وصف الدكتور جيمس لنزي، النائب الأول لرئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركيّ بواشنطن، ومدير الدراسات، وأستاذ كرسي موريس غرينبيرغ بالمجلس، العام الجديد 2024، بأنه "أمّ أعوام الانتخابات"، حيث تشهد عشرات الدول التي يصل تعداد سكانها مجتمعة إلى أكثر من 4 مليارات نسمة، أي نحو نصف سكان الكرة الأرضية، انتخابات على مدار العام. ويعتقد لنزي أنّ هناك 10 دول من المقرر أن تُجري انتخابات في 2024 تستحق المتابعة والتركيز عليها. في ما يلي أبرز الدول التي ستشهد انتخابات في عام 2024: إندونيسيا: الانتخابات العامة في 14 فبراير يرى لنزي أنّ إجراء الانتخابات في إندونيسيا يعدّ إنجازًا لوجستيًا ضخمًا، تحت أيّ ظروف، ويضيف أنّ إجراء انتخابات في يوم واحد ببلد عدد سكانه 275 مليون نسمة، يعيشون في 17 ألف جزيرة، أمر صعب أن يتخيّله أحد. ويحظر الدستور على رئيس إندونيسيا الحالي جوكو ويدودو الترشح لولاية ثالثة. وهناك 3 مرشحين رئيسيّين لخلافته: برابوو سوبيانتو، وجانجار برانوو، وأنيس باسويدان. ويعدّ برابوو المرشح الأوفر حظًا، وهو فريق متقاعد من الجيش وكان صهر ديكتاتور إندونيسيا سوهارتو، وجرى تسريحه من الخدمة على نحو غير مشرّف عقب الإطاحة بسوهارتو في عام 1998، كما أنه مُنِعَ من دخول أميركا لمدة عقدين على خلفية انتهاكات حقوقية، وهذه هي المرة الثالثة التي يترشح فيها للرئاسة، بعدما خسر في جولتَين أمام جوكوي، ويشغل منصب وزير الدفاع منذ عام 2019. وفي نوع من التلاعب الانتخابي، اختار برابوو نجل جوكوي الأكبر ليكون مرشحه لمنصب نائب الرئيس. أما المرشح الثاني، جانجار، فقد كان لفترتين حاكمًا لجاوا الوسطى، ثالث أكبر مقاطعة إندونيسية من حيث عدد السكان، وهو مرشح حزب جوكوي. وحقق جانجار نجاحًا في جهوده لتحسين البنية التحتية بالمقاطعة، غير أنه أثار غضب الناخبين في وقت سابق هذا العام، عندما عارض السماح لإسرائيل بالمشاركة في نهائيات كأس العالم لكرة القدم للشباب تحت عام 2020، في جاوة الوسطى. وكلف القرار إندونيسيا دورها كمضيف للبطولة، حيث سحب منها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" حقّ الاستضافة. وأما المرشح الثالث، أنيس، حاكم العاصمة جاكرتا، فقد تلقى تعليمه في أميركا، حيث نال درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة شمال إلينوي، ثم أصبح رئيسًا لجامعة إسلامية في بلاده ويحظى بشعبية لدى الجماعات الإسلامية. ومن المقرر إجراء جولة إعادة بين المرشحين اللذين يحصلان على أعلى الأصوات، حال لم ينل أيّ مرشح 50% من الأصوات في 14 فبراير. الهند: الانتخابات الوطنية في أبريل - مايو تحفل الانتخابات الوطنية الهندية بعجائب الديمقراطية، حيث يبلغ تعداد سكان البلاد 1.4 مليار نسمة، يتحدثون أكثر من 100 لغة، وهم يستخدمون صناديق الاقتراع، وليس السلاح أو امتياز الأسرة الحاكمة، لتحديد من يحكم البلاد. ومن المقرر أن ينتخب الهنود في العام الجديد أعضاء البرلمان الوطني "لوك سابها" الـ18. ثم يقوم الحزب، أو الائتلاف صاحب الأغلبية في لوك سابها باختيار رئيس الوزراء. وثمة احتمال جيد بفوز رئيس الوزراء الحالي، ناريندرا مودي وحزبه بهاراتيا جاناتا، بالانتخابات للمرة الـ3 على التوالي، ومن ثم تجنّب الحاجة إلى الدخول في ائتلاف من أجل الحكم. وفاز بهاراتيا جاناتا بالانتخابات في 3 ولايات هندية في وقت سابق الشهر الجاري، أي أنّ رسالة الحزب لا تزال تلقى صدًى لدى الناخبين. وتُظهر استطلاعات الرأي أنّ نحو 8 من بين كل 10 هنود يوافقون على أداء مودي في منصبه، وهي نسبة يتمنى أيّ رئيس دولة ديمقراطيّ الحصول عليها. ويقول لنزي إنّ نجاح مودي يعكس عوامل كثيرة. وعلى الجانب الإيجابي، سجل معدل نمو الاقتصاد الهنديّ 7%، وهو ما يعني زيادة الدخل في أنحاء البلاد وتعزيز الشعور بأنّ المستقبل سيكون أفضل. ويعتقد لنزي أنّ الهيمنة الانتخابية المتواصلة من قبل حزب بهاراتيا جاناتا، قد تكون مفيدة، ولكنها ربما تعني مزيدًا من تآكل الديمقراطية في الهند.المكسيك: الانتخابات الرئاسية في 2 يونيو من المنتظر أن تشهد المكسيك تولّي أول امرأة مقاليد الرئاسة في البلاد، في الانتخابات المقررة في يونيو المقبل. ولا يحقّ للرئيس الحالي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور (أملو) الترشح لولاية جديدة، بحسب الدستور، حتى لو كانت نسبة التأييد له 66%، تجعل منه موضع حسد للقادة المنتخبين في أنحاء العالم. ورشح حزب مورينا الحاكم، بزعامة أملو، كلوديا شينباوم لخوض الانتخابات. وشينباوم هي عمدة مدينة مكسيكو السابقة، وحليفة قديمة لأملو، ولذلك لم يكن من المستغرب أن تتعهد بتحمّل "المسؤولية الكاملة" عن مواصلة سياسات الرئيس الحالي. أما أحزاب المعارضة الرئيسية في المكسيك، فقد تجمعت تحت راية "الجبهة الواسعة من أجل المكسيك" واختارت زوتشيتل جالفيز مرشحة لها. وجالفيز عضوة سابقة في مجلس الشيوخ عن حزب العمل الوطني (يمين الوسط). وتحظى شينباوم حاليًا بتقدم مريح في استطلاعات الرأي، وليس هناك شك في أنها استفادت من شعبية أملو. كما يمكنها الإشارة إلى العديد من النجاحات التي حققها أملو، وفي مقدمتها خفض معدل الفقر، ونموّ الاقتصاد بأكثر من 3%، وتباطؤ معدل التضخم. غير أنّ الجريمة والعنف، اللذين يرتبط معظمهما بعصابات المخدرات، لا يزالان يشكلان معضلة كبيرة. وأدى تهريب الفنتانيل عبر الحدود إلى أميركا، إلى إثارة التوترات مع واشنطن، وأثار دعوات للجيش الأميركيّ بمهاجمة عصابات التهريب. وفي الوقت نفسه، فإنّ عمليات الهجرة إلى الولايات المتحدة، والتي ينفذها أشخاص يستخدمون المكسيك كممرّ عبور، تصعّد من حدة توتر العلاقات مع الولايات المتحدة. ويقول لنزي إنه أيًا كان من سيخلف أملو في رئاسة البلاد اعتبارًا من ديسمبر 2024، المقبل، فإنه ينتظره أعمال شاقة. الاتحاد الأوروبي: انتخابات البرلمان الأوروبي في 6-9 يونيو لا ينافس البرلمان الأوروبي، أو برلمان الاتحاد الأوروبي، برلمانات الدول الأعضاء التي تتولى السلطة في بلادها، وهو المؤسسة الأضعف ضمن المؤسسات الحاكمة في التكتل. ورغم ذلك، يتمتع البرلمان بسلطة منفردة مهمة، ألا وهي أنه يملك الكلمة الفصل في اختيار الرئيس الجديد للمفوضية الأوروبية، القوة الحقيقية للاتحاد الأوروبي. ولم تفصح رئيسة المفوضية الحالية، أورسولا فون دير لاين، بعد عما إذا كانت تعتزم الترشح لولاية ثانية مدتها 5 سنوات في المنصب، من عدمه. ومن المقرر أن يختار ناخبو الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبيّ 720 برلمانيًا لولاية تمتدّ من عام 2024 وحتى عام 2029. ويزيد هذا العدد بنحو 15 عضوًا عن البرلمان الحالي. وتصوت كل دولة عضو على قائمتها الخاصة من أعضاء البرلمان الأوروبي. ويشار إلى أنّ الحدّ الأدنى للتصويت هو 16 عامًا (النمسا وألمانيا ومالطا)، رغم أنه في معظم الدول الأعضاء 18 عامًا. ويحقّ لأكثر من 400 مليون أوروبيّ المشاركة في التصويت، وهو ما يجعل انتخابات البرلمان الأوروبيّ ثاني أكبر انتخابات في العالم بعد الانتخابات الهندية. وثمة سؤال مهم للغاية يتعلق بعدد الأوروبيّين الذين سيصوتون في انتخابات يونيو المقبل. وكانت نسبة المشاركة في عام 2019 قد بلغت 51%، وهو رقم ليس مثار إعجاب بالمعايير العالمية. ومع ذلك، فقد شكل ذلك أكبر نسبة مشاركة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية منذ ربع قرن. والسؤال الآخر المثار هو ما إذا كان الساسة الشعبويون سيحصلون على موطئ قدم أكبر في البرلمان الأوروبي، كما حدث مؤخرًا في بعض الانتخابات العامة بدول أعضاء. وقد بدأ حزب الشعب الأوروبي، الذي ظل المهيمن داخل البرلمان الأوروبيّ لمدة ربع قرن، في التحول صوب اليمين. روسيا: الانتخابات الرئاسية في 17 مارس يرى النائب الأول لرئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي بواشنطن الدكتور جيمس لنزي، أنّ الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين سيحقق انتصارًا مدوّيًا في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية المقررة بالبلاد في مارس 2024، ويعني ذلك أنه سيواصل الحرب على أوكرانيا. أما أوكرانيا نفسها، فيبدو أنها واحدة من الدول التي لن تشهد انتخابات وطنية مقررة بالفعل، ويرجع ذلك إلى ما رآه رئيس البلاد فولوديمير زيلينسكي من أنّ الحرب مع روسيا تجعل من الصعب، إن لم يكن مستحيلًا، إجراء انتخابات.بنغلاديش: الانتخابات العامة في 7 يناير يتوقع لنزي، وهو حجة في السياسة الخارجية، والداخلية المتعلقة بها في الولايات المتحدة، أنّ أولى الانتخابات المقررة في 2024 قد تكون أكثرها إثارة للجدل. ويقول إنّ رئيسة وزراء بنغلاديش، الشيخة حسينة، هيمنت وحزب رابطة عوامي الحاكم على مقاليد السياسة في البلاد طوال 15 عامًا. وقد تسبّبا خلال تلك الفترة في تآكل الديمقراطية على نحو متزايد. وبحسب منظمة فريدوم هاوس، فإنّ حزب رابطة عوامي "نجح في تعزيز سلطته السياسية عبر التضييق المستمر على المعارضة، والذين يُعتبرون متحالفين معها، وأيضًا على وسائل الإعلام والأصوات المنتقدة من المجتمع المدني. وركز الحزب القدر الأكبر من اهتمامه على قمع حزب بنغلاديش الوطني، المعارض، الذي تشير تقديرات إلى أنّ الحكومة وجهت لنحو نصف أعضائه، الذين يبلغ عددهم نحو 5 ملايين، اتهامات بارتكاب جرائم من نوع ما. وتقبع معظم قيادات الحزب في السجن. وردّ الحزب بدعوة أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات". ويسوق الحزب الوطني منطقًا واضحًا ومباشرًا للمقاطعة، مفاده: نتيجة التصويت محسومة سلفًا، وسوف تمنحها المشاركة في التصويت الشرعية. ولطالما ضغطت أميركا على مدار أشهر على الشيخة حسينة من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة، بما في ذلك من خلال رفض منح تأشيرات لمسؤولي بنغلاديش الذين يقوّضون إجراء انتخابات ديمقراطية. غير أنّ الضغوط الأميركية لم تؤتِ ثمارها، حتى الآن. وزعمت الشيخة حسينة أنّ إدارة الرئيس الأميركيّ جو بايدن تسعى إلى إجبارها على التخلي عن السلطة. وليس من المستغرب، في ظل عداء الحكومة للمعارضة، أن يتصاعد العنف السياسيّ في بنغلاديش، بحسب الخبير الأميركيّ لينزي. ويخلص لنزي إلى أنّ انتخابات بنغلاديش تقدّم دليلًا آخر على حقيقة مفادها أنّ هناك دولًا تستطيع إجراء انتخابات، من دون أن تتبنّى بالضرورة القيم الديمقراطية. تايوان: الانتخابات الرئاسية في 13 يناير يقول لنزي إنّ المنافسة بين 3 من عمداء المدن السابقين على رئاسة تايوان، قد تؤدي إلى عواقب جيوسياسية واسعة. وبمقتضى القانون، لا يحقّ للرئيسة تساي إنغ وين، التي تكمل ولايتها الثانية حاليًا، الترشح لفترة ثالثة، والسؤال المطروح هو: من يخلفها؟ وينصبّ الرهان على لا تشينغ ته، نائب الرئيسة وزميلها في الحزب التقدمي الديمقراطي، والذي شغل في السابق منصب عمدة مدينة تاينان، رابع أكبر مدن تايوان . ويخوض المنافسة أيضًا هو يو-إيه (حزب الكومينتانغ)، وكو وين جي (مؤسس حزب شعب تايوان). وكان هو العمدة السابق لمدينة تايبيه الجديدة، في حين شغل كو منصب عمدة مدينة تايبيه المجاورة، العاصمة. وسعى حزبا الكومينتانغ، وشعب تايوان، الشهر الماضي إلى تعزيز فرصهما في حرمان لاي من الوصول للرئاسة، عبر اتفاق لخوض الانتخابات بقائمة مشتركة. ولكنّ الصفقة سرعان ما انهارت. وجاء هذا التطور الأخير ليشكّل خيبة أمل للصين، التي تنظر للحزب الديمقراطيّ التقدمي كونه تهديدًا لسياسة "صين واحدة" التي تنتهجها، رغم أنه، مثل الكومينتانغ وحزب الشعب التايواني، يعارض الدعوات الموجهة لتايوان لإعلان استقلالها. وجمّدت بكين الاتصالات الرسمية مع الحزب الديمقراطيّ التقدميّ بعد فوز تساي في عام 2016، ولم تتراجع منذ ذلك الحين. وتصاعدت حدة التوتر بين تايوان والصين بسبب رغبة الحزب التقدميّ الديمقراطيّ بناء قوات الدفاع التايوانية، وتعزيز التقارب مع أميركا. وكانت بكين مقيدة نسبيًا في تعاملها مع تايوان خلال الفترة السابقة على الانتخابات، ومن الممكن أن يتغير ذلك حال صار لاي رئيسًا للجزيرة. باكستان: الانتخابات العامة في 8 فبراير في بعض الأحيان، يتمّ تأجيل الانتخابات، وباكستان مثال على ذلك. وقد دعا رئيس وزراء البلاد الحالي شهباز شريف في أغسطس الماضي إلى حل البرلمان، ويتعين إجراء انتخابات جديدة في غضون 90 يومًا من ذلك. ولكنّ لجنة الانتخابات في باكستان أرجأت الانتخابات، إلى يناير 2024، ثم إلى فبراير، وقالت إنها بحاجة لمزيد من الوقت للإعداد للعملية. أما السبب الأكبر، أو الرئيسيّ وراء التأجيل، فإنه يكمن في أنّ باكستان غارقة في اضطرابات سياسية منذ قرابة عامين. وفي أبريل 2022، أطاح البرلمان برئيس الوزراء آنذاك عمران خان، نجم الكريكيت السابق، في تصويت بسحب الثقة. ولكنّ عمران خان لم يستجب، بل قاد احتجاجات تهدف إلى إجبار خليفته شريف على مغادرة رئاسة الحكومة، وسرعان ما وجد خان أنّ الجيش يمارس عمليات قمع بحقّ أنصاره. ويتهم الادعاء الباكستانيّ خان بتلقي رشاوى، ونفى خان ذلك، لكنه سرعان ما أدين وصدر حكم بسجنه 3 سنوات. وفي نوفمبر الماضي، اتُهم خان مجددًا بتسريب أسرار الدولة. وحظرت الحكومة على محطات التلفزة استضافته، ولكنه تحايل على هذا الحظر باستخدام الذكاء الاصطناعي، وألقى خطابًا ناريًا يحاكي صوته وشاركه مع أنصاره عبر الإنترنت. ويخلص لنزي إلى أنه أيًا كان رئيس وزراء باكستان المقبل، فإنه سيواجه ملفات عصيبة، بعدما تحاشت هذه الدولة النووية التي يبلغ عدد سكانها نحو 230 مليون نسمة، تخلّفًا كارثيًا عن سداد ديونها الخارجية في وقت سابق العام الجاري، وقد وصل معدل التضخم إلى 30%، وصار انقطاع التيار الكهربائيّ أمرًا شائعًا في أنحاء البلاد.(د ب أ)