تستعد تركيا لانتخابات البلدية المقررة في 31 مارس المقبل، كمنافسة جديدة يخوضها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ضد المعارضة التي تسيطر على أهم البلديات في البلاد.تأتي الانتخابات المحلية بعد أشهر من فوز إردوغان بولاية جديدة لـ5 سنوات قادمة، في وقت لا تقل فيه هذه الانتخابات أهمية عند إردوغان عن الانتخابات السابقة التي خاضها بظروف تنافسية قوية مع مرشح المعارضة حينها كمال كليجدار أوغلو.وقال إردوغان خلال مؤتمر الإعلان عن بعض مرشحي رؤساء البلديات عن حزب العدالة والتنمية، إنهم سيعملون على إنهاء "فترة خلو العرش" بإسطنبول في انتخابات 31 مارس 2024، وستحصل على مرادها". وأضاف إردوغان "إسطنبول لا يمكنها أن تتحمل الضياع 5 سنوات أخرى"، في إشارة إلى فترة رئاسة أكرم إمام أوغلو للبلدية الكبرى. أهمية بلدية إسطنبول تشكل بلدية إسطنبول أهميةً كبيرة لكل من المعارضة والحكومة التركية، في وقت تُعتبر فيه هذه المدينة العاصمة الاقتصادية والسياحية لتركيا، مشكلةً خُمس القوة الاقتصادية في البلاد، وأشار إردوغان إلى أهمية إسطنبول بالقول "من يفوز في إسطنبول يفوز بتركيا". ولعل شعار الحزب الحاكم لانتخابات البلدية المقبلة (العدالة والتنمية مجددًا.. إسطنبول مجددًا)، خير دليل على أهمية هذه البلدية. يعيش في إسطنبول حوالي 16 مليون تركي، وتُقسّم بين قارتي أوروبا وآسيا، وتعبر مجمعا كبيرا لعددا من الأعراق والأديان والأعراف المختلفة. يقول المحلل السياسي والمتخصص في الشأن التركي فراس رضوان أوغلو في حديث إلى منصة "المشهد" إن "إسطنبول هي البلدية الأكبر والأكثر ثقلا ووزنا، الائتلاف الحاكم يريد تثبيت أقدامه بالفوز الكبير بالانتخابات الرئاسية في مايو الماضي. في المقابل، تريد المعارضة المحافظة على سيطرتها على إسطنبول".من فاز بإسطنبول فاز بتركيا؟وحول ما إذا كانت مقولة من فاز بإسطنبول فاز بتركيا قد بطل مفعولها بعد خسارة المعارضة للانتخابات الرئاسية، يقول رضوان أوغلو إن "هذه المقولة لم يبطل مفعولها، حيث إن رئيس بلدية إسطنبول الحالي أكرم إمام أوغلو مرشح بشكل كبير على أن يكون رئيسا لتركيا في المستقبل. إذا فاز إمام أوغلو هذه المرة ببلدية إسطنبول، فستكون حظوظه قوية جدا في رئاسة تركيا مستقبلا". على النقيض من ذلك يقول المحلل والمتخصص في الملف التركي محمود علوش في تصريح إلى منصة "المشهد" إنه "هناك مبالغة في توظيف هذه المقولة، والتي لا يمكن أن تنطبق بالضرورة على أي شخصية غير إردوغان. لكن لا يوجد شك أن إسطنبول تلعب دورا كبيرا في ديناميكيات السياسة الداخلية التركية". ويشرح علوش أن "انتخابات إسطنبول تجذب الاهتمام الداخلي بقدر أكبر من الولايات الأخرى، وذلك بسبب الثقل الديمغرافي والاقتصادي للمدينة وتأثيرها القوي في ديناميكية السياسة الداخلية". ومن هذا المنطلق فإن "المنافسة على رئاسة البلدية الكبرى فيها تكتسب بُعدا سياسيا كبيرا يتجاوز في الواقع طبيعة الانتخابات المحلية". ويتابع علوش "المعركة الانتخابية فيها عادة ما تكتسب أهمية بارزة في السياسة الداخلية. ليس فقط بسبب الثقل الديمغرافي والاقتصادي لها، بل أيضاً بسبب أنها أولى محطات الرئيس رجب طيب إردوغان في الحياة السياسية".مقارنة بين مرشحي المعارضة والحكومة مراد كوروم رشح التحالف الحاكم بقيادة العدالة والتنمية مراد كوروم لرئاسة بلدية إسطنبول، ولا شك أن الاختيار كان مدروسا جدا، مع الأخذ بعين الاعتبار نقاط الضعف التي كانت بمرشح الحزب للانتخابات الماضية (رئيس الوزراء التركي الأسبق ورئيس البرلمان السابق بن علي يلدرم). يعتبر اختصاص كوروم في مجال "التحول الحضري" والذي يعد من أهم الاختصاصات في مواجهة خطر الزلازل عامل القوة الأبرز الذي اعتمد عليه إردوغان، حيث إن المساكن التي أشرف كوروم على بنائها، خرج معظم من كان يقطن بها حياً حين وقع زلزال فبراير. خصوصا في ظل التوقعات التي تتحدث عن أن زلزالا قويا لا يقل شدة عن زلزال فبراير، سيضرب إسطنبول في السنوات المقبلة. كوروم من مواليد 1976، ولد في حي تشانكايا بالعاصمة أنقرة. حاصل على درجة الماجستير في مجال التحول الحضري. شغل منصب مدير فرع تطبيق الجانب الأوروبي من إسطنبول في "توكي" بين عامي 2006 و2009. شغل منصب مدير عام وعضو مجلس الإدارة في شركة "إملاك كونوت" عامي 2009 إلى 2018.تولى كوروم بعد ذلك منصب وزير البيئة والتخطيط العمراني وتغير المناخ في الحكومة التركية بين عامي 2018- 2023. تم انتخابه نائباً في البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية في إسطنبول في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. أكرم إمام أوغلو ولد في 1971 في ولاية طرابزون شرقي تركيا. تخرج في قسم الهندسة المدنية بجامعة شرق البحر المتوسط في "شمال قبرص التركية". حاصل أيضا على إجازة في إدارة الأعمال من جامعة إسطنبول. في 2009، عُين رئيسا لمنطقة بيليك دوزو في حزب الشعب الجمهوري. ترشح إمام أوغلو مرتان لرئاسة بلدية إسطنبول، أول مرة كانت في 2017، بعد أن أعلن رئيس بلدية إسطنبول قادر طوباش استقالته. وثاني مرة كانت في عام 2019، واستطاع حينها الفوز برئاسة بلدية إسطنبول. بعد فوز إمام أوغلو، قررت الهيئة العليا للانتخابات إعادة الانتخابات إسطنبول، لكن فاز إمام أوغلو مرة ثانية في جولة الإعادة، وبذلك أصبح أول رئيس بلدية معارض لإردوغان في إسطنبول منذ العام 1994. صدر حكم قضائي بحقه بالسجن عامين ونصف العام تقريبا بتهمة إهانة أعضاء الهيئة العليا للانتخابات على خلفية قرار الأخيرة بإعادة الانتخابات المحلية في إسطنبول عام 2022.نقاط الضعف والقوة يمتلك كل من مرشحي المعارضة والتحالف الحاكم عددا من نقاط الضعف والقوة. يرى المحلل علوش أن "لدى مرشح التحالف الحاكم نقطة قوة في مجال التحول العمراني، بالإضافة إلى صغر سنه، وبالتالي يمكنه أن يستقطب فئة الناخبين الشباب، علاوة على أنه ليس من النخبة السياسية التي تتصدر المشهد، فهو رجل تكنوقراط إلى حد كبير". أما نقطة قوة إمام أوغلو والتي تمثل ضعفا لمرشح التحالف الحاكم وفقا لعلوش تكمن في أن "إمام أوغلو خلال رئاسته البلدية استطاع أن يبني حيثية سياسية كبيرة، بالإضافة إلى أن من يكون في رئاسة البلدية لديه فرص أكبر في الفوز من الشخص القادم من خارج البلدية". في حين أن نقاط ضعف أوغلو برأي علوش تكمن في "التحالفات الحزبية التي تؤثر على الانتخابات، ففي الوقت الذي يخوض العدالة والتنمية الانتخابات ضمن تحالف حاكم على غرار التحالف الذي فاز برئاسة البلاد، نجد أن حزب الشعب الجمهوري يواجه معضلة كبيرة في مسألة التحالفات. وبذلك ملامح التحالفات الحزبية في تركيا تساعد العدالة والتنمية في تعزيز فرصه للفوز بالانتخابات، بقدر أكبر من المعارضة".ويعتقد رضوان أوغلو أن "مرشح المعارضة لا يزال قويا، الناخب التركي يريد توازنا سياسيا بين كل من المعارضة والحكومة. نقطة ضعف العدالة والتنمية تكمن في الفترة الطويلة التي حكم فيها، في وقت قد يريد فيه المواطن التركي التغيير". أما ضعف المعارضة يكمن في أن إنجازاتها لا تقارن بإنجازات الائتلاف الحاكم، بحسب رضوان أوغلو، الذي يشير إلى أن "لدى العدالة والتنمية مخطط توازن، القائم على الفوز بعدد من عدد كبير من البلديات في حال خسارة بلدية إسطنبول". المعارضة تسيطر على إسطنبول فازت المعارضة التركية عام 2019 في بلدية إسطنبول، ساحبة إياها من أيدي العدالة والتنمية التي سيطر عليها لعقود. ساعد المعارضة التي كان قائدها آنذاك كمال كليجدار أوغلو عددا من العوامل، لعل أبرزها اختبار أكرم إمام أوغلو مرشحا لرئاسة البلدية، المعروف بشعبيته وقبوله من جزء كبير من الشعب التركي، وبالتحديد فئة الشباب.في المقابل، رشح العدالة والتنمية حينها رئيس الوزراء السابق ورئيس البرلمان السابق بن علي يلدرم، الذي اُعتبر ضعيفا أمام مرشح المعارضة. ولعل العامل الأهم أيضا في قدرة المعارضة على الفوز ببلدية إسطنبول هو دعم الأحزاب المعارضة جميعها بما فيهم الحزب الجيد وحزب السعادة للمرشح ذاته (إمام أوغلو). لكن اليوم، تغير المشهد العام في تركيا، خصوصا على مستوى تحالف المعارضة، فبعد أن فشلت الطاولة السداسية التي تم تشكيلها لمواجهة إردوغان في الانتخابات الرئاسية، قرر ثاني أكبر حزب في المعارضة (حزب الجيد) خوض الانتخابات بمرشحيه، معلنا عدم دعمه لمرشحي الحزب المعارض الأكبر (الحزب الجمهوري). ليس ذلك فحسب، بل أن الأحزاب الأخرى باتت على خلاف علني مع الحزب الجمهوري، خصوصا بعد عدم قدرته على الفوز بالانتخابات الرئاسية.(المشهد)