لم تمل ولم تكل الدولة المصرية في بذل أقصى ما لديها لإيجاد حل عاجل وناجع لوقف الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، فمع بدء هذه الحرب التي انطلقت بعد عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر، عمدت القاهرة على تكثيف جهودها مع الأطراف الفاعلة داخل المنطقة وخارجها لإيجاد مخرج يعمل على وقف نزيف الدم الفلسطيني، وحماية المدنيين العزل من براثن تلك الحرب.الجهود المصرية تمثلت في العديد الاتصالات والمقابلات المكثفة التي أجراها كبار المسؤولين داخل الدولة وفي مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الشركاء الدوليين للتباحث حول وضع حد للعمليات العسكرية داخل الأراضي الفلسطينية حتى لا تتفاقم الأوضاع أكثر من ذلك، ولا يستطيع أحد السيطرة على تبعات هذا الصراع الذي قد يمتد ليس فقط داخل المنطقة، وإنما في العالم بأسره.وامتدت هذه الجهود في إقامة مؤتمر القاهرة الدولي للسلام الذي عقد في الـ21 من الشهر الماضي بمشاركة إقليمية ودولية واسعة ووصولاً إلى مشاركة الرئيس المصري في القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض أمس السبت.ملف التهجيروفي خضم كل هذه الجهود المبذولة تؤكد مصر دوماً على أنها لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب أطراف أخرى في إشارة منها إلى الرفض القاطع لقضية التهجير، وهذا ما أكد عليه السيسي مراراً وتكراراً في أكثر من مناسبة، واعتبر ذلك الأمر بمثابة تصفية للقضية الفلسطينية برمتهاورغم الموقف المصري الواضح والقاطع تجاه قضية التهجير إلا أنه وعلى ما يبدو أن الجانب الإسرائيلي، بحسب خبراء، لن يهدأ له بال حتى يحقق مسعاه في تهجير سكان غزة تجاه سيناء المصرية، فبحسب كثيرين فإن إسرائيل ستعمد إلى حيل عديدة من أجل تحقيق هذا الهدف ومن بين هذه الحيل "الممرات الآمنة".وبحسب مراقبين مصريين تحدثوا لمنصة "المشهد" فإن اتجاه الجانب الإسرائيلي نحو إنشاء ممرات آمنة بذريعة خروج الفلسطينيين من شمال غزة إلى جنوبها أمر يثير القلق داخل مصر، ويحمل في طياته الكثير من الشكوك حول طبيعة الهدف منه.يقول الدكتور محمود حسين رئيس مركز سعود زايد للدراسات السياسية إن بلاده "لم تدخر جهداً منذ الأيام الأولى للحرب في تقديم يد العون للأشقاء داخل قطاع غزة سواء أكان عبر مسارات دبلوماسية أم إغاثية، وحرصت القاهرة على فتح معبر رفح البري المتاخم للحدود الفلسطينية لتوفير المساعدات الإنسانية من أغذية وأدوية، ونجحت فعليا بإدخال الكثير من قوافل تلك المساعدات في ظل أوضاع عسكرية صعبة للغاية، وعجز أممي ودولي غير مسبوق في حماية هذه القوافل من القصف الإسرائيلي".تعمد تدمير البنى التحتية في غزةوكشف حسين في حديثه لمنصة "المشهد" أن إسرائيل "تتعمد توسيع رقعة الصراع داخل قطاع غزة، وتعمل على تدمير البنية التحتية والخدمية بأنواعها كافة وذلك ظهر جلياً مؤخراً في الحملة الإسرائيلية الممنهجة على القطاع الصحي داخل غزة من خلال الاستهداف المباشر لكافة المستشفيات ومحيطها وقطع كل أشكال الدعم اللازم لها سواء من خلال قطع الكهرباء والماء أو منع وصول المساعدات الطبية والصحية اللازمة، ومنع تزويد تلك المشافي بالوقود، كل هذا يتم من أجل خلق عدم وجود أي صورة من صورة الحياة المعيشية هناك، ومن ثم يعلن الجانب الإسرائيلي عن إقامة ممرات إنسانية آمنة للغزيين الناجين من الحرب، ويدعونهم إلى الاتجاه صوب الجنوب وبالتالي تقع الإشكالية التي تخاف منها مصر".ويرى حسين أن البداية الحقيقية للشروع في تنفيذ مخطط التهجير هو "إنشاء ممرات آمنة تحت مسمى الوضع الإنساني، فإسرائيل تسعى في هذا التوقيت إلى مطالبة السكان في غزة بالاتجاه نحو الجنوب من أجل الهروب من أماكن العمليات العسكرية خصوصا في شمال القطاع والذي يشهد معارك ضارية بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، وبالتالي سيتحرك الآلاف من الفلسطينيين للنجاة بأنفسهم من تلك الحرب والنزوح صوب الجنوب الذي يشهد هدوءًا نسبياً، لكن هذا الهدوء لن يدوم كثيراً فمع اضطراب الأوضاع في هذه المنطقة وخلق صراع جديد بداخلها فلن يكون أمام هؤلاء المدنيين سبيلاً سوى الانتقال إلى شبه جزيرة سيناء المصرية الملاصقة تماماً لجنوب غزة، وبذلك تنجح إسرائيل في تنفيذ مخططها".مصر لن تسمح بعبور اللاجئينوبدوره أكد وكيل الشؤون الإفريقية والعربية بنقابة الصحفيين في مصر أيمن تامر أن بلاده "أدركت مبكراً قضية التهجير لذا سارعت بالإعلان الواضح أمام العالم أجمع برفضها القاطع لنزوح الفلسطينيين إلى أراضيها ووضعت الجميع أمام مسؤولياته في هذا الصدد لأنه يخالف كافة القوانين والأعراف الدولية"، مشيراً في ذات الوقت إلى أن "القاهرة تعي جيداً كافة المخططات التي تحاك بشكل مستمر لتمرير خطة التهجير وتقف لها بالمرصاد، ولن تسمح بعبور اللاجئين النازحين من القطاع بأي طريقة كانت، حتى لو كانت تحت دعوى فتح الممرات الآمنة".ويشير عامر لـ"المشهد" إلى أن "شروع الجانب الإسرائيلي في إنشاء ممرات آمنة لنزوح السكان لا يعد حلاً للأزمة المتفاقمة، التي تزداد سوءًا يومًا بعد يوم بل يجب حلحلة هذه الأزمة داخل الأراضي الفلسطينية نفسها من خلال فتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات الإنسانية والطبية اللازمة في كل مكان داخل غزة، وليس تكثيف القصف على بناياتهم السكنية وإجبارهم على ترك منازلهم وتشريدهم من أجل إفراغ القطاع من قاطنيه، وتنفيذ مخطط التهجير"، وأوضح أنه "حتى مع وجود ممرات آمنة من أجل انتقال المدنيين في قطاع غزة إلى داخل الأراضي الفلسطينية نفسها هو أمر غير مرحب به من قبل مصر لأن في ذلك مخالفة للقانون الإنساني الدولي".من جهته، يقول الدكتور أحمد مهران مدير مركز القاهرة للدراسات القانونية لـ"المشهد" إن لجوء إسرائيل لإنشاء ما يطلق عليه ممرات آمنة "لإجبار السكان في غزة إلى النزوح يعد تهجيرًا قسريًا لهؤلاء السكان، وذلك يعد مخالفة جسيمة لقواعد القانون الدولي الإنساني، وسيعرض حياة أكثر من مليون مواطن فلسطيني وأسرهم لمخاطر البقاء في العراء دون مأوى في مواجهة ظروف إنسانية وأمنية خطيرة وقاسية".وبحسب مهران فإن التهجير القسري "يعد ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراض معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلًا عنها، ويكون التهجير القسري إما مباشرًا أي ترحيل السكان من مناطق سكناهم بالقوة أو غير مباشر عن طريق دفع الناس إلى الرحيل والهجرة باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد">ملاحقة إسرائيل دولياويوضح مدير مركز القاهرة للدراسات القانونية إلى أنه "نظرًا لما تشكله جريمة التهجير القسري من خطورة كبيرة على البشرية فقد عمل المجتمع الدولي للتصدي لها من خلال المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة كل من يسعى إلى هذا التهجير ومن ثم يجب محاسبة إسرائيل وملاحقتها دوليًا في هذا الصدد">وكانت مصر قد أعلنت بشكل واضح رفضها القاطع لأي محاولة لتمرير تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى شبه جزيرة سيناء الملاصقة مع الحدود الفلسطينية، لكن مخاوف القاهرة من تنفيذ هذا المخطط قد ظهر جليًا خلال الأيام القليلة الماضية في ظل الحديث عن إنشاء ممرات آمنة لسكان قطاع غزة ومطالبتهم من قبل إسرائيل بالاتجاه نحو الجنوب، وهو الأمر الذي اعتبره الكثيرون داخل مصر بأنه يعد أولى خطوات تهجير الغزيين إلى سيناء.(المشهد)