هم أطفالٌ لا يَكْبرون، يولدون كبارًا، ويموتون صغارًا، يفتحون أعينهم مُبصرين ظُلم هذه الدّنيا، ومُدركين أنّ نور دُنياهم يكمن في دنيا الحقّ.نتحدّث اليوم عن أطفال فلسطين الذين ما ذاقوا يوماً طَعم الطّفولة، هم الذين جعلوا من الحجارة سلوى ومن الملاجئ مخبأ للـ"غمّيضة" ومن أصوات القذائف "ألعاباً ناريّة". تبكي قلوبنا دماً على أطفال الغد، كم سيبقى منهم؟ ومن بقيَ، بأي وضع نفسيّ سيُواجه تلك الحياة التي قست كثيراً عليه، وما دور الأهل في حماية فلذات أكبادِهم؟"أولادُنا ليسوا بخير"السيّدة ناديا. أ - (ثلاثينية) فلسطينيّة، أمّ لأربعة أولاد، يَعيشون في فرنسا منذ 3 أعوام، رَوت بحرقة لمنصّة "المشهد"، الجحيم الذي تعيشه مع عائلتها منذ تاريخ 7 أكتوبر. وتقول: "أولادي ليسوا بخير، لين التي تبلغ 9 أعوام، تنام بشكل متقطّع، تعاني من الأرق الشّديد، هي دائمة التفكير، تسهو دائماً، تركيزها في المدرسة تراجع بشكل ملحوظ، تسأل يوميّاً الأسئلة نفسها: هل جدّتي بخير؟، هل استطعتِ الاتّصال بها، هل خالي بخير، وأولاد عمّي، هل يمكنني سماع أَصواتهم؟". وأخبرتنا ناديا بحرقة أن ابنتها "تعاني من التّبوّل اللا إرادي ليلاً، تصحو من النّوم وهي تصرخ وترتجف من الخوف، في المدرسة حدّثتني معلّمتها عن تغيير مفاجئ في سلوكها، هي التي كانت مفعمة بالحياة والنشاط وحبّ المعرفة، تنزوي خلال فرصة الظّهر، وتنطوي على نفسها (...)". وختمت: "نعيش الحرب عن بُعد، أعصابنا تلفت، نتعايش مع القلق، والخوف يوميّاً".من جهة أخرى، عبّرت هاديل ن.، (ثلاثينية) فلسطينيّة، أمّ لثلاثة أولاد، يَعيشون في ألمانيا منذ ولادتهم، عن قلقها لما وصلت إليه الحالة النفسيّة لأولادها منذ بدء الأحداث مع كلّ ما يشاهدونه على التلفزيون، قائلة لـ"المشهد": "فقد أصبح أحد أبنائي الذي يبلغ 12 عاماً، يعاني من الخوف الشديد مما يراه ويسمعه، يقلق كثيراً ولا أعلم بما يجوب في نفسه من أفكار سوداء، كفقدان أحد أو كلا والديه كما يحدث لأطفال غزة، كما أنه أصبح يخاف من الظلمة لشعوره بأنه تحت الركام. أصبحوا أكثر عصبية لما يرونه من ظلم خصوصا أنهم يعيشون في مجتمع كان من المعروف عنه أنه ديمقراطي ولكل شخص الحرية في إبداء رأيه في كل المواضيع لكن الصدمة كانت قوية عليهم حين اكتشفوا أن ما يتعلمونه في المدارس لا يُطبّق على أرض الواقع".معالجة نفسيّة: ما يعيشه الأولاد دقيق وخطيرالمعالجة النفسية في براينستايشن كلينيكس نور عيد، شرحت في حديث لمنصّة "المشهد" الحالة النفسيّة لـ"أولاد الحرب"، الذين يعيشون أحداثها عن بُعد، قائلةً: "ما يعيشه الأولاد دقيق وخطير إذ، يدخل الولد بحالة "تنبه دائمة"، يسيطر عليه القلق من الموت، من فقدان أحد أفراد عائلته أو أصدقائه، من الأحداث المتسارعة، يتساءل على عدد الثواني، ماذا لو كنت مكانهم؟، ماذا لو قُتلت أنا؟، ماذا لو فَقدت أهلي بين ليلة وضحاها؟، ماذا لو اتصلت بصديق الطّفولة ولم يُجب؟ (...).وأضافت عيد، أن "هذا القلق الدّائم، يُرهق صاحبه ويَجعله أسير الخوف من الحاضر والمُستقبل، ويُدخله في بعض الأحيان في حالات من الغضب الشّديد، ما ينتج عنه سلوكيّات عدائيّة وعصبيّة لم تكن موجودة في شخصيّته من قبل، وهذه التصرّفات قد تتحوّل إلى صراخ، وعناد، وصولاً إلى الضّرب في بعض الأحيان".وتحدّثت عيد عن آثار الصّدمة التي قد تتركها المشاهد القاسية التي يتعرّض لها الأولاد، إن كان على شاشات التلفزيون، أو على مواقع التّواصل الاجتماعي.ومن أبرز تلك الآثار، ظهور العوارض التالية بشكل فجائي: ● عدم الشّعور بالأمان والاستقرار، والخوف الدّائم.● التّبول اللاإرادي.● أحلام مُخيفة تشبه الكوابيس.● الأفكار السّوداء (الموت).● الانطوائيّة والعزلة.ورأت عيد في هذا الإطار، أنه "من الصّعب جدّاً أن يرى الولد بلده ينهار، والأماكن التي ترعرع فيها تختفي، وأشلاء الجثث في كلّ مكان، خصوصاً أن المشاهد التي تُعرض مؤذية وتقشعرّ لها الأبدان". وشدّدت على أن دور الأهل له أهمية قصوى، فهم قدوة لأولادهم وعليهم السّيطرة على ردود فعلهم أثناء مشاهدة التلفزيون أو أُثناء التحدث إلى أحد الأقارب في بلد الحرب، فالأولاد مرآة لتصرّفات الأهل، وهم يقلّدونهم بكلّ شيء، ويمتصّون مشاعرهم السّلبية".أمّا بالنسبة للحلول، فنصحت عيد الأهل، بتجنّب قضاء وقت طويل أمام شاشات التلفزيون، ومواقع التواصل الاجتماعي على هواتفهم، واختيار الوقت والمكان المناسِبَيْن، للتحدث مع أولادهم، لإطلاعهم على الحقيقة من دون غشّهم، وفق عمرهم ونضجهم وقدرة استيعابهم، الاستماع إليهم من دون أحكام، التفهّم لمشاعرهم وأحاسيسهم، استخدام كلمات سهلة لإقناعهم بأنهم ليسوا بخطر، وحضّهم على "الفضفضة" والتّعبير عن مشاعرهم من دون كبت، وتقديم الحبّ اللا مشروط لهم، ودعمهم من دون حدود.(فرنسا - المشهد)