حرارة مرتفعة، وآبار ضحلة وجافة بعدما كانت تفيض ماء زلالا وعذبا، هذا حال مختلف القرى والبوادي المغربية التي تُعاني من موجة جفاف غير مسبوقة بسبب شح التساقطات المطرية التي أثّرت بشكل كبير على مستويات المياه الجوفية وينابيع المياه التقليدية ومستويات ملء السدود بالبلاد."صرنا اليوم نبحث عن قطرة الماء فلا نجدها، بل نقطع عشرات الكيلومترات، وننتظر دورنا لساعات طوال، بحثا عما يمكننا من إغاثة أطفالنا وسد حاجياتنا"، يقول هشام (38 عاما)، وهو من سكان منطقة تيسة القروية بإقليم تاونات شمالي المغرب، حيث تراجعت مستويات المياه الجوفية، وجفت المنابع التي يعتمد عليها القرويون في الحصول على الماء.معاناة يومية يعشيها هشام وكثير من المغاربة الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة الجفاف وسندان العطش في بحثهم عن قطرة ماء بمختلف قرى وبوادي المغرب، فيما يبدو خيار الهجرة صوب المدن الحل الوحيد أمام العديد من سكان المناطق الريفية بعدما ضاقت بهم سبل العيش تحت قسوة طبيعة أصبحت جافة وأرض صارت مقفرة.معاناة واحدةممتطيا دوابه المحملة بقنينات لجلب المياه الصالحة للشرب من آبار تقع في مناطق بعيدة عن مقر سكنه، يضطر هشام إلى السفر لما يزيد عن 20 كيلومترا في ظل انقطاع صبيب صنبور المياه الوحيد الذي يؤمن تزويد (الدوار) "تجمع سكني قروي" بالماء وجفاف جل الآبار التقليدية بالمنطقة. لا تختلف معاناة هشام عن مواطنه "رشيد" الذي يقطن بمنطقة مجاورة، حيث يضطر بدوره إلى قطع مسافة طويلة مرتين في اليوم لتأمين حاجيات أسرته من مياه الشرب، فيما اضطره الجفاف وغياب الكلأ وارتفاع أسعار الأعلاف إلى بيع قطعان ماشيته بعدما لم يجد سبيلا في الاحتفاظ بها. يقول رشيد (43 سنة) في تصريح لمنصة المشهد: "لم نعش جفافا كهذا من قبل، فقد كانت منابع المياه تظل متوفرة على مدار العام رغم قلة التساقطات، ولا حل لنا اليوم سوى مغادرة القرية باتجاه المدينة لنتقي شر الجفاف، وشح مصادر إكسير الحياة". ويطلب كل من هشام ورشيد السلطات بالتدخل لإيجاد حل لمشكلة الجفاف ندرة مياه الشرب بالمنطقة التي يقطنون بها، خاصة وأن فصل الصيف بدأت تباشيره تظهر منذ الآن، وقد يزداد الأمر تعقيدا في ظل اشتداد موجة الحر خلال الشهر المقبلة. وذكرت مؤسسة الأرصاد الجوية المغربية أن المعدل الموسمي لدرجات الحرارة المتعارف عليه، ارتفع هذه السنة بنسبة كبيرة ليصل إلى ما بين 5 و12 درجة مقارنة مع السنوات الماضية، وهو ما ينذر بصيف شديد الحرارة بالمغرب الذي يعاني من توالي سنوات الجفاف ونقص مخزونات المياه.إجراءات مُشددةوتؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة نسبة تبخر مياه السدود التي يعتمدها المغرب في تزويد كبريات المدن بالماء الصالح للشرب، كما تعتمد السلطات المغربية على محطات تحلية مياه البحر لضمان استمرار التزود بالماء وتوجيه قسط منه إلى سقي المناطق الفلاحية، خصوصا على مستوى منطقة سوس التي تعرف بسلة المغرب الغذائية. وتتجه السلطات إلى اتخاذ إجراءات مشددة فيما يتعلق بالتزود بالمياه خلال فصل الصيف الذي يعرف استهلاكا مضاعفا لهذه المادة الحيوية، ويبقى تخفيض صبيب المياه الموجهة للاستعمال اليومي أحد الحلول الواردة في ظل عدم وجود بدائل مستدامة، كما تم اتخاذ قرارات تقضي بإغلاق محلات غسل وتنظيف السيارات وتحويل مصدر سقي الساحات الخضراء إلى المياه المعاد استعمالها. وتتنوع مصادر الحصول على المياه في مختلف المناطق المغربية، حيث تعتمد المناطق القروية على السدود والبحيرات والوديان ومياه الآبار الجوفية والعيون، فيما تعتمد المدن الكبرى والساحلية بدورها على مياه السدود والمياه المعاد معالجتها وكذا مياه البحر التي تتم تحليتها. وشرع المغرب في بناء محطات ضخمة لتحلية مياه البحر إضافة إلى تحويل مجاري بعض الوديان والسدود، في ظل التنبؤات السلبية بتوالي ظاهرة الجفاف خلال السنوات المقبلة، كإجراء احترازي لتفادي شبح العطش.(الرباط - المشهد)