صفحة جديدة على ما يبدو تفتحها مصر أمام عودة التائبين ممن كانوا متهمين بارتكاب أعمال إرهابية خلال السنوات الماضية التي أعقبت ثورتي 25 يناير في عام 2011، و30 يونيو عام 2014، سواء من أعضاء جماعة "الإخوان" المحظورة داخل مصر بحكم قضائي، أو من قاموا بتهديد أمن وسلامة البلاد في تلك الحقبة الزمنية من عمر الوطن.ذلك ظهر جلياً في القرار الذي اتخذته محكمة الجنايات المصرية برفع أسماء 716 شخصاً من قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين دفعة واحدة، بناءً على تفاعل النيابة العامة في مصر، مع توجيه رئاسي صدر عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بشأن التعاطي الإيجابي مع من تثبت صحة توبته وابتعاده عن النشاط الإرهابي، وفتح صفحة جديدة لهم للانخراط في المجتمع، كما كلفت النيابة العامة الجهات الأمنية، بإجراء تحريات للوقوف على مدى استمرار نشاط كافة المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين، تمهيدًا لرفع كل من يثبت وقف نشاطه من تلك القوائم.وضمت قائمة المستبعدين العديد من الأشخاص الموجودين خارج مصر من قيادات جماعة "الإخوان"، مثل يوسف ندا ووجدي غنيم والوزير الأسبق يحيى حامد والقيادي الإخواني أمير بسام، والعديد من الأشخاص المتوفين مثل عبد الله نجل الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي، والداعية الإسلامي يوسف القرضاوي، وقيادات الجماعة السيد نزيلي والسيد عسكر ومسعود السبحي، ورجل الأعمال علي فهمي طلبة.مناخ مستقرقرار محكمة الجنايات الذي استبعد وللمرة الأولى مئات من المدرجين على قوائم الإرهاب، بناء على ما ظهر من مراجعة لمواقفهم القانونية ومتابعة لأنشطتهم، وصفه وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري الدكتور أيمن أبو العلا في تصريحات خاصة لمنصة "المشهد" بـ"الخطوة المهمة" في هذا التوقيت من عمر الوطن، والتي تأتي لتحقيق التوازن بين متطلبات الأمن القومي للدولة المصرية، وبين احترام حقوق المواطنين بداخلها.وأكد أبو العلا أنها تعد بمثابة تطبيق عملي لمتطلبات الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التي أطلقت عام 2021، وتهدف إلى النهوض بكافة حقوق الإنسان في مصر، من خلال تعزيز احترام وحماية كافة الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.وشدد أبو العلا على أهمية احتضان من ثبت ابتعادهم عن النشاط الإرهابي والفكر المتطرف داخل مصر، ولم تلوث أيديهم بدماء المصريين، واقتصار التعامل القانوني مع مرتكبي العمليات الإرهابية ممن أدينوا في ساحات القضاء فقط، وهو الأمر الذي يساهم في وجود نسيج وطني متلاحم مع بعضه بعضا، ويعمل على تهيئة مناخ مستقر يدعم العدالة الاجتماعية ويساعد على دمج الأفراد داخل المجتمع وهو أمر مطلوب في هذه الفترة.وتستعد مصر في هذه الفترة للمراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان المقرر عقدها أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف يناير 2025، لذلك طالب وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري باستغلال قرار استبعاد مئات المدرجين على قوائم الإرهاب لصالح الدولة المصرية في هذا الملف، واصفاً القرار بأنه يعد إحدى الدعائم القوية في المراجعة الشاملة لحقوق الإنسان، مبيناً في الوقت نفسه أن بلاده خطت خطوات إيجابية نحو تعزيز ملف حقوق الإنسان داخل الدولة والتي كان من أبرزها الآتي:إلغاء قانون الطوارئ في مصر.الإفراج عن أعداد كبيرة من المحبوسين على ذمة قضايا من خلال لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها مؤخراً.استبعاد أشخاص من المدرجين على القوائم والكيانات الإرهابية.إنشاء مراكز إصلاح وتأهيل تعمل على الارتقاء بالسجناء واحترام آدميتهم، حتى يكونوا صالحين في المجتمع عقب قضاء العقوبة الخاصة بهم.مكتسبات قرار الاستبعادويقضي قانون أقرّته السلطات المصرية في عام 2015 بفرض عقوبات على الأشخاص المدرجين على قوائم الإرهاب، تشمل وضعهم على قوائم ترقب الوصول، ومصادرة جوازات سفرهم وتجميد أصولهم المالية.وقال الخبير القانوني خالد فؤاد، إن قرار الاستبعاد من القوائم الإرهابية، يترتب عليه أن يكون لكل مستبعد حقوقه الكاملة دون انتقاص سواء في المال، أو السفر، أو الانتقال، أو الترشح، أو التصويت، وبالتالي فإنه يعود مواطناً طبيعياً كغيره من عموم المواطنين المصريين له حقوق وواجبات كفلها الدستور له.وذكر فؤاد في تصريحات لمنصة "المشهد" أن المستبعد غير المدرج على قائمة الإرهابيين بسبب قضايا أخرى يحق لها الآتي:رفع اسمه من قوائم المنع من السفر وترقب الوصول، وبالتالي يمكن للمستبعد غير المدرج على القائمة في قضية أخرى أن يعود لمصر.إعادة جواز السفر حال سحبه، وتمكين الأشخاص المرفوعين من إصدار جواز سفر جديد أو تجديده.انتهاء تجميد الأموال أو الأصول الأخرى المملوكة للشخص، سواء بالكامل أو في صورة حصة في ملكية مشتركة، والعائدات المتولدة منها، أو التي يتحكم فيها بشكل مباشر أو غير مباشر، والأموال أو الأصول الأخرى الخاصة بالأشخاص والكيانات التي تعمل من خلاله.لكن الخبير القانوني كشف أن المدرجين على قائمة الإرهابيين على ذمة قضايا أخرى، سواء بمناسبة إجراء التحقيقات أو بموجب صدور حكم قضائي بات بالإدانة، لن يتمتعوا بالآثار الإيجابية المترتبة على رفع الاسم من القائمة.المصالحة غير واردةويرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية ماهر فرغلي، أن الحكومة المصرية لا ترغب مطلقاً في البحث عن الانتقام من أي شخص أو كيان، بل إن القانون هو الذي يحكم في القضايا المختلفة، مدللاً وجهة نظره تلك بقرار محكمة الجنايات باستبعاد مئات الأشخاص من قوائم الإرهاب، والذي يضم العديد من الشخصيات الإخوانية، لكنه أشار إلى أن الشخصيات التي شملها قرار الاستبعاد تعد أكثر اعتدالاً من المجموعات الإخوانية الأخرى.ويعتقد فرغلي أن الدولة رغبت من خلال هذا القرار أن تعطي لهؤلاء الأشخاص الذين شملهم قرار الاستبعاد فرصة لمراجعة أنفسهم وأخذ قرارات جريئة من التنظيم، عبر مراجعة مواقفهم خلال العشرة أعوام الأخيرة على الأقل، وطي صفحة الماضي وفتح أخرى جديدة يتم من خلالها إدماجهم مرة أخرى داخل المجتمع وهو أمر مهم للغاية، مبيناً أن مصر قادرة على هذا الأمر وتملك تجارب سابقة في التسعينات وما قبلها، واستطاعت بالفعل أن تقضي على العديد من الجماعات من خلال عملية الدمج ودعم التيارات المعتدلة على التيارات المتشددة.وتوقع الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أن تقابل جماعة "الإخوان" هذه الخطوة بخطوات أخرى، ولعل من أهمها إعلانها التوقف عن العمل السياسي لسنوات محددة أو عدم الصراع على السلطة.وفيما يخص إمكانية حدوث مصالحة بين الدولة المصرية وجماعة "الإخوان" المسلمين من عدمها، استبعد فرغلي حدوث هذا الأمر نهائياً، وأكد على أن فكرة وجود تفاوض بين النظام والجماعة غير مقبول وغير وارد، لكنه أشار إلى إمكانية إدماج الجماعة داخل المجتمع في حال اعتراف أعضائها بأخطائهم.وتجدر الإشارة إلى أن محكمة الجنايات في مصر اتخذت قراراً أمس الأحد، برفع مئات من قوائم الكيانات الإرهابية بناء على توصية النيابة العامة في مصر. مع توجيه رئاسي صدر عن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بشأن التعاطي الإيجابي مع من تثبت صحة توبته وابتعاده عن النشاط الإرهابي وفتح صفحة جديدة لهم للانخراط في المجتمع. (المشهد - القاهرة)