تمكن آلاف الفلسطينيّين من البقاء والصمود شمالي قطاع غزّة، رغم الخطر وانعدام المقومات الحياتية والحصار الإسرائيلي المطبق، مدركين حجم المكيدة التي تُبيّتها إسرائيل لفصل الشمال منذ إنشاء محور "نتساريم"، من أجل تهجيرهم وإعادة عمليات الاستيطان والضم على لسان ساستها وقادتها، والتي تستحوذ على الخارطة السياسية بإسرائيل.ونشطت خلال الحرب جماعات استيطانية متطرفة لإحياء الاستيطان داخل قطاع غزة، عبر تنظيم الندوات والفعاليات لتحقيق الغاية المنشودة، وروجت معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية للخطة، ومنحت قادة المستوطنين الفرصة لتحويل الفكرة إلى حقيقة، وتحت عنوان "نستعد للاستيطان في غزة مع نواة الاستيطان" ينظم حزب الليكود الذي يتزعمه رئيس الوزراء نتانياهو بمشاركة وزراء وأعضاء في الكنيست الإسرائيلي، وبعض الناشطين في الائتلاف الحكومي، مؤتمراً لتشجيع الاستيطان في غزة وغلافها، كخطوة عملية قطعت شوطاً متقدماً بدعم الحكومة والجمهور. ومنذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، ظهرت عدة تصريحات لمسؤولين إسرائيليين ومقاطع للجنود ألمحت بتهويد القطاع وإغراقه بالاستيطان بعيد تهجير سكانه، حيث يشتغل اليمين الإسرائيلي عمليات الجيش الإسرائيلي وتحركاته الذي شق الشوارع وأقام القواعد العسكرية، ويسيطر على مساحات شاسعة في شمال غزة وعدة مناطق فيها، يتناغم هذا مع نتائج استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، والتي تفيد بأن أغلبية الجمهور اليهودي تؤيد الاستيطان في قطاع غزة، فما هي الخطة الإسرائيلية الاستيطانية المرتقبة في شمال قطاع غزة؟ ومدى نجاعتها؟ وهل السجال الإسرائيلي بخصوصها سيتمكن من إجهاضها؟إعادة الاستيطان في شمال غزة للتعرف أكثر حول تفاصيل الخطة الإسرائيلية للاستيطان في شمالي غزة، التي أعدتها الحكومة، وأثارت جدلاً واسعاً حول المرحلة المقبلة المتعلقة بالحرب على قطاع غزة، أوضح لمنصة "المشهد" المتتبع للشأن الإسرائيلي الباحث والمحلل أمير مخّول قائلاً "خطة الاستيطان في شمال قطاع غزة تأتي ضمن تطهير عرقي كامل وشامل من الشمال لغاية وادي غزة، عبر منع النازحين من العودة، وطرد السكان الذين بقوا، أو إبادتهم حسب الخطة الحكومية، ومخطط تعزيز الاستيطان ظهر في شهر يناير من العام الحالي، حين قام الليكود بتأكيد دعمه ومساندته لمؤتمر الاستيطان الذي بادرت إليه الصهيونية الدينية التي اعتبرت الاستيطان شرعي جداً". وكشف الباحث في الشأن الإسرائيلي مخّول أنه "بات من الواضح بأن الخطة في غزة احتلال طويل الأمد، والاستيطان جزء منه مع إجماع تام، حيث لا توجد حكومة في إسرائيل لم تدعم الاستيطان، منذ العام 67 لليوم، بالنسبة لغزة لن تكون المشكلة ديمغرافية لأنه لا يوجد حضور للفلسطينيين في شمال غزة، والأمور اختلفت فالحل بات عسكرياً وليس سياسياً". وحول شكل المخطط الاستيطاني الإسرائيلي في شمال قطاع غزة، يرى مخّول أن "عربة الاستيطان قائمة في شمال قطاع غزة لغاية محور نتساريم، وستكون يهودية بامتياز، وليس أقلية يهودية أو مجموعات مستوطنين في قلب الوجود الفلسطيني السكاني، وستكون جزءًا من توسيع ميناء أسدود والمنشآت الكبيرة ليكون شمال قطاع غزة جزءًا من متروبولين أسدود"."هيمنة الصهيونية" الدينية فيما يتعلق بالإستراتيجيات الميدانية لإعادة الاستيطان في شمال غزة، نوه الأكاديمي والمحلل السياسي سليمان بشارات، لمنصة "المشهد" إلى أن عودة الاستيطان إلى قطاع غزة "حلم يراود الصهيونية الدينية وليس وليد اللحظة" للعوامل الآتية:نتانياهو كان يعارض الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة عام 2005.الصهيونية الدينية تتربع على عرش السياسة الإسرائيلية وتقودها تنطلق من قاعدة أن الاستيطان يوفر الأمن للإسرائيليين.باعتقادهم الديني والتوراتي، الأرض الفلسطينية يجب أن تكون خالصة لليهود بشكل كامل، عبر الاستيطان لتثبيت هويتهم.غرس الاستيطان في قطاع غزة لتبقى حالة الحاجة لاستمرار نهجه وحكومته وعدم سقوطها.ويعتقد بشارات أن الحالة الصوتية الإسرائيلية المعارضة للاستيطان في شمال قطاع غزة غير مسموعة، خصوصًا فيما يتعلق بتصريحات زعيم معسكر الدولة غانتس، والوزير المستقيل من مجلس الحرب آيزنكوت، لأنّ "كلاهما أصبحا خارج القدرة التأثيرية على قرارات سياسية داخل إسرائيل، وكل الانتقادات والتصريحات التي تصدر منهما ضد نتانياهو والصهيونية الدينية، لن تؤثر كثيراً على مستقبل الحالة السياسية والميدانية والاستيطانية في قطاع غزة".وقال "من يسيطر على القرار الإسرائيلي ليست التيارات العلمانية واليسارية والمعارضين وإنما الصهيونية الدينية، وبالتالي الخلافات الإسرائيلية لا تتعدى اختلاف وجهات نظر، ولن تؤثر على جوهر المشروع الاستيطاني ومواصلته".ولا يستبعد الخبير والمحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور، لمنصة "المشهد" نجاح مساعي الحكومة الإسرائيلية بعودة وتعزيز الاستيطان في شمال قطع غزة.وقال غانور "هناك نوايا خفية من قبل بعض العناصر بالحكومة اليمينية المتطرفة، خصوصًا أحزاب بن غفير وسموتريتش وفئات معينة داخل الليكود، التي كانت تريد إعادة الاستيطان الإسرائيلي في قطاع غزة، وهذا الموضوع يفتقد للتقبل من قبل المجتمع الإسرائيلي، خصوصًا بعد القرار الإسرائيلي قبل 18 عاماً بالانسحاب أحادي الجانب من هناك، فليس هناك مطامع إسرائيلية في قطاع غزة لكن تلك الفئة القليلة من المتطرفين تسيطر على سدة الحكم". وأكد المحلل السياسي أن "اليمين المتطرف الإسرائيلي يستغل الأعياد اليهودية والمواسم الدينية والعواطف الملتهبة خصوصًا في ضوء الهجوم المفاجيء الذي شنته "حماس" قبل عام على إسرائيل، لتمرير سياسته، فيما تقلصت الثقة المتبادلة بين أنصار السلام الإسرائيليين والحكومة الماضية في مشاريعها، وأعتقد بأن الضغوط الدولية خاصة من قبل واشنطن على إسرائيل، ستكون السد المنيع لإحباط هذا المشروع". وأشار غانور إلى أن السجال الإسرائيلي ما زال قائماً رفضاً لعودة الاستيطان للقطاع، وكذلك لمؤتمر الليكود الاستيطاني الذي سيقام الأسبوع المقبل لتشجيع البناء الاستيطاني في غزة وغلافها "هذه الفعاليات والنشاطات من شأنها أن تهدد أمن إسرائيل وتضر بها أكثر فأكثر، فالأجدر بالحكومة التركيز على عودة المخطوفين واسترجاعهم بدلاً من الاستيطان، الذي يندرج في قائمة النصر المنشود الذي تنشده الحكومة بدلاً من أولويات يحتاجها كل إسرائيلي في هذه الحرب". (المشهد )