حالة من الجدل أثارتها تصريحات مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بشأن تونس وهو ما سبب ما يُشبه الحرب الكلامية بين الجانبين، بعد رد الخارجية التونسية والرئيس التونسي على حديث المسؤول الأوروبي. وأكدت مصادر في الاتحاد الأوروبي في تصريحات خاصة لمنصة "المشهد" أن الاتحاد لن يقف مكتوف الأيدي إزاء التطورات في تونس، في ضوء تأثر منطقة اليورو بما يدور في البلاد. تصريحات بوريل بوريل كان قد أعلن الاثنين، أن "التكتل يشعر بالقلق إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس ويخشى انهيارها". وحذّر من أن "الوضع في تونس خطير للغاية". تصريحات بوريل التي أثارت الجدل قال فيها أيضا: إذا انهارت تونس، فإن ذلك يهدد بتدفق مهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي.سيسبب ذلك حالة من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.الاتحاد الأوروبي لا يمكنه مساعدة دولة غير قادرة على توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي. كيف ردت تونس؟ تعقيبا على تصريحات بوريل وصفت تونس تلك التصريحات بأنها "انتقائية ولا تتناسب مع قدرة الشعب التونسي على الصمود وتجاوز المصاعب".وقال بيان لوزارة الخارجية التونسية، الثلاثاء، إن "هذه التصريحات غير متناسبة سواء بالنظر للقدرات الراسخة والمشهود بها عبر التاريخ للشعب التونسي على الصمود وعلى تجاوز المصاعب، وكذلك فيما يتعلق بالتهديد الذي تمثله الهجرة من دول الجنوب إلى أوروبا". بيان الخارجية التونسية تضمن أيضا:التصريحات الانتقائية تتواصل في تجاهل لأي مسؤولية عن الوضع في تونس منذ عام 2011.نرحب بدعم العديد من الشركاء بما في ذلك الجارة إيطاليا.نحن منفتحون على شراكة مسؤولة قائمة على الاحترام المتبادل والمساواة.الاتحاد الأوروبي يرد عبر "المشهد"قال مصدر مسؤول في الاتحاد الأوروبي إن تونس دولة جارة وهي شريك وثيق لبروكسل، مشيرا إلى أن "ما يحدث في البلاد له تأثير مباشر على الدول الأوروبية". وفي تصريحات لمنصة "المشهد"، أكد مصدر طلب عدم ذكر اسمه، أن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يغض الطرف عما يحدث في تونس، لافتا إلى "أن البلاد تواجه حالة من عدم الاستقرار السياسي إلى جانب الوضع الاقتصادي السيئ". وشدد على ضرورة تجنب تونس الانهيار الاقتصادي والاجتماعي ودعم الشعب التونسي، مؤكدا أن "هناك عددا من الخطوات التي ينبغي أن تقوم بها تونس وهي لا غنى عنها وتتمثل في تأكيد سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، والإصلاحات الهيكلية المهمة الرئيسة، وكذلك الانتهاء من البرنامج المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي".واختتم المصدر حديثه لمنصة "المشهد" بالتأكيد على استمرار الاتحاد الأوروبي في إيلاء اهتمام وثيق للوضع ودعم الشعب التونسي في مواجهة هذه التحديات.لماذا يشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق؟سألت منصة "المشهد" المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لويس بوينو، عن أسباب قلق الاتحاد الأوروبي من الوضع في تونس، فأجاب بأن تونس تمر "بمرحلة انتقالية مليئة بالتحديات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي". وفي حديثه مع منصة "المشهد" يضيف بوينو، "تأثرت تونس بتداعيات أزمة كورونا بشكل كبير، ثم وقع الغزو الروسي لأوكرانيا والذي انعكس بشكل سلبي على الأمن الغذائي والطاقة في المنطقة عموما، كل ذلك فاقم من الأزمة الاقتصادية في تونس". وأكمل المتحدث: "وصلت السلطات التونسية إلى اتفاق على الصعيد التقني مع صندوق النقد الدولي لإجراء مجموعة من الإجراءات الهيكلية الضرورية التي قدمتها السلطات التونسية نفسها للخروج من الأزمة".ويلفت إلى أنه "من الضروري الآن التعجيل بالتوقيع على الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي والبدء في تنفيذ تلك الإجراءات". وشدد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي على أن موقف الاتحاد تجاه تونس ثابت، مؤكدا أن بروكسل "رافقت تونس وشعبها منذ سنوات في مسار ترسيخ الديمقراطية، ونحن مستعدون لمساعدة تونس في تنفيذ الإصلاحات الملحة". لماذا لا يمد الاتحاد الأوروبي يد المساعدة؟ أوضح المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لويس بوينو، أن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء يعملون مع السلطات التونسية من أجل تجنب سيناريو الانهيار". وعن جهود بروكسل في هذا الإطار قال بوينو: "قدم الاتحاد الأوروبي أكثر من 3 مليارات يورو من المساعدات لتونس خلال العقد الماضي وذلك لدعم تونس على مجموعة من المستويات؛ من الصحة العامة للإنتاج الزراعي المحلي وصولا لتمكين القطاع الخاص وتوظيف الشباب". وشدد المتحدث على استعداد الاتحاد لمواصلة الدعم بالشراكة مع المؤسسات الدولية طالما "أن تونس تنفذ الإصلاحات التي وعدت بها". وأبدى بوينو تفهم الاتحاد الأوروبي لأن "هذه الإصلاحات مؤلمة"، مجددا التأكيد على استعداد بروكسل لمرافقة "تونس في هذا المسار في إطار اتفاقية الشراكة التي تجمعنا والمبنية على مبادئ وقيم مشتركة". ماذا لو أوقفت تونس التعاون في ملف الهجرة؟ يؤكد بوينو أن الهجرة ليست مهمة للاتحاد الأوروبي فقط، ولكن "للشركاء في المتوسط كذلك"، معتبرا أن هذا الملف بات مرادفا "للمعاناة ورحلات الموت بسبب المنظمات الإجرامية التي تستغل الناس". ويؤمن المسؤول الأوروبي، أن معالجة هذا الأمر لا يمكن أن تلقى على كاهل طرف من دون الآخر. ويضيف: "الهجرة ليست جريمة، نحن نريد أيدي عاملة في قطاعات مختلفة في الاتحاد الأوروبي مثل الصحة والصناعة، لكن يتعين علينا أن ندير هذه الظاهرة بشكل جيد". وفي حديثه مع منصة "المشهد" يضيف بوينو أن "أغلبية الوافدين للاتحاد ليسوا لاجئين، بل هم يبحثون عن طرق لتحسين حياتهم". وتابع: "نعمل على فتح طرق إضافية للهجرة النظامية، في حين نكافح المافيات والمجرمين المسؤولين عن معاناة الناس". سر القلقيقول بوينو إن تصريحات بوريل تضمنت قلق الدول الأعضاء فيما يتعلق بالوضع في تونس باعتبارها بلدا شريكا. ولفت المتحدث إلى أن تونس "أصبحت أول دولة جارة تحصل على وضع شريك متميز مما سمح لها بالمشاركة في برامج أوروبية عدة". وأكمل: "أعتقد أنه من الطبيعي للاتحاد أن يعبر عن قلقه تجاه الوضع في دولة تجمعنا بها شراكة متميزة، هذا دليل على أهمية هذه الشراكة". وفد أوروبي في تونسعلى وقع هذه التطورات وصل وفد من الاتحاد الأوروبي إلى تونس. وتتركز مهمة الوفد في بحث الوضع السياسي والاقتصادي وملف الهجرة. ويرأس الوفد الأوروبي -الذي وصل تونس في جو محتقن- المدير العام لمفاوضات الجوار جون كوموان. وأعلنت بعثة الاتحاد الأوروبي في تونس أن النقاشات ستركز على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن التعاون بشأن ملف الهجرة. ويقول المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لويس بوينو في تصريحاته لمنصة "المشهد" يبحث هذا الوفد ملفات مرتبطة بكيفية مساعدة تونس لتنفيذ الإصلاحات الضرورية.وأشار إلى أن المحادثات ستتضمن أيضا "بحث فرص الاستثمار الأوروبي في مجال الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، وتحلية مياه البحر، ومعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استغلالها، والصناعات الصيدلانية، وقطاعات أخرى ذات اهتمام مشترك". (المشهد)