بعد وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، تُواجه إيران مرحلة حساسة، يتم فيها إعادة انتخاب رئيس جديد، وترتيب "البيت الداخلي" بما يتوافق مع المرحلة المقبلة، تزامناً مع التحديات التي تواجهها الجمهورية في ظل عدائها القائم والمعلن من قِبلها مع "الغرب". وفي رسالة التعزية التي وجهها المرشد الأعلى بعد الإعلان رسميًا عن وفاة رئيسي، قال خامنئي "بحسب المادة 131 من الدستور، يتولى نائب الرئيس محمد مخبر إدارة السلطة التنفيذية ويتعين عليه الترتيب مع رئيسي السلطتين التشريعية والقضائية لانتخاب رئيس جديد خلال مدة أقصاها 50 يومًا". اليوم وبعد 21 يومًا من سقوط طائرة رئيسي، أقرّ مجلس صيانة الدستور في إيران أهلية 6 مرشحين غالبيتهم من المحافظين، لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في 28 يونيو، حسبما أعلنت وزارة الداخلية.مرشحو الانتخابات الإيرانيةوأجاز المجلس، وهو هيئة غير منتخبة يهيمن عليها المحافظون مهمتها الموافقة على المرشحين والإشراف على الانتخابات، لـ6 أشخاص من بين 80 تقدّموا بطلب خوض الانتخابات في أعقاب وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطم مروحيّة في مايو.وخلت القائمة النهائية من أسماء بارزة يتقدمها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد والرئيس السابق لمجلس الشورى علي لاريجاني، بينما ضمت مرشحًا واحدًا من التيار الإصلاحيّ هو مسعود بزشكيان. ويعدّ أحمدي نجاد من المنتقدين "الشرسين" للنظام الحاكم في إيران، وخلال فترة ولاية حسن روحاني تم نشر خطابات مسجلة عدّة لنجاد تحدث فيها عن ضرورة تغيير المسار الذي تسير فيه الجمهورية الإسلامية، حتى أن البعض رأى فيه "معارضاً" لخامئني شخصيًا. وبالإضافة إلى أنّ نجاد معروف بتوجهاته المختلفة عن رؤى وتوجهات النظام الحاكم، دائما ما يلمح نجاد إلى عدم رضاه عما يحصل في البلاد، آخرها كان خلال إعلان ترشحه لرئاسة البلاد. نجاد دخل سّّباق الانتخابات الرئاسية بشعار "حل الأزمة المعيشية"، قائلاً "رؤية الظروف المعيشية والاقتصادية للأغلبية الساحقة من الناس، الذين اخترقتهم معاناة العيش إلى عمق عظامهم، وكرامة وأمن ملايين الأشخاص المعرضة لخطر جسيم، تسلب الصبر والجَلَد من أيّ إنسان مسؤول، وتؤثر فيه عميقاً".علي لاريجاني وأحمدي نجاد في السياق، يشرح المحلل السياسي الإيراني وجدان عبد الرحمن في حديث إلى منصة "المشهد" أنّ "رفض لاريجاني وأحمدي نجاد كان متوقعاً، فعلي لاريجاني سبق وتم رفض ترشحه في الانتخابات السابقة، حتى أنه تم استبعاد شقيقه من السلطة القضائية بتهم فساد". بالنسبة لأحمدي نجاد، يلفت عبد الرحمن إلى أنّ رفضه كان متوقعا أيضًا لأنه "منذ قدومه إلى وزارة الداخلية طلبًا للترشح كان يرتدي قميصًا أبيضًا، حتى في مراسم تشييع رئيسي كان مرتديًا الأبيض بدلًا من الأسود، وفي خطابه في وزارة الداخلية أثناء تسجيل اسمه، لم يذكر المرشد الأعلى أبدا، حيث إن الخلاف بينهما قديم جديد، ويزداد تعقيدًا". ولابدّ من الإشارة إلى أنّ "الشعبوي" أحمدي نجاد كما يوصف اُستبعد عن انتخابات 2021 التي فاز بها رئيسي، كذلك استبعد عن انتخابات عام 2017، حيث تجاهل حينها توصيّة من خامنئي بأنّ "دخول المنافسة ليس في مصلحته ومصلحة البلاد". بدوره، يقول المحلل السياسيّ د.عامر السبايلة في حديث إلى منصة "المشهد" إنّ "المنافسة التي نشهدها في التيار الصقوري هي منافسة من الجيل الجديد تتوافق مع مرحلة ما بعد المرشد علي خامنئي، لاريجاني وأحمدي نجاد كانا جزءًا من مرحلة ماضية وانتهت حقبتها، وبالتالي لن يكون لهم دور في إيران الجديدة"."هيمنة صقورية" ضمت قائمة مجلس صيانة الدستور النهائية مرشحًا واحدًا من التيار الإصلاحيّ هو مسعود بزشكيان، الذي كان نائباً عن مدينة تبريز ووزيراً سابقاً للصحة. رأي بعض المراقبين أنّ اسم الإصلاحي بزشكيان يعدّ شكليًا في قائمة المرشحين المختارين، في ظل سيطرة المحافظين المتشددين على مراكز صنع القرار في البلاد، خصوصًا بعد تولي الرئيس الراحل الذي عرف بتشدده منصب الرئيس لولايتين، عمل فيهما على تكريس سيطرة الصقور على القرار في البلاد، بعدما كان سلفه حسن روحاني من الإصلاحيين.ويرى السبايلة أنّ "المناخ العام في إيران هو مناخ تشدديّ، والتيار الصقوري يزداد صقورية، وهذا يعني أننا أمام مرحلة جديدة، لن يكون فيها للإصلاحيين مكان، حتى في ظل وجود بعض الإصلاحيين شكليًا في هذه المنافسة".ولا يعتقد السبايلة وجود "ارتباط بين منصب الرئيس اليوم والمرشد، وهناك ترتيبات أخرى لموضوع خلافة المرشد، خصوصًا بعد وفاة رئيسي، الذي كان الأقرب إلى منصب المرشد، وبالتالي المشهد في إيران يعاد ترتيبه من بوابة الرئاسة، لكنها بالتأكيد في إطار التيار المتشدد". الجدير بالذكر أنّ رئيسي كان المرشح الأبرز لخلافة خامنئي، حيث يعتبر المرشد الأعلى في إيران هو الشخصيّة الأساسيّة والعليا في النظام الإيراني، وله سلطة في اتخاذ القرارات السياسية والدينية، ويشرف على القوات المسلحة والجهاز القضائي والإعلام الرسمي. في السياق، يقول عبد الرحمن إنّ "وجود مرشح من التيار الإصلاحي جاء في مرحلة حساسة جدًا بالنسبة للنظام الإيراني، في ظل العزوف عن المشاركة في الانتخابات الذي شاهدناه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة. بالإضافة إلى تهديد الإصلاحيين بمقاطعة الانتخابات إذا تم رفض مرشحيهم".الرئيس الإيراني الجديدضمت القائمة التي صدرت عن مجلس صيانة الدستور 6 شخصيات وهم: وزير الداخلية السابق مصطفى بور محمدي.سعيد جليلي الذي سبق أن تولى أمانة المجلس الأعلى للأمن القوميّ وقاد التفاوض مع القوى الكبرى بشأن الملف النوويّ.رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف.رئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني. الرئيس المحافظ المتشدّد لمؤسسة الشهداء والمحاربين القدامى أمير حسين قاضي زاده هاشمي. وزير الصحة السابق مسعود بزشكيان.وبرأي السبايلة فإنّ "إيران الجديدة تعمل على إعادة بناء نفسها عبر التيار الصقوري، ومحمد باقر قاليباف هو الأقرب إلى الرئاسة".على النقيض من ذلك يرى عبد الرحمن أنّه "بالنسبة للأصوليين فإن "سعيد جليلي أكثر حظًا من قبل التيار المتشدد سواء في السلطة أو من المواطنين". أما بالنسبة للإصلاحيين وفقًا لعبد الرحمن فإنّ "مسعود بزشكيان الأكثر حظًا من قبل الإصلاحيين، والنظام وافق على ترشحه خوفًا من مقاطعة الإصلاحيين أنفسهم والتيار الإصلاحي من الشعب". ويشير عبد الرحمن إلى أنّ "أصول مسعود مزيكيان هي تركية – أذرية والقومية الأذرية في إيران لديها نفوذ كبير في السلطة وفي الجيش ومن حيث الكثافة السكانية، وبهذا يستطيع النظام أن يجلب مشاركة الأتراك بشكل كبير، لكن يمكن أن يوازيّ ذلك مشاركة باقي القوميات دعمًا لبزشكيان باعتباره من غير القوميات الفارسية في إيران". و"نظرًا لرغبة النظام في فوز سعيد جليلي أكثر من مسعود بزشكيان، فقد نشهد تزويرًا للانتخابات، كما حدث في انتخابات سابقة"، وفقًا للمحلل السياسي الإيراني.(المشهد )