تفرض الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والتي دخلت شهرها الثالث على التوالي، تحدّيات جسام على الأمن القوميّ المصري، خصوصًا مع اتساع نطاقها بشكل واضح واتجاه الجيش الإسرائيليّ في تنفيذ عمليات عسكرية صوب الأماكن الواقعة جنوب القطاع، والمتاخمة مع الحدود المصرية خلال الأيام القليلة الماضية.ولم يكتفِ الجيش الإسرائيليّ بتوجيه ضربات في مدن الجنوب فحسب، بل تطور الأمر لما هو أبعد من ذلك، وأقدم على القيام بعملية عسكرية "استثنائية" على محور "فيلادلفيا" الذي كان يطلق عليه صلاح الدين سابقًا والقريب جدًا من الحدود المصرية، حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، والتي نقلت أيضًا عن تقارير فلسطينية إشاراتها إلى أنّ الجيش الإسرائيليّ أدخل في الساعة الأخيرة مدرعات ودبابات إلى المنطقة، ويقوم بمناورة قصيرة.وفي المقابل، نفت مصادر أمنية مصرية لوسائل إعلام محلية، ما زعمته وسائل إعلام إسرائيلية عن بدء دبابات الجيش الإسرائيليّ عملية برية من معبر كرم أبو سالم إلى محور فيلادلفيا على حدود قطاع غزة مع مصر، فيما أصدرت هيئة المعابر الفلسطينية في غزة، بيانًا جاء فيه أنّ الجانب المصريّ نفى أيّ معلومات لديه عن نيّة "العدو"، التحرك عسكريًا في محور الحدود المصرية.ترقّب مصريومع الحديث حول تحرك الجيش الإسرائيليّ باتجاه محور فيلادلفيا، وتصاعد المخاوف والقلق بشأن هذا التحرك، استطلعت المشهد آراء عدد من الخبراء العسكريّين حول مستقبل الأمن القوميّ للبلاد من تلك الناحية، والأهداف المحتملة لإسرائيل إذا كانت فعلًا تريد السيطرة على هذا المحور.بداية، يقول الخبير العسكريّ ورئيس جهاز الاستطلاع المصريّ السابق نصر سالم، أنّ اتساع نطاق الحرب التي تشنها إسرائيل في هذا التوقيت تجاه جنوب قطاع غزة، سيؤدي بشكل مؤكد إلى تصعيد وتيرة حدة الصراع والتوتر داخل المنطقة، خصوصًا أنّ جنوب القطاع متاخم مباشرة مع الحدود المصرية، وهو المكان النشط الذي تتحرك فيه شاحنات المساعدات الإغاثية والإنسانية عبر معبر رفح، موضحًا في الوقت ذاته أنه في حال تصعيد العمليات العسكرية والإسرائيلية بالنمط الذي جرى في شمال غزة، فإنّ ذلك سيؤثر بالسلب على تدفق المساعدات، أو قد يتسبب في ارتكاب أخطاء تؤدي إلى تفاقم الموقف بشكل لا يمكن السيطرة عليه.الخصوصية الأمنية لمحور فيلادلفيا جغرافيًا، يقع هذا المحور على طول الحدود بين مصر وغزة وهو عبارة عن شريط أرضيّ ضيّق، يمتد من البحر الأبيض المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه إسرائيل، ويبلغ طول الطريق 14.5 كيلومترًا وعرضه لا يتجاوز مئات الأمتار. وبما أنّ محور فيلادلفيا مرتبط بمصر فقد وقعت تل أبيب مع القاهرة بروتوكولًا سمّي "اتفاق فيلادلفيا". وينصّ البروتوكول على السماح بنشر 750 جنديًا من حرس الحدود المصري على امتداد الحدود مع غزة، لوقف عمليات التهريب وتدمير الأنفاق الموجودة، بعد أن أصبحت المنطقة خاضعة للفلسطينيّين. ويري سالم أنّ الشريط الحدوديّ الفاصل بين مصر وغزة، يُعدّ منطقة عازلة ذات خصوصية أمنية شديدة، ويجب على الجانب الإسرائيليّ الانتباه لذلك الأمر. وأشار المتحدث ذاته إلى أنّ بلاده وجهت قبل ذلك تحذيرًا شديد اللهجة لإسرائيل من أيّ عمليات عسكرية في تلك المنطقة العازلة، خصوصًا بعدما أصاب الجيش الإسرائيليّ عن طريق الخطأ كما قال، جنودًا مصريّين بالقرب من معبر كرم أبو سالم على الحدود، في واقعة اعتذرت عنها إسرائيل لاحقًا.أهداف إسرائيل من وراء الوجود في محور فيلادلفياويعتقد اللواء سالم أنّ القدرات العسكرية التي أظهرتها "حماس" خلال الحرب الدائرة مع إسرائيل، رسخت قناعة لدى تل أبيب بأنّ ثمة أنفاقًا لا تزال قائمة تحت ممر فيلادلفيا تستخدمها عناصر الحركة في إدخال الأسلحة وأدواتها العسكرية، لذلك فهي تسعى لإحكام سيطرتها على هذا المحور المهمّ. لكن في الوقت ذاته، أكد سالم أنّ الجيش المصريّ قام بتدمير الأنفاق التي كانت تربط بين مصر وغزة، بهدف منع تسلل العناصر المسلحة داخل الأراضي المصرية، من خلال حملة عسكرية موسعة شنّها ضدّ "الإخوان" داخل شبه جزيرة سيناء خلال الأعوام الماضية، وقامت مصر ببناء منطقة حدودية عازلة تمتدّ لنحو 5 كيلومترات إلى العمق في سيناء.وحول رغبة محتملة لإسرائيل في السيطرة من جديد على محور فيلادلفيا بعد أن تركته طوعًا في عام 2005، أشار سالم إلى أنّ هذا الأمر يجب أن يتمّ بالتوافق أولًا مع مصر، وهو ما يتطلب توقيع بروتوكول ملحق باتفاقية السلام، مماثل لما تم إقراره عام 2005 بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة.النتائج المحتملة لسيطرة إسرائيل على فيلادلفياومنذ أن سيطرت حركة "حماس" على الحكم في قطاع غزة عام 2007، أصبحت الحركة تتولى مهمة الإشراف على محور فيلادلفيا، واستغلته في عام 2013 في تنشيط الحركة التجارية، وبات ممرًا تجاريًا تتدفق منه البضائع من مصر إلى القطاع، وذلك بعد أن عملت "حماس" على تطوير وتحسين البنية التحتية للطريق الخاص به. واليوم ومع تقارير عن محاولات إسرائيل السيطرة على هذا الممر، في ظل اشتداد وطأة الحرب، يوضح الخبير العسكريّ في مكافحة الإرهاب الدولي رضا يعقوب، أنّ هناك أمورًا مهمّة ستحدث إذا ما أقدم الجيش الإسرائيليّ على احتلال فيلادلفيا، لعلّ أبرزها:إسرائيل تصبح المسؤولة الوحيدة على كل من في قطاع غزة بحكم القانون الدولي.جميع المعابر ستخضع للسلطة في إسرائيل.مسؤولية تأمين الحدود المصرية من الناحية الشرقية ستقع على عاتق الجيش الإسرائيليّ وليست حركة "حماس".وفي ظل تكثيف القصف الجوي الإسرائيليّ على عدد من المناطق في جنوب القطاع، اضطرت أعداد كبيرة من الغزّيين التحرك باتجاه مدينة رفح، والاقتراب الشديد لهذه الأعداد الهائلة من الحدود المصرية، لتتجدد بذلك المخاوف من مخطط تهجير قسريّ لسكان القطاع إلى سيناء، وهو مخطط حذّرت منه مصر مرارًا واعتبرته خطًا أحمر لأمنها القومي. في السياق، يؤكد خبير مكافحة الارهاب أنّ العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، تحمل هدفين أحدهما واضح المعالم أعلنت عنه إسرائيل قبل ذلك، وهو تعقّب عناصر حركة "حماس" والقضاء عليهم، وهدف آخر غير معلن ويتمثل في إفراغ قطاع غزة من ساكنيه والدفع بهم نحو سيناء.مخطّط تهجير الفلسطينيّينومنذ اليوم الأول من الصراع المحتدم بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، أعلنت مصر موقفًا ثابتًا من قضية التهجير، وأكدت رفضها القاطع له سواء كان داخليًا أو خارجيًا، وذلك عبر العديد من المناسبات سواء كانت محلية أو دولية. واعتبر الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي أنّ تلك القضية خط أحمر بالنسبة لمصر ولن تسمح بتمريرها.في هذا الصدد، يؤكد اللواء رضا يعقوب، أنّ إسرائيل لا تزال تسعى عبر محاولات عدة في تنفيذ مخططها الهادف لتهجير الفلسطينيّين من قطاع غزة، على الرغم من وجود رفض دوليّ ومصريّ واضح وصريح لتلك المخططات، إلا أنّ الجانب الإسرائيليّ يحاول الالتفاف حول الرفض المصريّ بتنفيذ مخططات بشكل بطيء ولكن ذات أهداف مستقبلية، على حدّ تعبيره.وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد ذكرت أنّ دبابات الجيش الإسرائيليّ بدأت في تنفيذ عملية برية انطلاقًا من معبر كرم أبو سالم باتجاه محور فيلادلفيا الواقع على الحدود المصرية، لكنّ الإعلام المصريّ سارع إلى نفي هذا الخبر نقلًا عن مصادر مطّلعة لم تسمّها. (المشهد)