منذ تفاقم الأوضاع داخل قطاع غزة في 7 أكتوبر الماضي عقب هجوم الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة "حماس" على عدد من البلدات والمواقع العسكرية الإسرائيلية وما أعقب ذلك من حرب شرسة على كافة مناطق القطاع، وتسعى دول عربية من بينها مصر لوقف الحرب من خلال المبادرات والوساطات التي تقدمها لطرفي الحرب.وعلى الرغم من أن مصر تعد من الدول الفاعلة والمؤثرة طيلة أعوام مضت في أي نزاع ينشأ بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، إلا أن هناك صعوبة كبيرة تواجه المسؤولين المصريين هذه المرة نحو إيجاد مخرج لإنهاء الحرب على خلاف الحروب السابقة، وذلك بسبب الرغبة الإسرائيلية في "الانتقام" من القطاع بأكمله، بحسب مسؤولين إسرائيليين، وما يفرزه من تداعيات إنسانية غير مسبوقة مع تعثر وصول المساعدات الإنسانية فضلاً عن الدعوات الإسرائيلية المتواصلة في توطين سكان القطاع إلى شبه جزيرة سيناء.تفاصيل المبادرة المصرية وخلال الأيام الماضية، تحدثت تقارير إعلامية عن مبادرة مصرية جديدة في محاولة لوقف الحرب الدامية في غزة منذ أكثر من شهرين.وتتكون المبادرة من 3 مراحل لوقف إطلاق النار بين طرفي الصراع إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة وتضمنت بنودها الآتي:المرحلة الأولى: تتضمن بدء هدنة إنسانية لمدة أسبوعين قابلة للتمديد لأسبوعين أو 3 آخرين تطلق خلالها حركة "حماس" سراح 40 من الأسرى المحتجزين الإسرائيليين من "النساء والأطفال" ممن هم أقل من 18 عامًا والذكور من كبار السن خصوصًا المرضى، وفي المقابل تطلق إسرائيل سراح 120 أسيرًا فلسطينيًّا من الفئتين نفسيهما ويتم خلال هذه المرحلة وقف الأعمال القتالية وتراجع الدبابات إضافة إلى تدفق المساعدات الغذائية والطبية والوقود وغاز الطهو لقطاع غزة.المرحلة الثانية: تشمل إقامة حوار وطني فلسطيني برعاية مصرية بهدف إنهاء الانقسام الداخلي وتشكيل حكومة تكنوقراط تتولى الإشراف على قضايا الإغاثة الإنسانية وملف إعادة إعمار قطاع غزة والتمهيد لانتخابات عامة ورئاسية فلسطينية.المرحلة الثالثة: تتضمن وقفًا كليًّا وشاملًا لإطلاق النار وصفقة شاملة لتبادل الأسرى تشمل جميع العسكريين الإسرائيليين لدى حركتي "حماس" والجهاد وفصائل أخرى ويتم خلالها الاتفاق على عدد الأسرى الفلسطينيين الذين ستطلق سراحهم إسرائيل بما يشمل ذوي المحكومات العالية الذين اعتقلتهم إسرائيل بعد 7 أكتوبر وتتضمن المرحلة الأخيرة انسحابًا إسرائيليًّا من مدن قطاع غزة وتمكين النازحين من العودة إلى مناطقهم في غزة وشمال القطاع."المشهد" حاورت عددا من المهتمين بالشؤون الدولية والعربية للوقوف أكثر على تفاصيل هذه المبادرة ومدى قابلية نجاحها من عدمه في ظل احتدام الحرب القائمة.حل نهائي للصراعحذرت مصر ودول أخرى من التداعيات الخطيرة التي قد تُحدثها الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة على المنطقة برمتها، واليوم ومع اقتراب انتهاء الشهر الثالث للحرب لا أحد يستطيع أن ينكر التداعيات الكثيرة التي أحدثتها على كل المستويات، خصوصا ما يتعلق بتصاعد الحرب الإقليمية وزيادة حدة التوترات في ضوء اشتعال العديد من الجبهات منها لبنان وسوريا والعراق والبحر الأحمر.وقال الباحث في الشؤون الإسرائيلية منير محمود، إن المبادرة "تبحث عن حل نهائي ومستدام للصراع القائم في غزة منذ 7 أكتوبر الماضي وأنها تهدف إلى تحقيق حل شامل لمسألة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على المدى الاستراتيجي".وعلى الرغم من أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت في 12من الشهر الجاري بأغلبية ساحقة قرارا يطالب بوقف فوري إنساني لإطلاق النار في قطاع غزة إلا أن مجلس الأمن الدولي فشل في تحقيقه حتى الآن، وهو ما زاد من مأساوية الأوضاع داخل غزة في ظل وجود انهيار كبير في كافة المرافق الحيوية والبنى التحتية هناك، وتجاوز عدد القتلى 21 ألفا لذلك يرى منير أن "المبادرة تنطوي على محاور هامة ربما أبرزها هو وقف إطلاق النار بغض النظر عن مضمونه أو تسميته أو حتى شكله وتسمح بإقامة حكم تكنوقراطي فلسطيني في غزة يدير شؤون الفلسطينيين وتجرى انتخابات حرة وديمقراطية لاختيار مَن يحكم القطاع في المرحلة المقبلة".هل تقبل إسرائيل بالمبادرة؟وبحسب عدد من المسؤولين الإسرائيليين الذين تحدثوا لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، فإن حكومة الحرب في إسرائيل اجتمعت مساء الاثنين الماضي لمناقشة الاقتراح الذي تقدمت به مصر لإنهاء الحرب في غزة، وذكرت الصحيفة أن الاقتراح المصري يعد خطة السلام الأكثر شمولا التي يتم اقتراحها على الطرفين في حرب غزة الدائرة رحاها.ووفقا للبيانات الأخيرة فإن عدد القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي وصل إلى 170 ضابطا وجنديا سقطوا في العملية البرية داخل القطاع، والتي بدأت في أواخر أكتوبر الماضي أما العدد الإجمالي منذ عملية "طوفان الأقصى" في السابع من ذات الشهر فارتفع إلى 498 بين ضابط وجندي.كما أن تكلفة الحرب على غزة بحسب تقديرات وزارة الأمن الإسرائيلية بلغت حتى الآن 65 مليار شيكل (18 مليار دولار) ويعادل هذا المبلغ الضخم ميزانية الدفاع الإسرائيلية السنوية بأكملها، ومن هنا يؤكد الخبير في الشؤون الإسرائيلية أن العامل الوحيد لنجاح المبادرة المصرية هو "وجود قتلى عسكريين كثر من الجانب الإسرائيلي فكلما زاد الوقت قُتل جنود إسرائيليون بشكل كبير وزاد الضغط الداخلي وليس الأوروبي على حكومة نتانياهو، ومن ثم تصبح الفرصة سانحة لقبول الإسرائيليين تلك المبادرة والتعاطي معها على نحو جيد"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن "القادة الإسرائيليين يتمنوا نجاح المبادرة المصرية كي يُزيحوا عن مسؤوليتهم إراقة الدماء التي تنزف كل يوم من جانبهم".تحرير الأسرى الإسرائيليين لن يتم إلا بمفاوضات وتواجه حكومة نتانياهو ضغطاً غير مسبوق في الداخل الإسرائيلي بسبب الأسرى الذين تحتجزهم "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى ورغم تأكيد نتانياهو نفسه أكثر من مرة على أن أهم أهداف الحرب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي في غزة هو تحرير الأسرى إلا أن هذا الهدف لم يتحقق، لذلك يؤكد منير أنه "لن يتم بأي حال من الأحوال من ناحية المنطق والحسابات والرؤى العسكرية والسياسية أن عملية تحرير الأسرى في الوضع الحالي على الأرض لن تكون إلا بمفاوضات وأن المعنى الوحيد للوجود العسكري لتحرير الأسرى هو (موتهم) وهذا ليس بعيدا عن الفكر الإسرائيلي لأن هناك قانونا يسمى بقانون (هانيبال) ليس مكتوبا ولكنه متعارف عليه وهو أن يقتل الأسير الخاص به حتى لا يكون ورقة ضغط في أيدي الآخرين، وهذا ما ظهر جليا عندما قتل الجيش الإسرائيلي 3 من أسراه والذين خرجوا وهم رافعون الأعلام البيضاء مؤخرا"، بحسب قوله.وفي ذات السياق، يقول المحلل السياسي الفلسطيني عبد المهدي مطاوع لـ"المشهد" إنه "تُعتبر القاهرة الوسيط الرئيسي في هذا الصدد وما يعزز هذا الطرح الزيارات المتعددة لقادة الفصائل الفلسطينية للعاصمة المصرية خلال الأسابيع القليلة الماضية والتي كان آخرها زيارة وفد من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" للقاهرة وعقد لقاءات مع كبار المسؤولين الأمنيين بشأن الاتفاق على تصورات تنهي الحرب الدائرة، وربما جرى التشاور حول بنود المبادرة المطروحة حينها".ويضيف مطاوع قائلا: "المبادرة تدفع باتجاه أفكار مهمة يجب تطويرها حتى تصبح ناضجة ويقبلها جميع الأطراف وتخدم مصالح الشعب الفلسطيني بشكل عام".وكشف مطاوع عن أن فلسطين ممثلة في منظمة التحرير ستطلق في القريب العاجل مبادرات مهمة من أجل توحيد الموقف الفلسطيني، لافتا إلى أن "إسرائيل لا يهمها توحيد غزة والضفة ولا يهمها أصلا وجود إدارة لها خلفية وطنية في قطاع غزة فنتانياهو يتحدث عن إدارة مدنية هو من يقوم بالإشراف عليها حتى يستكمل مشروعه بشكل كامل".أهداف إسرائيل الرئيسية ويرى مطاوع أن إسرائيل يهمها أن تحقق أهدافها والمتمثلة في الآتي:نزع السلاح.تفكيك الفصائل الفلسطينية.عدم عودة "حماس" إلى الحكم.الحث على ألا يكون هناك أي وحدة لغزة والضفة.وبالتالي فإن عبد المهدي يعتقد أن الجانب الإسرائيلي لن يوافق على مثل هذه المبادرة، ولكن من المهم أن يتم تطوير هذه المبادرة في جزئيتين:الأول يتعلق بإيقاف الحرب وتبادل الأسرى.الثاني يتعلق بالوحدة الفلسطينية.وكانت وسائل الاعلام الإقليمية والدولية تحدثت عن مبادرة مصرية تقضي بوقف الحرب الدائرة على قطاع غزة ورغم عدم الإعلان عنها بشكل رسمي من قبل الدوائر في مصر، إلا أنها لاقت ترحيبا مبدئيًا لدي الكثيرين.(المشهد)