزب الشعب الجمهوري من التواصل الفاعل مع سكان المدينة من خلال الخدمات البلدية التي لاقت استحساناً كبيراً". مضيفاً "إلى جانب إقصاء إمام أوغلو من السباق الرئاسي، كمرشح محتمل للإطاحة به، وهذا ما تظهره كل استطلاعات الرأي في البلاد". وأكّد أوزيل أن "إمام أوغلو سيبقى مرشّح الحزب للرئاسة، دون الالتفات إلى موضوع إلغاء شهادته أو اعتقاله". وكان حزب الشعب الجمهوري قد أعلن سابقاً عن مؤتمر استثنائي لانتخاب إمام أوغلو مرشحاً رئاسياً في مناورة سياسية تهدف إلى إحراج إردوغان وتقديم خطواته المتوقّعة مستقبلاً كاستهداف لخصمه الرئاسي. تظاهرات حاشدة في تركياعلى الرغم من الوجود المكثّف لقوات الأمن وفرض قيود على التجمعات العامة، توافد آلاف الأتراك إلى ساراجهانة، مقر بلدية إسطنبول الكبرى، مرددين هتافات تساند إمام أوغلو وتطالب الحكومة التركية بالاستقالة. وشهدت إسطنبول تدابير أمنية صارمة، بما في ذلك إغلاق العديد من الطرقات الرئيسية، وإيقاف عمل بعض محطات المترو المركزية، وحظر الاجتماعات العامة والمظاهرات حتى 23 مارس، مما اعتبره المتظاهرون محاولة لقمع أصواتهم والحد من حقهم في الاحتجاج. ودعا حزب الشعب الجمهوري الأتراك إلى الاحتشاد مساء اليوم الخميس أمام مقر البلدية، حيث يلقي رئيس الحزب خطابا للجماهير معلناً خارطة الطريق التي ينوون سلوكها. لعب طلاب جامعة إسطنبول دوراً بارزاً في الاحتجاجات، مخترقين الحواجز الأمنية في محاولة للوصول إلى تجمع ""ساراج خانة"، كما شهدت جامعات غلطة سراي، معمار سنان، بهشة شهير، يلدز التقنية، بوغازيجي، إسطنبول التقنية، ومرمرة احتجاجات طلابية حاشدة يوم 20 مارس للتعبير عن رفضهم للاعتقالات. وفي أنقرة، نظّم طلاب من جامعة بيلكنت وجامعة أنقرة تظاهرات، بعد أن شهدت جامعة الشرق الأوسط التقنية مواجهات بين الطلاب والشرطة مساء أمس. كما شهدت مدن أخرى مثل إزمير، إسكيشهير، أنطاليا، جناق قلعة، قوجه إيلي، طرابزون، وبارتين احتجاجات مماثلة من قبل الطلاب ضد احتجاز إمام أوغلو. وتم تعليق لافتة ضخمة على مبنى بلدية إسطنبول الكبرى تحمل صورة أتاتورك مع عبارته الشهيرة "السيادة ملك غير مشروط للأمة" إلى جانب صورة إمام أوغلو، في رسالة رمزية قوية تعبر عن مطالب المحتجين بالديمقراطية والتمثيل العادل. واستحضر المتظاهرون تجربة إردوغان نفسه كرئيس لبلدية إسطنبول عام 1998، حينما تعرّض للسجن بسبب خطاباته السياسية، في مقاربة للذكير بالدورة المستمرة للصراع السياسي في تركيا، حيث يتحول المعارضون إلى ضحايا للاضطهاد السياسي كما حدث سابقًا مع إردوغان نفسه.توقيف إمام إوغلو سيطول يستمر احتجاز، إمام أوغلو، في إطار تحقيقين منفصلين بتهم تتعلق بـ"الفساد" و"الإرهاب"، حيث وصفه مكتب الادعاء العام في إسطنبول بأنه "مشتبه به كزعيم لمنظمة إجرامية". وتشير المصادر الحقوقية المقرّبة من الحزب، والتي تواصلت معها "المشهد"، إلى أن استجواب إمام أوغلو، بالإضافة إلى المتحدث باسم البلدية مراد أونغون، سيتم في المرحلة الأخيرة من التحقيقات، حيث سيعتمد استجوابهما على إفادات باقي المشتبه بهم، ما يعني ابقائهم معتقلين لعدة أيام، في مركز الشرطة قبل تحويلهم إلى العدلية". وتقول المصادر إنه "يُسمح لإمام أوغلو بالاجتماع مع محاميه من دون أي قيود، قبل أن يعود إلى زنزانته المنفردة، لكنه يتمتع بمعنويات عالية، من دون أن يتعرّض لأي إساءة من قبل قوات الأمن، بل يُعامل باحترام، كما أنه أخضع لفحوصات طبية لليوم الثاني على التوالي، وتم تزويده بالملابس التي أعدتها له زوجته". وأضافت "هناك شكاوى تتعلق بنظافة الزنزانة والطعام المقدّم، فالظروف في السجن غير صحية وكان من الممكن أن تكون أفضل".ذعر في الأسواق بعد الاعتقالوشهد مؤشر بورصة إسطنبول انخفاضاً حاداً، حيث تم تعليق التداول مرتين في 19 مارس بسبب الانهيار الحاد في الأسعار. وأغلق المؤشر يوم الخميس على تراجع بنسبة تجاوزت 8%، مما يعكس حالة القلق العميق لدى المستثمرين بشأن الاستقرار السياسي وتأثيره على الاقتصاد. كما أدّت الاضطرابات المالية إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار العملات الأجنبية. حيث تجاوز سعر اليورو 44 ليرة تركية، بينما وصل الدولار إلى 41 ليرة تركية، وسجل الذهب مستوى قياسيًا أعلى من 4000 ليرة تركية. وارتفع مؤشر المخاطر الائتمانية لتركيا إلى 279 نقطة أساس، وهو أعلى مستوى له في 5 أشهر. وفي ظل هذه المستجدات، قام بنك جي بي مورغان الاستثمارية الأميركية الكبرى، بمراجعة توقعاته للتضخم السنوي في تركيا، حيث رفع توقعاته من 27.2% إلى 29.5%. كما رفع تقديراته لأسعار الفائدة من 30% إلى 35%. وفي محاولة لفرملة تراجع الليرة التركية واستقرار سوق الصرف، قام البنك المركزي التركي ببيع احتياطيات بقيمة 10 مليارات دولار، معلناً في الوقت ذاته عن خطط لبيع عقود آجلة بالليرة التركية بهدف الحد من التقلبات في سوق العملات. ويحذّر المحللون من أن استمرار التوترات السياسية قد يقوض المكاسب الاقتصادية التي حققتها تركيا في الفترة الأخيرة. ويشير الخبراء إلى أن حالة عدم اليقين ستدفع المستثمرين إلى التحول نحو العملات الأجنبية بدلاً من الليرة التركية، مما سيؤدي إلى مزيد من التراجع في قيمتها. في الوقت ذاته، فرض المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون غرامات وعقوبات على العديد من القنوات التلفزيونية المعارضة. يعكس توقيف إمام أوغلو والأحداث الجارية الصراعات السياسية العميقة في تركيا، وسط التراجع الحاج للحريات وسيادة القانون، ليبقى السؤال: كيف ستؤثر هذه الأزمة على المشهد السياسي والاقتصادي التركي الأعم؟(المشهد)