يكفي أن تراقب ركّاب المواصلات العامة في باريس والضواحي، لتلاحظ كميّة الذعر والقلق والاشمئزاز من لا شيء ومن كل شيء!أزمة "بقّ الفراش" في فرنسا ليست بجديدة، فهي تعود إلى فترة خمسينيات القرن العشرين، لكنّ تكاثره منذ أسابيع، جعل منه "فزّاعة" مرعبة، تنغّص الحياة اليومية للفرنسيّين، فهو في كلّ مكان، ويمكنه مطاردتنا وحتى مرافقتنا أينما كان! بحجمه الصغير يدخل في حقائب يدنا، في ثيابنا، في هواتفنا، ويحل ضيفا ثقيلا في بيوتنا، وبسرعة تكاثره يحتلّ منازلنا وغرف نومنا، يسلب منا نومنا، يمصّ دماءنا ليلا ويحوّل حياتنا إلى جحيم حقيقيّ، فمن غزا بيته، احتلّه، وبات صاحب البيت خارجه.أمّ لثلاثة أولاد: نعيش جحيمًا حقيقيّا"عشنا أسوأ أيام حياتنا"، بهذه الكلمات عبّرت السيدة إيما لامبرت عما تمر به، وهي أمّ لثلاثة أولاد تربّيهم وحدها: 8 سنوات، 6 سنوات و4 سنوات، "نعيش كابوسا حقيقيا، نسينا طعم النوم، حياتنا تحوّلت إلى جحيم حقيقي". وفي تفاصيل قصة إيما، التي تشبه مئات القصص حاليا، روت لمنصة "المشهد" أنه "منذ نحو 3 أسابيع، انتقلت عائلة جديدة إلى المبنى الذي نسكن فيه، وأظنّ أن تلك العائلة جلبت معها بقّ الفراش، فنحن نسكن في الطابق الأرضي، ورأيتهم يضعون فراشهم و ينشرون غسيلهم على شرفتهم التي تطل على حديقتنا، حيث أنشر بدوري غسيلي وغسيل أولادي، ونضع أغراضنا".وتابعت: "بعد أسابيع على انتقالهم، بدأت أنا بالشعور في إحدى الليالي الحارّة بالحكّة في مناطق معيّنة من جسمي، اعتقدت أنها لسعات البعوض، لكن بعد أيام بدأت الحكة تزداد وتنتقل إلى أماكن أخرى في جسمي. وبعدما ساءت الحالة وتفاقمت الأعراض استشرت الممرّضة حيث أعمل، فقالت لي إنها حساسيّة لا أكثر، لكن عندما انتقل الأمر إلى ابني الصغير الذي ينام من وقت إلى آخر في سريري، بدأت أشكّ بوجود شيء غريب".وتضيف: "بدأت تظهر بقع دم صغيرة على الوسادة. هنا، بدأت أقرأ وراقبت سريري في الليل، حيث استعملت ضوء هاتفي، فكانت الصّدمة… اتصلت بشركة متخصصة بالتعقيم، ونصحوني بتغيير فراشي بما أنّه كان قديما، وعقّموا الشّقة كاملة، ورمينا معظم ثيابنا. دفعنا مبلغا كبيرا، وأنا بالكاد أستطيع تأمين الأساسيّات لأولادي، اضطررنا لاستئجار شقة لمدة أٍسبوع على أمل أن تعود حياتنا إلى ما كانت عليه قبل تلك العدوى اللعينة".وختمت: "الكابوس لم ينتهِ، لأنّ الأضرار النفسيّة ما زالت تطاردنا، وأشعر بالحكة ما إن يحلّ الظلام. ولا أعلم إن كان الأمر انتهى فعلًا أو كأفلام الرّعب، هذه الفزّاعة ستعود لتفتك بما تبقّى من أثاث بيتنا"! البق في فرنسا يهدّد بإقفال المدارس.. والتكاليف باهظة ووصل "بقّ الفراش" إلى المدارس، فيوم الأربعاء، 27 سبتمبر، بلّغ طلاب من مدرسة فلورا تريستان الثانوية في نويزي لو غراند، أستاذهم عن وجود بقّ الفراش في صفّهم. وقد تمّ تبليغ إدارة المدرسة على الفور والتي بدورها قرّرت إخلاء الصف، وأنذرت منطقة "إيل دو فرانس" ومديرية أكاديمية كريتيل.بعد ذلك، اتصلت إدارة المدرسة بشركة خاصة للتعقيم، اقتصر تدخلها على تقنية التبريد، بسبب نقص الأموال (تكلفة العملية 10000 يورو). دفع ذلك بالأساتذة إلى تقديم حق الانسحاب من المدرسة، ما أثار قلق أهالي التلاميذ الذين قرّروا عدم إرسال أولادهم إلى المدرسة يومي الجمعة والسبت التاليين.من جهته، يوضح الأستاذ ورئيس نقابة SNES وعضو مجلس إدارة المدرسة غيوم هويبيان، أنّ "المدرسة الثانوية تضمّ نحو 1000 طالب ومئة معلم وموظف. كلهم لديهم منازل يمكن أن تنتشر فيها الحشرة، مع خطر إعادة غزو المؤسسة بعد ذلك، خصوصا أننا نعيش في حيّ للطبقة العاملة وتكاليف التخلص من بقّ الفراش مرتفعة للغاية".وفي حالة منفصلة، أكد معلمو مدرسة إليسا ليمونييه الثانوية في الدائرة الثانية عشرة من باريس، حقّهم في الانسحاب يوم الخميس بعد اكتشاف بقّ الفراش في مدرستهم، وفق مديرية باريس.وقالت المدرسة في بيان أُرسل إلى وكالة "فرانس برس" إنّ "الكشف عن بقّ الفراش في مدرستنا، جعل من الممكن تحديد مناطق محددة لعلاجها. التعقيم يبدأ بعد ظهر الخميس وهو محدود. تم الاستماع إلى الأساتذة الذين ادعوا حقهم في الانسحاب، ولكن لا توجد مخاطر كبيرة في هذه المرحلة".وبحسب معلمة في مدرسة ثانوية اتصلت بها وكالة فرانس برسن "ذكرت طالبة مساء الاربعاء انها تعرضت للسع في مركز التوثيق والمعلومات. اتصل مدير المدرسة على الفور بالمعنيّين، وصباح الخميس، تم إحضار كلب لكشف بقّ الفراش"."في الساعة 8:00، بقي الطلاب والمعلمون في الخارج على الرصيف. وأضافت أنّ المعلمين ادعوا حقهم في الانسحاب". لم يذهب أيّ من المعلمين 80 الذين كان من المفترض أن يدرسوا إلى الصف يوم الخميس، و"عاد الطلاب إلى منازلهم". "بقّ الفراش" يطال مطار أورليبعد مطار شارل دي غول ومترو الأنفاق والحافلات والقطارات، تم العثور على بقّ الفراش في مباني الشرطة على حدود مطار أورلي (فال دي مارن).وفي التّفاصيل، اكتشفت عاملة تنظيفات ليل الأربعاء، وجود آثار لبقّ الفراش "عندما كانت تنظف المبنى الواقع في منطقة المغادرة في المبنى رقم 4، في خزانة تقع تحت حوض غرفة الاستراحة، حيث يتم تخزين لفات المناشف الورقية".ردة الفعل كانت فورية، تم إغلاق الغرفة وتنظيفها بشكل صحيح. تدخلت شركة متخصصة للتعقيم بالبخار في درجات حرارة عالية جدًا.وكان اثنان من المسؤولين قد اشتكيا من لدغات، يمكن أن تكون بقّ الفراش، وقد تمّ تعقيم حقيبتَيهما على الفور أيضاً.لسعات "البقّ" تطال وجوهًا معروفةصوفي كوست، صحفية ومقدمة برنامج معروفة في فرنسا، ظهرت في أحد البرامج التلفزيونيّة وهي تُدلي بشهادتها، واصفة للمشاهدين معاناتها بعدما تعرّضت له أثناء مكوثها في أحد الفنادق، حيث طالتها أزمة "بقّ الفراش"، وقد ظهرت، خلال بثّ صورها على الشاشة، وكان وجهها منتفخًا تمامًا، مثل إحدى ذراعيها وعلّقت على الصور قائلة: "شعرت كأنني شربت 3 لترات من الويسكي، لكن على الإطلاق! كانت منتفخة، كنت أعاني من الوذمة، بعد أن تلقيت لسعات البقّ المتكررة. كل أطرافي تضاعف حجمها 3 مرات. فمن سوء حظّي أني أعاني الحساسية على هذا النوع من الحشرات (...) كان الأمر مروّعًا".بدورها، صرّحت الصحفية ايزابيل موريني بوسك، عن تعرّضها أيضا للسعات "بقّ الفراش" أثناء وجودها في أحد الفنادق، واصفة الأمر بـ"الكابوس (...)".بعد أزمة كورونا، فرنسا تُعيد حساباتها لمواجهة أزمة "صحيّة" جديدة "من نوع آخر". فهل سيتمّ وضع خطّة شاملة للحدّ من الانتشار السّريع لهذه الحشرة التي "تُقلق" نوم بعض الفرنسيّين وتغزو بيوتهم؟ (المشهد)