بعد نحو 5 أسابيع من الحرب الإسرائيلية في غزة، خرجت تحذيرات أممية من مغبّة مواجهة أزمة جوع ومجاعة في القطاع، نتيجة النقص الحادّ في الموادّ الغذائية.وحذّرت الأمم المتحدة الأسبوع الماضي من "مجاعة واسعة النطاق لا مفرّ منها تقريبًا" في غزة، خصوصًا في شمال القطاع المحاصر، حيث أصبحت المجاعة "وشيكة" في ظل عدم وصول المساعدات الإنسانية. وإزاء هذا الوضع، عمد الأردن إلى انتهاج سياسة الإنزالات الجوية فوق قطاع غزة، والتي جرت بواسطة طائرات شحن عسكرية تحتوي على موادّ غذائية وطبية ومستلزمات صحية لسكّان غزة. وكان الأردن أول من حاول تنفيذ إنزال جوّي فوق غزة، حيث قامت قواته المسلّحة في 6 نوفمبر، بتسليم إمدادات طبية وإمدادات طارئة إلى المستشفى الميدانيّ الأردني، وهي الأولى من بين مهام عدة من هذا القبيل. وتلى ذلك، إنزالات جوية عدة خلال الأشهر التالية، حيث انضمت مصر والإمارات وفرنسا والبحرين وعُمان وألمانيا، في جهد جديد لإسقاط المساعدات مباشرة للمدنيّين. وقامت الولايات المتحدة السبت بإسقاط المساعدات فوق غزة، بعد أن منح الرئيس الأميركيّ جو بايدن الجمعة، الإذن بإسقاط الموادّ الإغاثية جوًا. وقال بايدن مؤخرًا إنّ واشنطن "ستصرّ أيضًا على أن تقوم إسرائيل بتسهيل المزيد من الشاحنات والمزيد من الطرق لتزويد المزيد والمزيد من الأشخاص بالمساعدة التي يحتاجون إليها". وأضاف: "لا توجد أعذار، لأنّ الحقيقة هي أنّ المساعدات المتدفقة إلى غزة ليست كافية على الإطلاق". وتابع قائلًا: "لن نقف مكتوفي الأيدي، ولن نتوقف، ونحاول بذل كل ما في وسعنا للحصول على المزيد من المساعدة". اختراق لمرحلة مأزومة ومن هنا، قال المحلل الاستراتيجيّ والعسكريّ اللواء طيّار متقاعد مأمون أبو نوار، إنّ الإنزالات الجوية التي بدأها الأردن فوق قطاع غزة، تُعدّ بمثابة اختراق كامل للوضع المتأزم في المنطقة. واعتبر أبو نوار في حديثه لمنصة "المشهد"، أنّ المملكة كما كانت في وقت ما، المحطة الرئيسية ورأس الحرب في عمليات التحالف الدوليّ ضد تنظيم "داعش"، فإنّ عمّان ترى أنّ أيّ إنزال جوّي أو برّي أو بحريّ لإيصال المساعدات لسكّان غزة، هو بالنهاية أمر مفيد لأهالي القطاع. وأضاف، "برأيي أنّ الخطوة التي اتخذها الأردن كانت قرارًا شجاعًا، والمشاركة العربية تحديدًا في الإنزالات، هي خطوة محمودة ومفيدة من أجل وضع الحجر الأساس لوقف الحرب". واعتبر أنّ الإنزالات الجوية، معمول بها في كثير من بقاع الأرض التي تشهد حروبًا، خصوصًا في حرب روسيا وأوكرانيا. وقال أبو نوار إنه على الرغم من القطيعة الدبلوماسية الكاملة بين الأردن وإسرائيل بعد أيام من بداية العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، إلا أنّ الحروب لا تمنع من مدّ يد العون خصوصًا الغذاء لأهالي القطاع. وأشاد الخبير العسكريّ بالالتحام العربيّ مع المملكة في ما يخص الإنزالات الجوية التي جاءت في وقتها، خصوصًا أنّ تقارير أممية وشهادات على الأرض، أفادت بتعرّض الغزّيين لحرب جوع وغذاء. وشدد على أنّ الأردن والدول العربية، لم ينتظروا قرارًا من مجلس الأمن من أجل إيصال المساعدات الغذائية إلى غزة، وأنّ الخطوة جاءت بـ"دافع إنساني" فوق القوانين الدولية."خطوط ساخنة" وقال أبو نوار إنّ العاهل الأردنيّ أكد مرارًا أنّ الأولوية هي إنقاذ سكّان غزة من المجاعة، معتبرًا أنّ هذه الخطوة ستغيّر مواقف دول أخرى، وهذا ما رأيناه مؤخرًا في الإنزالات التي نفّذتها الولايات المتحدة، والتي تُعتبر أكبر داعم لإسرائيل في الحرب. وأضاف أبو نوار أنه في الحروب، هناك "خطوط ساخنة" بين الدول، أي أنه إذا كانت هناك قطيعة سياسية بين دولتين خلال الصراعات، فإنّ هناك خطوطًا بأطراف ثالثة تبقى مفعّلة لأغراض أخرى، والتي منها حماية السكان من الجوع، أو اتخاذ إجراءات وقائية على سبيل المثال، وهذا ما رأيناه في أوكرانيا. وأشار إلى أنّ "العالم يقوم بتدخلات إنسانية خلال الحروب"، من أجل فكّ الحصار ومن أجل "حلحلة" أزمات الغذاء والصحة. مساعدات عبر البرّ والبحر وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، يتم تنسيق عمليات الإنزال على المستشفيات مع جهات الاتصال الموجودة على الأرض، والتي تُعرف أنها تتوقع وصول الطرود الكبيرة الموجهة بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، والتي تحتوي على المعدات الطبية والأدوية والموادّ الغذائية. فيما تصل عمليات الإنزال الجوّي للمدنيّين بشكل مفاجئ، حيث يتم تعبئة الصناديق بشكل أصغر للوصول إلى عدد أكبر من المدنيّين، فيما يمكن لطائرة C-130 أن تحمل 16 صندوقًا. وقال أبو نوار إنّ "حلحلة" الوضع الإنسانيّ في قطاع غزة، بدأ عبر الجو، نظرًا لقيام إسرائيل بوضع عراقيل حول إدخال المساعدات من معبر رفح المصري. وأشار إلى أنّ الولايات المتحدة أكدت مؤخرًا أنها تدرس إمكانية إنشاء ممر بحريّ إلى غزة لإدخال المساعدات والمواد الإغاثية، معتبرًا أنّ كل ذلك سيسهم في تخفيف الأزمة التي يعيشها السكّان هناك. نهاية غير معلومة وشدد أبو نوار على أنّ هذه الجسور، تأتي في الوقت الذي "لا أحد يعرف فيه متى تنتهي الحرب، خصوصًا أنّ التوقعات تشير كلها إلى أنها يمكن أن تمتد لأسابيع أو شهور أخرى مقبلة". إلا أنه لفت إلى أنّ إسرائيل لن تتمكن من هزيمة "حماس"، كما أنّ الحركة الفلسطينية المسلّحة لن تكون قادرة على هزيمة إسرائيل بالمعنى الحربيّ الفعلي. وأكد أنّ الهُدن الإنسانية، لا حلول سياسية لها، وهي فقط لشراء الوقت فقط، وليست خطوات رئيسية لإنهاء الحرب. وقال أبو نوار، إنّ "كسر الحصار المفروض على غزة هو أول خطوة لوقف إطلاق للنار بشكل مستدام"، خصوصًا في ما يحمله من ضغط على إسرائيل. وأكد أبو نوار أنّ الحروب غير النظامية التي تكون بين جيش نظاميّ وحركات تحرّرية على سبيل المثال، "يصعب استقراء نهاياتها، على الرغم من المؤشرات الأولية التي تطوف حولها في ما يخصّ الهُدن المؤقتة".(المشهد)