يبدو أن العلاقات المصرية الإسرائيلية تمر بفجوة عميقة وفي أكثر منعطفاتها توترا منذ التوقيع على اتفاقية السلام عام 1978، وساهم في تأجيج هذا التوتر، الحرب على غزة التي دخلت شهرها الخامس.هذا التوتر تجلى بشكل واضح في الرسائل المتضادة والمتبادلة بين الجانبين، والتي كان آخرها اتهام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إسرائيل، بعرقلة وصول المساعدات إلى غزة، وذلك رداً على تحميل إسرائيل القاهرة مسؤولية منع دخول المساعدات إلى قطاع غزة خلال النظر بقضية "الإبادة الجماعية" التي أقامتها جنوب إفريقيا ضد تل أبيب أمام محكمة العدل الدولية، بالإضافة إلى تقارير إسرائيلية أشارت إلى رفض الرئاسة المصرية طلباً بتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو مع السيسي هاتفياً.ووفقاً لتقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن العلاقات المصرية الإسرائيلية، بدأت تنتقل من حالة التوتر إلى حالة أقرب للانهيار، حيث كشف التقرير أن إسرائيل دفعت مصر في الأسابيع الأخيرة، لقبول عملية عسكرية لتأمين السيطرة على "محور فيلادلفيا" على الحدود مع مصر، واتهمتها بالفشل في منع "حماس" من تهريب الأسلحة إلى القطاع.حتى إن الصحيفة الأميركية ذكرت أن كبار مسؤولي المخابرات والأمن المصريين، دعوا إلى عقد اجتماع في اليوم نفسه لمناقشة سحب السفير المصري من إسرائيل ردا على تلك التعليقات.من الوساطة إلى قلب الأزمةهذه التطورات المتسارعة التي تُخيّم على العلاقات بين مصر وإسرائيل، أثارت تساؤلات عدة حول مستقبل العلاقات بين البلدين.وفي هذا الصدد يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير عبد الله الأشعل في حديثه لمنصة "المشهد" إن العلاقات بين مصر وإسرائيل، لم تكن حميمية في يوم من الأيام، بل هي علاقة عادية فحسب، لكنها تأثرت بشكل واضح عقب اندلاع الحرب في قطاع غزة، مشيراً إلى أن مصر انتقلت الآن من دور "الوساطة" بين طرفي الصراع إلى دولة معنيّة بالأزمة وباتت جزء منها.وحول أسباب احتقان العلاقات المصرية الإسرائيلية، أوضح الأشعل أن أبرزها يتمثل في الآتي:الادعاءات الإسرائيلية حول مسؤولية مصر عن عدم دخول المساعدات إلى قطاع غزة، على الرغم من أن مصر بذلت قصارى جهدها منذ بداية الصراع، لإدخال تلك المساعدات لسكان القطاع، وقامت بتنظيم زيارات لمسؤولين دوليين وأمميين للاطلاع على حقيقة الموقف في معبر رفح الحدودي.إصرار إسرائيل على تهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية، والتي سبق وتكررت خلال السنوات السابقة، إلا أن حدتها زادت في ظل الحرب الإسرائيلية الدائرة الآن، لكن هذا الأمر قوبل برفض مصري صارم على المستويات كافة، وأكد الرئيس السيسي أن بلاده لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، في إشارة منه لرفض تمرير التهجير.الرغبة الإسرائيلية في السيطرة على محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وهو شريط حدودي بطول 14 كيلومتراً بين غزة ومصر، ويعدّ منطقة عازلة بموجب "اتفاقية كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل، حيث أبلغت تل أبيب القاهرة عزمها دخول منطقة رفح ومحور فيلادلفيا جنوبي غزة، لكنها لن تبقى في المنطقة بشكل دائم، وهو الأمر الذي أثار غضب المسؤولين في مصر، ومعارضة ذلك بشكل شديد.لماذا رفض السيسي التحدث مع نتانياهو؟وفي خضم تصاعد التوتر الذي بات معلناً للجميع بين القاهرة وتل أبيب، فقد ذكرت القناة "13" العبرية بأن مكتب نتانياهو حاول مؤخرا تنسيق اتصال له مع السيسي، ولكن تم رفضه من قبل الرئاسة المصرية. وتعليقا على ذلك، وصف خبير العلاقات الدولية محمد زكريا هذا الرفض "بالطبيعي"، والذي يأتي تماشياً مع المواقف الإسرائيلية غير المتجاوبة مع الجهود المصرية المبذولة نحو حلحلة الصراع الدائر، والتي تدفع باتجاه تعقيد الأزمة وتصعيدها.وأشار زكريا في حديثه مع "المشهد" إلى أن الجانب الإسرائيلي في بعض الأحيان، يلقي اللوم على مصر ويوجه إليها الاتهامات الباطلة، كاشفا عن أن رفض السيسي مكالمة نتانياهو، يعكس ما وصلت إليه الأمور من توتر بالغ بين الدولتين.ويضيف "كما أن هذا الرفض فوت الفرصة على الأخير للحديث عن تفاهمات مع مصر بشأن الإجراءات الاسرائيلية، وهو ما كان يرغب في توظيفه لدي المجتمع الإسرائيلي الداخلي، وإلى محاولة تشويه علاقة القاهرة مع الشعب الفلسطيني".وحول كيفية التواصل بين مصر وإسرائيل خصوصا في ضوء رفض السيسي اتصال نتانياهو، أوضح زكريا أن هناك قنوات اتصال عديدة لا تزال قائمة بين الدولتين ولم تنقطع، وفي مقدمتها الاتصالات الأمنية والدبلوماسية، وفي حال رغبة إسرائيل في إيصال أي شيء لمصر عليها التوجه صوب هاتين القناتين.وعن "السيناريوهات الأسوأ" التي يمكن أن تحدث بين الجانبين يقول السفير عبد الله الأشعل لـ"المشهد" إنها قد تتمثل في سحب السفراء وقطع العلاقات، إلا أنه في الوقت ذاته استبعد هذا الأمر، نظراً لأن الجانبين على يقين بأن بقاء الوضع الدبلوماسي مهم للتواصل من أجل العمل على حلحلة الكثير من الأمور.وكانت مصر قد وقعت اتفاقية سلام أُطلق عليها "كامب ديفيد" عام 1978 عقب انتهاء حرب السادس من أكتوبر التي جرت بين الجانبين عام 1973، لكن وكما يرى الأشعل فإن هذه الاتفاقية باتت مهددة بشكل لا عوج فيه، بسبب الطريقة التي تنتهجها إسرائيل في الوقت الحالي، والتي أصبحت تمثل انتهاكاً لهذه الاتفاقية التي تشمل بنوداً تنص على احترام كل طرف اعتبارات الأمن القومي للطرف الآخر.وأكد الأشعل أنه ليس ضرورياً أن تتعرض الحدود المصرية لاضطرابات بطريقة مباشرة من جانب إسرائيل، لكن يُمكن أن يكون ذلك بصورة غير مباشرة عن طريق دفع الأمور نحو التأزم على تلك الحدود.مصر لا ترغب في التصعيدومنذ اتساع وتيرة العنف بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وتلعب مصر دورا هاماً في رأب الصدع الحاصل، وحذّرت مصر من خطورة استمرار الحرب الإسرائيلية، وطالبت بوقف شامل لإطلاق النار، كما انخرطت في وساطة بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، لوقف القتال وتبادل الأسرى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، لذا يرى خبير العلاقات الدولية محمد زكريا أن مصر لا تزال تتحلى بضبط النفس والتريث في رد فعلها تجاه الاستفزازات الإسرائيلية، ويضيف زكريا أن ذلك "من أجل الاستمرار في لعب دور حيوي وفعال في تلك الأزمة، ورغبة منها في إدخال المساعدات بكافة أشكالها إلى غزة، ومواصلة جهود الوساطة لوقف هذه الحرب، رغم الضغوط والتحديات التي تواجه المسؤولين في مصر".تجدر الإشارة إلى أن العلاقات المصرية الإسرائيلية تشهد توترات متباينة، عقب اندلاع الحرب الدائرة رحاها في قطاع غزة، لكن هذه التوترات تتجه بشكل تصاعدي خلال الأيام القليلة الماضية، في ظل سعي الجيش الإسرائيلي السيطرة على محور "فيلادلفيا" المتاخم للحدود المصرية، والذي ترى القاهرة أن هذا الأمر يمثل تهديدا خطيراً على أمنها القومي. (القاهرة - المشهد)