قبل هجوم حركة "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في أزمة داخلية وسط اتهامات له بإضعاف القضاء والديمقراطية مما أثر بشدة على شعبيته، لتأتي حرب غزة لتجذب الأضواء بعيدا عن الشأن الداخلي.ويقول البروفيسور يوسي ميكيلبيرغ محلل شؤون الشرق الأوسط، في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) إنه في أعقاب هجمات 7 أكتوبر، كان الشعار الشائع في السياسة الإسرائيلية هو أن الأمور لا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه في اليوم السابق، ولا ينبغي لها أن تعود إلى ما كانت عليه. وهذا صحيح إلى حد كبير، ليس فقط من حيث العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن أيضا فيما يتعلق بالمشهد الداخلي في كلا المجتمعين.ومع ذلك، فإن المآزق الأساسية لا تزال كما هي، إلا أنها الآن أكثر حدة وتحتاج إلى حل أكثر إلحاحا. كما يجب معالجتها في سياق أكثر تحديا، في أعقاب الهجوم الذي شنته "حماس" الذي مزق إستراتيجية إسرائيل الأمنية تجاه تلك الحركة، وفي خضم أخطر أزمة سياسية ودستورية وداخلية في تاريخ إسرائيل.عدم التصويت لنتانياهوويرى ميكيلبيرغ أنه لمواجهة هذا التحدي، ستحتاج إسرائيل إلى القيام بأكثر من مجرد عدم التصويت لنتانياهو في نهاية الحرب. وسوف يكون لزاما على مجتمعها أن يخلق عمليات إعادة اصطفاف سياسي جديدة، تضم أصواتا جديدة من مختلف أنحاء المجتمع، لتجديد ديمقراطيته وإحراز تقدم حقيقي نحو حل الدولتين والسلام الطويل الأمد الذي حرم منه الإسرائيليون والفلسطينيون لفترة طويلة.وقبل 7 أكتوبر، كانت الانقسامات العميقة في إسرائيل تدور حول هجوم الحكومة على النظام الديمقراطي في البلاد، بعد تشكيل الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ البلاد في أوائل عام 2023، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.يقول ميكيلبيرغ إن نتانياهو في إطار محاولاته للبقاء في السلطة، وبالتالي الهروب من العدالة في محاكمته بالفساد، كان مستعدا لإضعاف القضاء والرضوخ لمطالب شركائه المتشددين والقوميين المتطرفين. ووضعت حكومته البلاد على طريق الاجتهاد الديني اليهودي من النسخة الأكثر أصولية والنهج الأكثر تشددا، ناهيك عن العنصرية تجاه الفلسطينيين.ونتيجة لذلك، تسارع توسع المستوطنات، وترسخت وحشية الاحتلال، وجرى غض الطرف عن عنف المستوطنين، ناهيك عن الدعم الفعلي له، بحسب ميكيلبيرغ.وكانت شعبية نتانياهو سلعة غير رائجة حتى قبل الحرب في غزة، ولكن منذ ذلك الحين كانت في حالة سقوط حر، في حين أن السكان الإسرائيليين اليهود، مع استثناءات طفيفة، يؤيدون الحرب ويقفون وراء الجيش الإسرائيلي وطريقة عمله.ولكن الغالبية العظمى لا تستطيع أن تسامح نتانياهو على إشرافه على الفشل الكارثي في الدفاعات الذي أسفر عن هجوم 7 أكتوبر خاصة كسياسي قد صور نفسه على أنه "سيد الأمان" ومن ثم المشاركة في حرب ليس فقط مع "حماس"، ولكن بشدة أقل، على الأقل حتى الآن، مع "حزب الله" في لبنان. وقد أدى ذلك إلى إخلاء شمال إسرائيل قسرا، مما يترك الإسرائيليين في أكثر حالة من عدم الأمان منذ تأسيس الدولة. والآن تواجه البلاد محاكمة أمام المحكمة الدولية، متهمة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في غزة.وفي الوقت نفسه، منذ أكثر من 100 يوم من بدء الحرب على غزة، لم تتحقق أهداف الحرب. لم يتحقق وعد تدمير "حماس"، الذي لم يكن واقعيا أبدا، على الرغم من استخدام إسرائيل لقوة مفرطة لتسبب الموت والدمار بشكل هائل. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال 136 من الرهائن الإسرائيليين الذين تم اختطافهم في 7 أكتوبر قيد الاحتجاز.ويقول ميكيلبيرغ إن هذا سيكون سجلا يفوز بالكاد بالأصوات عندما يحين يوم التصويت في النهاية.الحكومة الإسرائيلية المقبلةوما يبقي الحكومة الحالية متماسكة، وتتمتع بقدر من المصداقية بين الإسرائيليين، هو أن حزب الوحدة الوطنية المحافظ بقيادة بيني جانتس انضم إلى مجلس الوزراء الحربي. وفي المقابل، تمت مكافأة الحزب وزعيمه بشكل كبير في الاستطلاعات، التي تشير إلى أنه في حال عقدت انتخابات عامة الآن، سيتضاعف عدد مقاعده في الكنيست إلى 37 نائبا، مما يضعه في موقع ريادي لتشكيل الحكومة الائتلافية المقبلة.وستكون مثل هذه النتيجة بالتأكيد تغييرا في أسلوب الحكومة، مع مزيد من الشفافية والمساءلة واحترام القواعد الديمقراطية، بما في ذلك استقلال القضاء. وسيعني ذلك أيضا محدودية التواجد للأحزاب الدينية واليمين المتطرف، ممن يدعمون ضم الضفة الغربية وحتى إعادة استيطان غزة.ومع ذلك، هناك قليل من الدلائل على أن مثل هذه الحكومة ستمثل تغييرا جذريا فيما يتعلق بالعلاقات مع الفلسطينيين، أو ستكون أكثر استعدادا للعمل نحو السلام على أساس حل الدولتين.وفي وقت سابق من الحرب، كان بعض الأشخاص في إسرائيل يشعرون بالقلق من أنه تم نسيان الطعنين اللذين قدما إلى المحكمة العليا ضد التدابير المناهضة للديمقراطية التي اتخذها نتانياهو. ولكن القضاة كانوا في الواقع يكدحون في كتابة قراراتهم، التي تم نشرها في وقت سابق هذا الشهر وأيدوا كلا الطعنين.ومن المتوقع أن تشهد نهاية الحرب نهاية مسيرة نتانياهو السياسية الطويلة، مما يمنحه مصلحة شخصية محتملة في تمديد الحرب، وهو ما لا ينبغي للقادمين الجدد إلى الائتلاف دعمه. فقد دافع قضاة إسرائيل ومحتجون مناصرون للديمقراطية عن ديمقراطيتها. ولكن إذا كانت حكومة حزب الوحدة هي النتيجة الأكثر احتمالا في انتخابات جديدة، فإن نظامها السياسي غير مرجح أن يطور نهجا جديدا لمواجهة التحديات العاجلة والخطيرة التي كشفتها هجمات "حماس". إن إسرائيل بحاجة إلى استكشاف توجيهات سياسية جديدة، تضمن استقطاب مواهب جديدة من خلفيات مختلفة يمكن أن تعيدها إلى مسار أكثر ديمقراطية في الداخل، وتجاه سياسة واقعية تجاه علاقتها المستقبلية مع الفلسطينيين والمنطقة. ولكن لتحقيق ذلك، تحتاج إسرائيل إلى إجراء بعض التفكير العميق في النفس، والتساؤل عن كيف وصلت إلى هذا النقطة المنخفضة في تاريخها.(د ب أ)