بعد التصعيد الذي حصل على خلفية هجوم 7 أكتوبر، أدان الأردن بشكل متكرر الهجمات على قطاع غزّة واستهداف المدنيّين، ودعا إلى وقف إطلاق النار، تزامن ذلك مع غضب أردنيّ شعبيّ وتظاهرات طالبت بطرد السفير الإسرائيليّ من البلاد. وبالفعل، استدعى وزير الخارجية الأردنية، أيمن الصفدي، السفير الأردنيّ في إسرائيل، تعبيرًا عن رفض الأردن وإدانته لـ"الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزّة"، ووجّه بإبلاغ وزارة الخارجية الإسرائيلية بعدم إعادة سفيرها الذي غادر عمّان سابقا، وفقًا لبيان صدر عن الخارجية الأردنية، الأربعاء. ولخفض التصعيد، يزور وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الأردن يوم غد، في إطار جولة شرق أوسطية، كما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، إذ تحاول واشنطن دعم إسرائيل من جهة، والتشديد على ضرورة إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزّة من جهة ثانية. دور الأردن في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على الرغم من اتفاقية السلام الموقّعة بين الأردن وإسرائيل (وادي عربة) عام 1994، إلّا أنّ العلاقات الأردنية – الإسرائيلية لم تكن على ما يرام طوال السنوات الماضية، لأسباب عديدة، أبرزها عدم احترام الجانب الإسرائيلي لوصاية الأردن على المقدسات الفلسطينية، واستمراره بانتهاكات حرمة مسجد الأقصى، واقتحامه من قبل المستوطنين بشكل متكرر، كما يقول الأردن. علاوةً على ذلك، توترت العلاقات بشكل متزايد بعد وصول بنيامين نتانياهو إلى السلطة، وبشكل أساسي بسبب مساعي الأخير الكبيرة بضمّ الضفة الغربية، منتهجًا أساليب كثيرة مثل مضايقة الفلسطينيّين في الضفة، وشنّ حملات اعتقال بشكل دائم.لذا قد يبدو القرار الأردنيّ بأنه نتيجة تراكمات سابقة، تم اختتامها بالهجوم العسكريّ والقصف المكثّف على قطاع غزة، الذي أدانه الأردن بشكل واضح، لكن في الوقت ذاته لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأردن لا يؤيد سياسة حركة "حماس"، وفي عام 1999 أمر أعضاء الحركة بالخروج من المملكة. وفي أكثر من مرة، شدّد الملك الأردنيّ عبد الله الثاني على رفضه تهميش دور الأردن في القضية الفلسطينية، وهو ما عبّر صراحة في 8 يونيو 2021 قائلًا "هناك مؤامرة لم تحدّد طبيعتها، كانت تُحاك لإضعاف الدولة الأردنية والقضية الفلسطينية، لكن تمكنّا من التصدّي لها". تبعات قرار استدعاء السفير الأردني في إسرائيلمنذ عقود، استمرت الحروب والتوترات بين الفلسطينيّين والإسرائيليّين، وحدثت معارك وانتفاضات (الأولى عام 1987 والثانية عام 2000)، لكنّ الحرب الدائرة اليوم في غزة تبدو مختلفة، في ظل فشل استخباراتيّ إسرائيلي لم يكن له مثيل منذ تأسيس الدولة، خصوصًا أنّ المخابرات الإسرائيلية (الموساد) تُعرف بقوتها وقدرتها على التجسّس والاختراق والكشف. وفي حالات قليلة، قادت بعض الحروب بين إسرائيل ودول عربية إلى اتفاقيات سلام، على سبيل المثال، وقّعت مصر و إسرائيل اتفاقية كامب ديفيد عام 1978، بعد 5 سنوات من حرب أكتوبر، كذلك اعتبر البعض أنّ الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987 مهّدت لاتفاق أوسلو عام 1991، وهو أول اتفاق تمّ بين إسرائيل والجانب الفلسطيني. في هذا الصدد، يقول رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد شنيكات في تصريح إلى "المشهد"، إنّ "السبب الرئيسيّ لسحب السفير الإسرائيلي من الأردن هو الحرب في غزة، ومطالب الأردن واضحة، وهي وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات إلى غزة، ورفض سياسية التهجير الجماعي، والشروع في حلّ سياسيّ يُفضي إلى دولة فلسطينية". ويشرح شنيكات "اليوم الأردن اتخذ إجراءات دبلوماسية وسياسية، ولم يذهب إلى أبعد من ذلك، والتطورات في الضفة الغربية هي التي تقرر إلى أين ستتجه الأمور، لأنّ هناك تخوفًا من تكرار سيناريو غزة في الضفة، وحدوث تهجير جماعي وهذا شكل من أشكال إعلان الحرب، كما قال وزير الخارجية أيمن الصفدي". بدوره يبيّن نائب رئيس الوزراء الأسبق د. ممدوح العبادي في تصريح إلى منصة "المشهد"، أنّ "القرار الأردنيّ كان سبقًا في العالم العربيّ والإسلامي، وهذا أقل ما يمكن أن نقوم فيه ردًا على الممارسات الإسرائيلية بحقّ الفلسطينيّين". طوال الأيام الماضية، خرج عدد كبير الأردنيّين تضامنًا مع قطاع غزة، وتم تنظيم عدد من الفعاليات الشعبية في العاصمة عمّان، كما شهد محيط السفارة الإسرائيلية في الأردن احتجاجات مطالبة بإغلاقها، وحاول المتظاهرون الوصول إلى السفارة الإسرائيلية، لكنّ قوات الأمن الأردنية منعتهم بالقوة، ما أدى إلى وقوع بعض الإصابات. حول ذلك يعلق العبادي أنّ "الحكومة الأردنية استجابت للضغط الأردني، وهذا شرف لها، وكل الدول المتقدمة تستجيب لقرارات شعبها". في المقابل، يلفت شنيكات إلى أنّ"هناك ضغطًا شعبيًا على الحكومة رفضًا للحرب، والمطالبة بخطوات إضافية، الأردن لا يريد التصعيد، لكن بعد مرور ما يقارب الشهر على الحرب لم تستجب إسرائيل لوقف إطلاق". الأردن يطلب بطاريات باتريوت الأميركيةفي خضمّ الحرب الدائرة، طالب الأردن بالحصول على بطاريات باتريوت من الولايات المتحدة الأميركية، وقال مدير الإعلام العسكري، العميد الركن مصطفى الحياري، "إنّ المملكة، الحليف القويّ للولايات المتحدة، طلبت من واشنطن نشر منظومة الدفاع الجويّ "باتريوت" لتعزيز الدفاع عن حدودها في وقت يشهد تصاعد التوتر والصراع في المنطقة". نتيجة لذلك، ربط البعض قرار الأردن باستدعاء سفيره من إسرائيل، بطلبه من الولايات المتحدة نشر بطاريات باتريوت، كخطوات تصعيدية من قبل الجانب الأردني.حول ذلك يقول شنيكات: "مطالب الأردن ببطاريات باتريوت هو لحماية الأجواء الأردنية، لأنّ هناك احتمال عبور صواريخ أو طائرات مسيّرة الأجواء الأردنية، إذ ترى عمّان أنّ الجو جزء من سيادتها، ويجب حمايته من أيّ اختراق من أيّ طرف كان". في حين يرى نائب رئيس الوزراء الأسبق العبادي أنّ "الأردن يطلب باتريوت وغيرها من الأسلحة لحماية أراضيه من إسرائيل، نحن نريد طائرات متقدمة من أميركا أو روسيا أو أيّ بلد آخر. أيّ دولة تؤمّن السلاح للدفاع عن نفسها، فكيف يكون الحال إذا كان هناك عدوّ على مسافة قريبة جدًا". الجدير بالذكر أنه تم نشر منظومة باتريوت الأميركية في المملكة عام 2013، في أعقاب الحرب السورية التي بدأت عام 2011، حيث كان لدى الأردن مخاوف من امتداد رقعة الحرب إلى أراضيه، بشكل مشابه للمخاوف التي يعانيها الأردن اليوم بسبب الحرب في غزّة، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف طبيعة الصراعين.(المشهد)