يبدو أنّ مؤيدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمرّون بأوقات عصيبة، حيث أعلن بطلهم حقبة جديدة، ستستخدم فيها أميركا كل قوتها من دون إحراج لتأمين مصالحها، والعالم يشاهد ويتماشى، بحسب تقرير لصحيفة "إيكونوميست".غضب ترامبوبالنسبة للأعضاء البارزين في "Trumpworld"، كل ذلك ليس مفاجئًا، فالنظام العالميّ المعولم أصبح اليوم بقيادة أميركا، خصوصًا في سنوات الغطرسة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفايتي، عندما أجرى كبار المسؤولين في واشنطن استطلاعًا لعالم يبدو أنه خالٍ من المنافسين، حيث سمح الرؤساء المتعاقبون للحلفاء والشركاء التجاريين الضعفاء بالتحرر من الأمن الأميركي. أما اليوم، يشعر الجميع بغضب ترامب لصالح "أميركا أولًا". إلى ذلك، وبصفته عضوًا جمهوريًا في مجلس الشيوخ، أمضى ماركو روبيو سنوات كمدافع عن سياسة خارجية أميركية قوية. وبعد تحوله إلى "الترامبية"، أصبح الآن وزير الخارجية. وشرح روبيو عن منصبه الجديد قائلًا لنظرائه الأجانب: أعلم أنكم اعتدتم على سياسة خارجية تتصرفون فيها من أجل المصلحة الوطنية لبلدكم.نحن نتصرف نوعًا ما لصالح العالم والنظام العالمي.يقودنا اليوم شخص مختلف عن السابق. الدنمارك: " لا تستفزوا ترامب"وبحسب التقرير، طالب ترامب أميركا بشراء جزيرة غرينلاند الغنية بالمعادن من الدنمارك. وبدلًا من مواجهته، طلب الدنماركيون من القادة الأوروبيين تجنب التصريحات التي قد تستفز ترامب. وبالفعل، بدا ترامب هادئًا عندما قال للصحفيين الشهر الماضي "سنحصل على غرينلاند، وينبغي على أميركا السيطرة على الجزيرة لأن الدنمارك لا تستطيع الدفاع عن القطب الشمالي من الصين وروسيا"، مستهزئًا بخطط الدنمارك لتعزيز دفاعاتها الشمالية قائلًا: "إنها إضافة زلاجتين للكلاب".وفي الحقيقة، إذا كان ترامب يعتقد أن الحكومات الأخرى ستستسلم دون قتال، وستستسلم لنظام عالمي جديد يُصنع القوة، فإنه يخطئ في التقدير. رد فعل تكتيكيوتجنب المعارك مع ترامب هو رد فعل تكتيكي أولي من جانب الحلفاء. وعلى الرغم من أنّ المسؤولين التجاريين في الاتحاد الأوروبي أمضوا شهورًا في نمذجة تكاليف تعريفات ترامب المختلفة على صادرات الاتحاد الأوروبي وتحركاته الانتقامية، فإن طموح أوروبا الحقيقي حاليًا هو تجنب الصراع التجاري الشامل. وهذا يفسر مقترحات إرضاء ترامب من رؤساء المفوضية الأوروبية لشراء المزيد من الغاز الطبيعي الأميركي المسال، مما ينهي بشكل مثالي حاجة أوروبا إلى الغاز الروسي. ولهذا السبب، يعد العديد من أعضاء الناتو بزيادة ميزانيات الدفاع، وإنفاق تلك المليارات الإضافية على الطائرات المقاتلة الأميركية وغيرها من الأدوات باهظة الثمن. لكن إيماءات الاسترضاء والتراجع التكتيكي بشأن القضايا الصغيرة، لا يمكن أن تستمر طويلًا.خيارات صعبةوتدرك أوروبا أن الخيارات الأصعب تلوح في الأفق. ويقول مدير معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، ستيفن إيفرتس، إن "هجوم ترامب أوسع وأكثر عمقًا مما كان متوقعًا، حيث كان من المتوقع أن يأتي الهجوم على التجارة والاقتصاد، وكنا مستعدين لذلك"، مضيفًا "كانت خطة أوروبا هي التحوط من رهاناتها للحفاظ على العولمة حية، وهناك 7.5 مليار شخص ليسوا أميركيين، دعونا نتداول معهم أكثر".ومع ذلك، يختار ترامب المعارك التي تمس المصالح الأساسية لأوروبا، ككتلة تكمن قوتها في الوحدة والقواعد.وفي بروكسل، أعرب عدد مذهل من الأوروبيين عن قلقهم بشأن نزاع قانوني يضع إيلون ماسك ورؤساء التكنولوجيا الأميركيين الآخرين ضد قانون الاتحاد الأوروبي، قانون الخدمات الرقمية، الذي يتطلب من شركات التواصل الاجتماعي التحكم في المعلومات المضللة وخطاب الكراهية والمحتوى غير القانوني على منصاتها. ويحقق الأوروبيون في كيفية قيام منصة "إكس" والشركات الأخرى بمراقبة المحتوى بفرض غرامات ضخمة. ويصف ماسك، مالك منصة "إكس" تلك الرقابة بـ"الشائنة"، حتى وهو يخوض حروب الثقافة في أوروبا من خلال الترويج لليمين المتشدد والديماغوجيين المناهضين للمهاجرين على وسائل التواصل الاجتماعي. أكاذيب صارخةويصر مسؤول أوروبي على أن انتشار "الأكاذيب الصارخة" على الإنترنت، والتي روجت لها روسيا وقوى معادية أخرى للتأثير على الانتخابات، يعرض "أسلوب الحياة الأوروبي للخطر". لكن شكاوى ماسك لها أذن ترامب، و"نحن عالقون ولا يمكننا القول فقط إننا لن نطبق أحكام قانون الخدمات الرقمية"، بحسب المسؤول.وهناك غضب حقيقي من دعم ترامب للقوميين الشعبويين في أوروبا، وخصوصا رئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان. وإن تعاطف أوربان المؤيد لروسيا والمؤيد للصين يقوده بشكل روتيني إلى عرقلة سياسات الاتحاد الأوروبي الصارمة تجاه تلك القوى. وبالنسبة للأوروبيين الوسطيين، ما يجري ليس مجرد تحرك حزبي لـ"Trumpworld" لاحتضان أوربان. إنه هجوم على وحدة قارتهم وبالتالي على أمنها. وبالفعل، يحاول القادة الأوروبيون استيعاب ترامب في الوقت الحالي، كما أن حفنة من القادة الشعبويين يشاركونه آرائه وتراهن مجموعة أكبر على أنه سيصبح مشتتًا ويجد أهدافًا أخرى. ويأمل البعض في انتظاره، لكن في اللحظة التي يقنع فيها ترامب الحلفاء بأن نظامهم العالمي المفضل قد مات، ستتراجع حوافزهم. ومع عدم وجود ما تخسره، حتى الحكومات الأوروبية الصديقة ستحاول خداع ومقاومة والتحوط ضد أميركا.وفي النهاية، ترامب يحب الفوز، ولا يزال العديد من الحلفاء والمنافسين يأملون في إمكانية فشله، وقد يجد ترامب أن الانحناء لإرادته ليس بأمر سهل.(ترجمات)