مع ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2020، وضع الرئيس الأميركيّ جو بايدن "العودة إلى الاتفاق النووي" على قمة برنامجه الانتخابي، على عكس منافسه حينها، وسلفه الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي خرج من الاتفاق النوويّ الموقع بين إيران والدول الـ5 الكبرى، بعد أن كان قد توصل إلى الاتفاق الرئيس الأسبق باراك أوباما. لكن على الرغم من مساعي بايدن الحثيثة لعودة بلاده إلى الاتفاق، إلّا أنّ جهوده يمكن القول إنها فشلت في إعادة ضبط اتفاق من جديد، حيث بدت إيران أنها تماطل في الوصول إلى تفاهمات تؤطر جهودها في الوصول إلى قنبلة نووية، إذ ترى أنه ليس في صالحها الالتزام بشروط الدول الغربية مجددًا، بعد أن وصلت إلى مخزون يزيد عن 4700 كيلو غرام من اليورانيوم المخصّب، وهذا يعادل 23 مرّة ما تم التعهد به في الاتفاق النووي. تطورات الاتفاق النووي في 2023تباينت التصريحات الإيرانية والغربية حول التقدم في المفاوضات بشكل مستمر. على سبيل المثال، في سبتمبر الماضي وقبل انشغال العالم في حرب غزة، قال وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، إنّ بلاده مستعدة لاتخاذ الخطوة النهائية بشأن مفاوضات فيينا الرامية إلى تنفيذ الاتفاق النووي انطلاقًا من "وثيقة سبتمبر 2022". في المقابل، أدانت الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا عدم التعاون من قبل طهران في ملفها النووي. أهم تطور حدث خلال 2023 يتعلق بالاتفاق النوويّ هو الصفقة التي تمت بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة قطرية، حيث أُعلن عن الصفقة في أغسطس الماضي وذلك بعد مفاوضات سرية، وتضمنت الإفراج عن 5 سجناء أميركيّين معتقلين في إيران، مقابل إفراج واشنطن عن 6 مليارات دولار كانت تخضع للعقوبات في كوريا الجنوبية، كذلك أفرجت واشنطن عن بعض الإيرانيّين المحتجزين لديها. قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، إنّ إيران تمتلك موادّ نووية مهمة لم تعد بحوزة أحد سوى الدول التي تمتلك أسلحة نووية، ولا يعني ذلك أنّ لديهم أسلحة نووية. في سبتمبر، قال تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية إنّ إيران وصلت في إنتاج اليورانيوم المخصّب إلى درجة نقاء تقترب من مستوى صنع أسلحة نووية، فيما تواصل في الوقت نفسه إعاقة جهود الوكالة الأممية لمراقبة برنامجها النوويّ بشكل أوثق. في نوفمبر، كشفت وكالة رويترز معلومات نقلًا عن تقريرين سرّيين للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأفادت أنّ "إيران قد خصبت اليورانيوم بدرجة نقاء تصل إلى 60%، بما يكفي لتصنيع 3 قنابل نووية"، كما نقلت عن دبلوماسيّ أوروبيّ كبير، أنّ "هناك نوعًا من الشلل، خصوصًا بين الأميركيّين، لأنهم لا يريدون صبّ الزيت على النار".الاتفاق النووي في 2023 منذ وصوله إلى البيت الأبيض، واجه بايدن تحديات كبيرة وجهت اهتمامه بعيدًا عن الاتفاق النووي، لعلّ أبرزها تبعات جائحة كورونا، والركود الاقتصاديّ التي لحق بها، ومن ثم الانسحاب الأميركيّ من أفغانستان، بعد وجود دام قرابة الـ20 عامًا، الأمر الذي يعدّ نقطة تحول في سياسة أميركا الخارجية، تبع ذلك الحرب الروسية -الأوكرانية، التي شغلت الرأي العام العالمي، وليس ذلك فحسب، بل وضعها بايدن على رأس أولوياته على صعيد السياسة الخارجية. كل هذه الأمور وغيرها، أثّرت على جهود إدارة بايدن في المفاوضات النووية، وعلى الرغم من عقد عدد من الاجتماعات بين أطراف الاتفاق، إلّا أنّ كل هذه الاجتماعات لم تصل إلى نتيجة، وتم توقّفها أكثر من مرة. في هذا السياق، يقول المحلل والكاتب السياسيّ الإيرانيّ وجدان عبد الرحمن في حديثه إلى منصة "المشهد"، إنّ "عام 2023 كان فرصة كبيرة لإيران استغلتها لصالح مشروعها النووي، حيث استغلت فترة الهدوء في هذا العام من أجل تطوير برنامجها النوويّ الصاروخيّ وأجهزة تخصيب اليورانيوم، ووضعها تحت الجبال لتكون أكثر أمانًا، ولإبعادها عن الاستهدافات والتفجيرات". ويضيف عبد الرحمن أنه "منذ عام 2002 وإيران تبحث عن القنبلة النووية، لذلك الآن ما نشهده من خلافات بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران المتعلقة بتخصيب اليورانيوم وإنتاج القنبلة النووية، تؤكد جدّية المشروع الإيرانيّ الاستراتيجيّ بصنع القنبلة النووية، واليوم السلاح النوويّ أصبح أكثر إلحاحًا بالنسبة لإيران، لذلك هي تتحمل العقوبات الغربية القاسية جدًا على اقتصادها ونظامها، والتي تقاومها بسبب مشروعها الاستراتيجيّ وهو إنتاج القنبلة النووية". وبحسب وجدان هناك أمور عدة تدفع إيران للحصول على سلاح نووي منها: بعد نهاية الحرب الإيرانية - العراقية كانت إيران تعتقد أنّ العراق هو خصمها، لكن الآن هناك أعداء أكثر خطورة، ومنهم العدو الداخلي، أي الشعب الإيراني، الذي يعيش حالة "طلاق تام" مع النظام الإيراني، لذلك الداخل هو أكبر خطر على النظام. النقطة الأخرى هي أنّ التطور الاقتصادي لخصوم إيران سواء من الدول العربية أم إسرائيل، يدفعها لأن تمتلك هذا السلاح الرادع. الخلافات الإيرانية الغربية وخوف النظام الإيرانيّ على وجوده، تجعله بحاجة لامتلاك السلاح النووي. بدوره، يشرح المتخصص في الشأن الإيراني د. عامر السبايلة، أنه "منذ فرض العقوبات عليها، شعرت إيران بتحرر من الالتزام تجاه الملف النووي، وقامت بزيادة تخصيب اليورانيوم، النظام الإيرانيّ تقوده إدارة صقور متشددة، ويزداد تشددًا، وستسعى إلى المناورة للحصول على أكبر وقت ممكن من أجل إنتاج القنبلة. ورغم إبقاء خطوط التواصل ومفاوضات حول الاتفاق النووي، إلا أنّ التطورات كانت سلبية". ويرى سبايلة أنّ "إيران هدفها الأساسيّ إنتاج القنبلة، لذا هي تتحمل كل الضغط المفروض عليها في هذه المرحلة، للوصول إلى ما تريد، ومن ثم تغيير معادلة التفاهمات والمفاوضات مع الولايات المتحدة".كيف أثرت حرب غزة على الاتفاق؟ من جهة أخرى، تباينت الآراء والتحليلات حول ضلوع إيران في هجوم 7 أكتوبر، لكن على المستوى الرسميّ الإيراني، نفت طهران أيّ معلومات تحدثت عن تخطيطها للهجوم مع "حماس"، ولدعم هذا الموقف الرسمي، قال المرشد الإيرانيّ علي خامنئي موجّهًا كلامه إلى قادة حركة "حماس" إيران لن تقاتل بالنيابة عنكم. لكن أرجع البعض هجوم 7 أكتوبر إلى إيران بالمقام الأول، التي أرادت من خلاله تنفيذ أجنداتها بالمنطقة. ويدعم وجدان هذا الرأي بقوله حرب غزة هي لصالح إيران، وإيران هي المدبر الأساسي لهذه الحرب، والتي استغلته لصالحها في أمرين:إفشال مشروع خط الحرير الذي ينطلق من الهند إلى دول عربية ويمر بإسرائيل، وهذا مشروع يُخرج إيران من المعادلة التجارية.إيران تريد إشغال العالم بحروب بعيدة عنها لتتفرغ إلى مشروعها النووي.على النقيض من ذلك، يبيّن السبايلة أنّ "إيران تسعى بكل جهد إلى الوصول إلى قنبلة نووية، لأنّ الأحداث الراهنة تجري على عكس ما تريده طهران، سواء استهداف "حماس" في غزة، أم بالضغط على لبنان وسوريا ووكلائها في العراق، و"الحوثيّين" في اليمن، حيث إنّ إيران تجد نفسها في مرحلة حسم ومواجهات تهدف إلى تقطيع أيادي إيران في المنطقة، ما يدفعها إلى تسريع إنتاج سلاحها النووي". الانتخابات الأميركية سترسم مستقبل الاتفاق يظهر الديمقراطيون صبرًا تجاه إيران أكثر من الجمهوريّين، ويميلون إلى احتواء إيران أكثر من استفزازها، وهو ما أكدته سياسية الرؤساء الأميركيّين الديمقراطيّين تجاه الملف النوويّ الإيراني. إذ قام الرئيس الأسبق الديمقراطي باراك أوباما بإبرام الاتفاق مع إيران عام 2015، ليخرج منه بعد ذلك الجمهوريّ دونالد ترامب، ليعود من جديد الديمقراطيون إلى البيت الأبيض، الذين عادوا إلى طاولة المفاوضات مع إيران مرة أخرى. لذا فإنّ مستقبل أيّ اتفاق نووي، يرتبط بشكل مباشر بالرئيس الأميركيّ المنتخب العام القادم، الذي سيحدد كيف ستتعامل بلاده مع الملف النوويّ الإيراني. في هذا الصدد، يلفت السبايلة إلى أنّ "الانتخابات الرئاسية سيكون لها دور كبير في هذا السياق، حيث إنّ نجاح الجمهوريّين سيكون سلبيًا على إيران، كما أنّ وجود الديمقراطيّين منذ عام 2020 لم يشكل عاملًا إيجابيًا بالنسبة لهم، وتشترك الإدارتان بفكرة مفادها أنّ إيران لا يمكن التعويل عليها بأن تكون شريكًا واضحًا وملتزمًا في الملف النووي، خصوصا أنّ إيران لديها الكثير من الملفات التي تريد إعادة ترتيبها عبر بوابة الملف النووي". فيما يبيّن المحلل الإيرانيّ عبد الرحمن أنه "في حال فوز الجمهوريّين في البيت الأبيض، فهم بكل تأكيد سيخرجون من الاتفاق النووي، وعلى الرغم من عدم الوصول إلى أيّ اتفاق مع إيران، إلا أنّ وصول الجمهوريّّين سيلغي ما تبقى من الاتفاقية. إيران كانت أذكر بكثير من الولايات المتحدة الأميركية، واستفادت من أخطاء الدول العربية، مثل عملية مفاعل "تموز" في العراق التي تركزت في منطقة واحدة، وكذلك المفاعل السوريّ في دير الزور، حيث عملت إيران على إيجاد نقاط ومراكز متنوعة لمنشآتها النووية، بحيث لا يتمّ استهدافها جميعها، لذلك يصعب على واشنطن استهداف المنشآت النووية الإيرانية بسبب تعدّد أماكنها".(المشهد)