في الوقت الذي يحاول الجميع التكاتف من أجل تجاوز الكارثة، هناك من سعى لاستغلال الأمر، حيث إنّ "تجار الموت" كما وصفتهم مصادر محلية تحدثت لمنصة "المشهد"، قاموا بزيادة أسعار الأكفان في مدن ليبية عدة، بأكثر من 3 أضعاف، كما الحال مع أغلب السلع الغذائية، وهو الأمر الذي اعتادوه على مدار عقد من الزمان، مستغلين الانقسامات السياسية والحروب، ليتربحوا من تجارتهم.وتعرضت مدن ليبية عدة على رأسها درنة، لأضرار جسيمة بعد الإعصار الشديد قبل أسبوع، إذ تُظهر الصور القادمة من هناك، مشاهد الدمار الكبير في أعقاب الفيضانات الكارثية التي أسفرت عن آلاف القتلى والمفقودين.تجار الموت في ليبياووسط هول الصدمة والصعوبات التي تواجه فرق الإنقاذ للعثور على أحياء وانتشال جثث المفقودين، التي تُقدّر أعدادهم بالآلاف، يؤكد الناشط المدنيّ محمد مختار، أنّ هناك استغلالا كبيرا للأزمة من قبل التجار، وسط غياب الرقابة، قائلا خلال حديثه مع منصة "المشهد": "ليبيا منذ عام 2011 والوضع غير مستقر، كل أزمة من الحروب وصولا إلى كارثة الإعصار، هناك أشخاص يحاولون استغلال ما يحدث للتربّح". ويضيف مختار: "تجار الأقمشة قاموا برفع أسعار الأكفان بأكثر من 3 أضعاف مع تزايد أعداد الضحايا، واستمرار محاولات انتشال الجثث من تحت الأنقاض، أو التي يتقاذفها البحر". وارتفعت أسعار الأكفان في المدن الليبية القريبة من درنة والمناطق التي تعرضت للفيضانات، بنسبة تصل إلى 350%، حسبما يقول الناشط المدني، مشيرا إلى أنّ "الأكفان كان يتراوح سعرها قبل كارثة الإعصار، بين 40 و45 دينارا ليبيا (8.3 - 9.4 دولارات). ووصلت الآن 200 دينار ليبي (42 دولارا). هناك ارتفاعات غير مسبوقة بسبب التجار، خصوصا في المناطق القريبة مثل طبرق وبنغازي". ويؤكد هذا أيضا منسق عمليات الإنقاذ والدعم اللوجستي في طبرق، وعضو اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بجنيف-مكتب ليبيا سالم ناصر، والذي قال لمنصة "المشهد": "نعم أسعار الأكفان ارتفعت بشكل كبير، حيث إنّ لفة القماش الأبيض التي يبلغ طولها 50 مترا وتقسّم إلى أكفان، أصبحت تباع بما يتراوح بين 180-200 دينار ليبي (37.5-42 دولارا)".ويضيف سالم ناصر: "هذا هو الحال في أوقات الأزمات، كل شيء يحدث، فكما هناك من يساعد، هناك أيضا من يسرق أو يستغل الأزمة ليتاجر بالموت". ويشير منسق عمليات الإنقاذ والدعم اللوجستي في طبرق، إلى أنّ "الوضع الآن في ما يتعلق بأسعار الأكفان أفضل مع وصول المساعدات من الأشقاء العرب وكل دول العالم، حيث وفّروا المزيد من الأكفان المخصّصة لدفع الضحايا". وهو ما يؤكده أيضا عبد المنعم أسويكر يحيى والذي يقول لمنصة "المشهد"، إنّ ارتفاع أسعار الأكفان بمدن عدة حدث خلال الأيام الأولى من الكارثة، "لكن سرعان ما عادت الأسعار إلى طبيعتها بعد وصول المساعدات الإنسانية من دول مختلفة". ويقول أسويكر يحيى، وهو أيضا مدير الخدمات الصحية بمدينة طبرق التي تبعد أكثر من 150 كيلومترا شرق مدينة درنة المنكوبة: "الأسعار ارتفعت أول الأيام لكن حينما تكاتف الناس والمنظمات والدول انتهى هذا الأمر، الأسعار عادت كما هي". ويضيف أسويكر يحيى وهو يحتفي بحجم المساعدات الضخم الذي وصل إلى بلاده من دول عدة: "الأسعار عادت إلى طبيعتها، لكنّ أعداد الوفيات لا تزال في تزايد، البحر يلقي الكثير من الجثث لدرجة أنّ الأمواج بدأت تتقاذف جثامين ضحايا على بعد نحو 80 و100 كيلومتر شرقي مدينة درنة وصولا إلى طبرق"."مآسي الأيام الأولى"وتسود حالة الفوضى ليبيا حتى قبل الكارثة وسط تتضارب الأرقام في ما يتعلق بأعداد الضحايا والمفقودين، حيث تعطي السلطات أرقامًا متضاربة، في الوقت الذي تحذّر فيه منظمات إنسانية دولية من أنّ الحصيلة النهائية قد تكون أعلى بكثير بسبب عدد المفقودين الكبير الذي يقدّر بالآلاف. ويُقدّر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية حصيلة ضحايا الفيضانات في مدينة درنة وحدها بنحو 11,300 قتيل و10,100 آخرين في عداد المفقودين. فيما تقول وزارة الصحة في حكومة شرق ليبيا، إنّ إجمالي عدد الضحايا يبلغ 3,283 قتيلا، من دون أن تشير إلى أعداد المفقودين. وجرفت السيول في مدينة درنة المنكوبة إلى جانب المباني وسكانها، المقابر ورفات الموتى، بحسب الناشط المدنيّ محمد مختار، والذي يقول إنّ "ذلك تسبب في أزمة كبيرة خلال الساعات الأولى من صدمة الفيضانات، حيث لن يكون هناك أيّ مقابر متوافرة لدفن الضحايا". وتحدث عضو اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بجنيف-مكتب ليبيا سالم ناصر عن "مآسي الأيام الأولى من السيول"، إذ يقول إنّ المتطوعين المدنيين اضطروا إلى دفن الجثث بشكل جماعي في بادئ الأمر من دون غسلها، "فقط من خلال تكفينها بالقماش الأبيض وبطريقة إسلامية، حيث حصلنا على فتوى تجيز ذلك، من خلال وضع القليل من المياه عليهم، خصوصا في ظل ارتفاع أعداد الضحايا". ويضيف ناصر: "في الوقت الراهن بدأت السلطات المحلية بمدن عدة مثل طبرق، في توفير مقابر لدفن الضحايا". ويؤكد هذا الناشط المدنيّ محمد مختار، مشيرا إلى أنّ أزمة المقابر "تم تداركها في وقت لاحق، لكن للأسف المقابر الجماعية لا تزال موجودة"، خصوصا "مع نقص الإمكانات وارتفاع أعداد القتلى. وهذا لم يسعفنا في إمكانية إقامة مقابر فردية، كما أنّ بعض العوائل والأسر أخذت على عاتقها عملية دفن جثامين أفرادها بشكل جماعيّ لتسهيل عملية الدفن". فيما يقول أيوب بن رابعة وهو أحد المتطوعين في مدينة درنة لمنصة "المشهد": "خلال الأيام الأولى كان يتمّ وضع الجثامين التي بدأت تتعفّن في أكفان قماشية، ومن ثم دفنها بشكل جماعي، وهذه طريقة خاطئة من الناحية العلمية. لكن الآن تنفّذ فرق الإنقاذ عمليات دفن أكثر أمانا، خصوصا للجثث التي وصلت إلى مرحلة تعفّن وتحلّل، وذلك عبر وضعها في أكفان بلاستيكية".ومن الدخل والخارج بدأت التعبئة لمساعدة ضحايا الإعصار تتدفق على ليبيا، حيث أعلنت الدول من أقصى الأرض إلى أقصاها، عن إرسال مساعدات إنسانية وفرق إنقاذ إلى مدينة درنة الواقعة على السواحل الشرقية للبلاد. كما يقوم برنامج الأغذية العالمي بإعداد إمدادات غذائية لدعم 100 ألف شخص في منطقة الكارثة لمدة لا تقل عن 3 أشهر."ضعاف النفوس"وإلى جانب "تجار الموت" الذين استغلوا الكارثة لزيادة أسعار أقمشة الأكفان، هناك أيضا تجار الحياة الذي يستغلون العيش لمضاعفة أسعار السلع الغذائية، إذ يؤكد المتحدثون جميعهم مع منصة "المشهد" تسجيل ارتفاعات كبيرة بأسعار السلع الغذائية. "وأسعار الغذاء كحال الأكفان، شهدت ارتفاعات غير مسبوقة"، حسبما يقول الناشط المدنيّ محمد مختار، مضيفا: "لكن الأمر الذي يدعو للاشمئزاز هو استغلال المساعدات الغذائية وبيعها، حيث هناك جماعات قامت بجمع المساعدات وإقامة مخازن لبيع السلع في المناطق المتضررة". ويؤكد منسق عمليات الإنقاذ والدعم اللوجستي في طبرق سالم ناصر ما قاله الناشط المدني في ما يتعلق بسعي بعض الأشخاص للسطو على المساعدات الإنسانية، "كما تشهد أسعار السلع زيادة كبيرة. فمثلًا دزينة البيض التي كان يتراوح سعرها بين 10 و12 دينارا (2-2.5 دولار) ارتفعت أسعارها لما يزيد عن 60 دينارا ليبيا (12.5 دولارا)". لكن، مدير الخدمات الصحية بمدينة طبرق عبد المنعم أسويكر يحيى، يؤكد أنّ "الارتفاعات جاءت بسبب نقص المواد الغذائيّة في منطقة السيول. إذ إنّ القرى والمدن التي تبعد عن المناطق المنكوبة تتوافر بها السلع الغذائية بأسعار مناسبة. كما أنّ الأسعار عادت إلى المستويات الطبيعية في المناطق المنكوبة مع تدفق المساعدات". واعتبر متطوّع الإغاثة بمدينة درنة أيوب بن رابعة، أنّ ما حدث من زيادة في الأسعار لم يكن من قبل التجار كافة بل هذا جاء من قبل "ضعاف النفوس" الذين يريدون استغلال الأزمة للتربّح، مشيرا إلى أنّ "مصادر الموادّ الغذائية والأقمشة تضررت بشكل كبير في المدينة عقب السيول، فإلى جانب الضحايا، فقدت المدينة أيضا محالها التجارية". ومنذ عام 2020، تستقر ليبيا في حالة ركود فوضويّ مع وجود حكومتَين متنافستَين، وهو الأمر الذي يعتبر مراقبون أنه أدى إلى تفاقم الكارثة، حيث أدت سنوات الحرب والتنافس السياسي، إلى تدمير خدمات الدولة والبنية التحتية، وأيضا الرقابية على الأسواق، وفق ما يشير الناشط المدنيّ محمد مختار، قائلا: "ليس هناك رقابة في البلاد منذ عام 2011". وخلال الساعات القليلة الماضية انتشرت مقاطع فيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي، تُظهر مسؤولي السلطات المحلية في بعض المناطق وهم يقومون بإغلاق المحال التجارية التي تعرض السلع بأسعار مرتفعة، وهو ما يعتبره محمد مختار "رقابة غير فاعلة. إذ إنه لطالما تتم تسوية أزمة التجار المستغلين وهم من أبناء العشائر عبر المشايخ، من دون أن يكون هناك رادع ماليّ أو قانونيّ، أو اتخاذ إجراءات عقابية تنفيذية". على النقيض من ذلك، يقول منسق عمليات الإنقاذ والدعم اللوجستي في طبرق، وعضو اللجنة الدولية لحقوق الإنسان بجنيف مكتب ليبيا سالم ناصر، إنّ الجيش الليبيّ في منطقة الشرق، يقوم حاليا بعمليات تفتيش واسعة لمراقبة الأسواق، "خصوصا تجار الأقمشة والسلع الغذائية". ويضيف ناصر: "حتى الآن تم إغلاق المنافذ والمحال. كما تم إلقاء القبض على بعض أصحابها وإيداعهم في السجن، إلى حين التحقيق معهم لاستغلالهم الكارثة".(المشهد)