حينما قُتل قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين وكبار معاونيه قبل أكثر من شهر في تحطم طائرة خاصة، أصدر الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين، قرارا يُلزم الجماعات العسكريّة غير النظاميّة بالخضوع للسيطرة المركزيّة لوزارة الدفاع، وهو القرار الذي كان موضع خلاف بين الكرملين وبريغوجين قبيل تمرّده الفاشل في يونيو الماضي. ومنذ مقتل طباخ بوتين والذي اعتبره الغرب "اغتيالا"، تزايد الغموض حول مستقبل المجموعة، إذ اعتبر خبراء حينها أنّ رحيل بريغوجين كتب الفصل الأخير في قصة فاغنر، التي لطالما حظيت بتقدير واسع في الرأي العام المحلي، نظرا لمجهوداتها الكبيرة خلال الحرب في أوكرانيا ومناطق نفوذ موسكو في آسيا وإفريقيا. لقاء بوتين بتروشيفلكن، في الوقت نفسه تداولت وسائل الإعلام الروسية والغربية اسم أندريه تروشيف المساعد السابق لقائد فاغنر، باعتباره المرشح الأبرز ليخلف بريغوجين في قيادة المجموعة، حيث إنّ "الشايب" كما يُلقّب، هو أحد مؤسّسي المجموعة وقائدها السابق في سوريا، وهو أيضا قائد عسكري بارز يدين بالولاء لوزارة الدفاع الروسية، ويحمل وسامَي النجمة الحمراء والاتحاد السوفياتي لخدمته الاستثنائية. وعلى ما يبدو أنّ أندريه تروشيف الذي شارك في حرب أفغانستان، يحظى بثقة الرئيس الروسيّ المحدودة نوعا ما، إذ أشار بيان صادر من الكرملين قبل ساعات، إلى طلب بوتين من المساعد السابق لقائد المجموعة "تدريب متطوعين للقتال في أوكرانيا". وقال بوتين في فيديو نشره الكرملين متوجها إلى أندريه تروشيف (70 عاما) بحضور نائب وزير الدفاع الروسي: "خلال الاجتماع الأخير طرحنا فكرة انخراطك في تدريب وحدات متطوعين قادرة على شنّ مهمات قتالية مختلفة في منطقة العملية العسكرية الخاصة بأوكرانيا". وذكر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف بعد لحظات قليلة لوسائل إعلام محلية، أنّ تروشيف الذي يعتبر بوتين أنه يحافظ على علاقات جيدة مع رفاق السلاح "يعمل في وزارة الدفاع". ويؤكد المحلل السياسي والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الروسية ألكسندر زاسيبكين خلال حديثه مع منصة "المشهد"، أنّ بوتين يضع في عين الاعتبار السمعة الجيدة للعقيد تروشيف بين مقاتلي فاغنر والأوساط العسكرية الروسية، وسيكون له دور أساسيّ في مجال تدريب المتطوعين مستقبلًا. ويضيف زاسيبكين: "يبدو أنّ تروشيف ينضم إلى العمل مجددا". فيما، يُشكك المحلل السياسي الأوكراني والدبلوماسي السابق فولوديمير شوماكوف خلال حديثه مع منصة "المشهد"، في إمكانية قبول أفراد مجموعة فاغنر، تروشيف باعتباره قائدا لهم على غرار سلفه بريغوجين، قائلا: "عندما يدور الحديث عن أندريه تروشيف، يجب إدراك أنّ أفراد مجموعة فاغنر يعتبرونه خائنا. لقد خان قائده". ويكرر شوماكوف ما قاله المدونون العسكريون المقربون من قائد فاغنر عقب مقتله مباشرة، بأنّ تروشيف خان بريغوجين بعد التمرد الفاشل، وأبرم صفقة مع وزارة الدفاع الروسية.عودة فاغنر للقتال في أوكرانياوفي أعقاب التمرّد قصير الأمد ضدّ القيادة العسكرية الروسية في يونيو الماضي، انتقل الكثير من قوات فاغنر الذين رفضوا إبرام عقود مع وزارة الدفاع، بصحبة قائدهم إلى مينسك وفق صفقة توسط فيها رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو، لكن بعد مقتل بريغوجين لم يتضح بعد مصير هذه القوات، وسط تقارير غربية تتحدث عن مغادرتهم بيلاروس وعودتها مجددا خلال الأيام القليلة الماضية إلى الجبهة في أوكرانيا. ويرى الخبير والباحث الروسيّ في العلاقات الدولية تيمور دويدار، أنّ "ظهور تروشيف من جديد تعني أنه سيتزعم تشكيل كتائب المتطوعين، سواء كانت فاغنر أو غيرها من الكتائب المقاتلة إلى جانب القوات النظامية على الجبهة". ويضيف دويدار: "في الظروف الحالية ستكون بالطبع هذه الكتائب تحت سيطرة وزارة الدفاع الروسية، والسيد تروشيف الآن يعمل في وزارة الدفاع. هو يسلّف بريغوجين في هذه المهمة إذا أردنا التحدث عن مجموعة فاغنر". ولعب مقاتلو مجموعة فاغنر العسكرية بقيادة بريغوجين دورا مهما في سيطرة روسيا على مدينة باخموت الشرقية في مايو الماضي، بعد واحدة من أطول وأشرس المعارك في الحرب المتواصلة منذ 19 شهرا. وقبل ساعات من اجتماع بوتين مع "الشايب"، أكدت كييف عودة المئات من مقاتلي فاغنر إلى شرق أوكرانيا للقتال، حسبما ذكر متحدث باسم الجيش الأوكراني سيرهي تشيريفاتي والذي قال: "لقد رصدنا وجود مئات عدة من مقاتلي المجموعة على أقصى تقدير". ويعتبر الخبير الروسيّ تيمور دويدار أنّ تروشيف سيقود الكتائب المتطوعة بمختلف مسمّياتها، "لكن ليس من الواضح أن يكون هناك تركيز فقط على قيادة ما تبقى من عناصر فاغنر، خصوصا أنّ هناك جزءًا كبيرا منهم، أبرم عقودا مع وزارة الدفاع الروسية وانضم للجيش. وعددا آخر لا يزال تحت ما يطلق عليهم (متطوعون)"، قائلا: "جزء من قوات فاغنر موجود على الجبهة، وهم من قاموا بإبرام عقود مع وزارة الدفاع في السابق. أما العناصر التي لم توقّع كانوا في بيلاروس وقد يعاد تشكيلها من جديد".بدوره، يعتقد المسؤول السابق في وزارة الخارجية الروسية ألكسندر زاسيبكين، أنّ الرئيس الروسيّ "يسعى للاستفادة بشكل أفضل من مقاتلي مجموعة فاغنر والمتطوعين الجدد الذين تتزايد أعدادهم سريعا". ويقول زاسيبكين: "لذلك من المطلوب ترتيب أوضاعهم مقاتلي فاغنر والمتطوعين من جميع النواحي، سواء كانوا موقّعين عقودا مع الجيش أو التشكيلات الأخرى"، مشيرا إلى أنّ بوتين يحرص "على ضرورة تأمين ضمانات اجتماعية متساوية لجميع المقاتلين بغضّ النظر عن صفتهم لأنهم يدافعون عن الوطن". الهجوم الأوكراني المضادعلى مدار الأسابيع الماضية، تُعلن كييف عن استعادة بعض الأراضي التي كانت تسيطر عليها القوات الروسية بالقرب من باخموت، فيما قال هذا الأسبوع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ، إنّ القوات الأوكرانية "تحقق مكاسب تدريجيا" على الأرض في هجومها المضاد على القوات الروسية. ويؤكد هذا الدبلوماسيّ الأوكرانيّ السابق فولوديمير شوماكوف، والذي يقول إنّ "إخفاقات الجيش الروسيّ الأخيرة في أوكرانيا، تدفع بوتين لإعادة فاغنر إلى الحرب من جديد، حيث تحاصر القوات الأوكرانية مدينة باخموت من الجوانب كافة". ويضيف: "على كل حال، إعادة إحياء دور مجموعة فاغنر يحتاج إلى المزيد من الوقت. وهذا لأّن أوكرانيا قتلت ودمرت إمكاناتها إلى حدّ ما في المعارك العنيفة التي دارت ببلدة باخموت. وهو ما أكدته قيادات المجموعة على مدار أشهر من القتال قبل أن تسيطر على البلدة". ويتفق الخبير الروسي تيمور دويدار مع ما قاله المحلل الأوكراني حول حاجة الرئيس بوتين إلى قوات فاغنر حاليا، قائلًا: "رغم أنّ العناصر الموجودة من فاغنر في الوقت الراهن، أقل خبرة وقدرة من العناصر السابقة التي خاضت معارك باخموت، إلا أنه بالطبع لا يزالون يشكلون قوة ضاربة على الأرض. والرئيس بوتين يحتاج إليهم". ويضيف دويدار: "الرئيس الروسي في حاجة إلى مساعدة من خبراء حرب مثل أفراد فاغنر بكل تأكيد. هذه العملية العسكرية تحتاج إلى محترفين قادرين على مهام خاصة". رغم ذلك، يقلل الخبراء العسكريون الأوكرانيون من تأثير عودة مقاتلي فاغنر إلى الحرب، بحسب ما يقول فولوديمير شوماكوف، مضيفا: "في الوقت الراهن لا يشكل عناصر فاغنر أي تهديدات كبيرة لأوكرانيا". وادعى معهد دراسة الحرب الأميركي، وهو مؤسسة بحثية مستقلة، في تقرير نُشر قبل أسبوع تقريبا، أنّ بوتين أمهل وزير الدفاع الروسيّ سيرغي شويغو حتى مطلع أكتوبر المقبل، لتحسين الوضع على الخطوط الأمامية، ووقف الهجمات المضادة الأوكرانية، وجعل القوات تستعيد زمام المبادرة لشنّ عملية هجوميّة ضد مجموعة أكبر. وقال المعهد إنّ هذا قد يشير إلى أنّ القيادة العسكرية الروسية ربما تأمر بشنّ هجمات لا هوادة فيها، على أمل إجبار الهجوم المضاد الأوكرانيّ على التراجع، حتى لو كان ذلك على حساب القدرات العسكرية الروسية.(المشهد)