في غمار الحرب الإسرائيلية الضارية على قطاع غزّة لليوم 335 توالياً، برزت تحذيرات عربية ودولية في الآونة الأخيرة من مغبة مساعي "الجماعات الإرهابية" استثمار الحرب وتوظيفها في خدمة سياساتها، وأجندتها، ويتخوف البعض من دفع الجيل الجديد إلى حافة التطرف، في ظل محاولات الجماعات الإرهابية تصيد الشباب الغاضب من مشاهد الدمار والموت."داعش" وحرب غزةوأظهرت دراسات حديثة، بأنّ تنظيمي "داعش" و"القاعدة" يستغلان الفضاء الإلكترونيّ في تسويق خطابهما الموجه للشباب العربي والمسلم، من أجل صناعة العنف وتبريره من الناحية الإيديولوجية والدينية، وبهدف التحشيد، والتجنيد، والتحريض. وأشارت مصادر ذات صلة، إلى أن التنظيمين حاضران منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بغية استغلال الحدث وتوظيفه لصالحهما، من خلال مأسسة أفكارهما، وقرصنة المواقع المخالفة لهما وضربها، والترويج عبر الرسائل ووسائل التواصل الاجتماعي لقادة التنظيمات، سعياً نحو التمدد لإقامة خلافة سيبرانية. وفي هذا الإطار، تخشى أجهزة الأمن في الشرق الأوسط، أن تسمح الحرب في غزة لتنظيمي "داعش" و"القاعدة" بإعادة بناء صفوفهما في المنطقة، ما يؤدي إلى موجة من الهجمات الإرهابية في الأشهر والسنوات المقبلة. "داعش" وإسرائيل في السياق، قال الأكاديمي والباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية د. أحمد جميل عزم لمنصة "المشهد" إن:الساحة الفلسطينية محصنة من بروز "داعش" إلى حد كبير بسبب وجود فصائل تملأ الفراغ، حركتي "حماس" و"فتح" بالدرجة الأولى. تنظيم "داعش" ظهر في الدول التي تعاني انهيارًا، وفراغًا بالسلطة، أو فشل الدولة، في العراق بعد فشل النظام، في سوريا بعد الحرب الأهلية وشبه انهيار النظام في أماكن كثيرة. فالشكل الذي ظهرت عليه "داعش" في البلدان التي فيها فراغ وبلا نظام قوي، لا أعتقد بأنه فلسطينيًا يمكن أن تنشأ وتقوى "داعش" إلا من خلال وجود فراغ بالسلطة. وأشار د. عزم خلال حديثه لـ"المشهد" إلى أن:شاهدنا غزة في مرحلة من المراحل حدث فيها فراغ سلطوي بغياب "حماس" وبديل آخر، يمكن أن نرى "داعش" تظهر، وإسرائيل تشجع ظهورها إذا كانت على غرار النماذج التي رأيناها، معنية بالمجتمع المحلي أو ما تسميه العدو القريب، عبر فرض السلوك الاجتماعي والسياسي الذي تراه أكثر من عنايتها بمواجهة العدو البعيد أو الخارجي. لا يوجد بين "داعش" وإسرائيل عداء تاريخي، أما تحول "حماس" إلى "داعش" فهذا صعب جداً، لأنها حركة لها امتداد فكري وسياسي وتفكير محدد يتعلق بالسلطة والنظام السياسي، لكن إذا حدث انهيار وفراغ في "حماس" فيمكن لبعض عناصرها أن تتحول لتصبح داعشية". اختلافات بين "حماس" و"داعش"ويعتقد الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية بالشرق الأوسط مراد بطل الشيشاني، بأنه "لا يمكن ربط قطاع غزة مباشرة وظهور تنظيمات جهادية أو سلفية بشكل أوتوماتيكي، غزة تقدم المقتلة البشرية ونوع من السردية التي يمكن أن تقتات عليها المجموعات الجهادية في تجنيد أناس آخرين، وهذا حدث فيما يوصف بالجهاد الفردي أو الذئب المنفرد في ألمانيا قبل أيام، وفي مناطق عدة استخدم اسم فلسطين وغزة لتبرير العمليات، وهذا يساعد في قضية جذب الناس، أما العملية الأتوماتيكية، بأن غزة ستعيد ظهور الجهات الجهادية ليس بالمسألة السهلة، لأن هذه المجموعات تحتاج إلى أمور لوجستية وتجنيد وتمويل".واستطرد الباحث حديثه قائلاً :"داعش" تعتبر متأخرة على الصراع الذي تم في بدايات عام 2008 و2009 وصولاً لعام 2011، بين مجموعات موالية لتنظيم القاعدة و"حماس"، على سبيل المثال بين مجموعة عبد اللطيف موسى (جماعة موالية لتنظيم القاعدة) و"حماس" والتي انتهت بتصفية "حماس" لهذه المجموعة. الجماعات الجهادية تنامى دورها في ظل تراجع دور "كتائب القسام"، ما دفع بعض الأفراد للانضمام إلى هذه المجموعات، لكن بعد عودة دور "كتائب القسام" تراجع دور ووجود هذه الجماعات. "هناك نوع من الجذر الخلافي ما بين "حماس" والمجموعات الجهادية عموماً وليس فقط "داعش"، حيث حاولت بعض المجموعات في سيناء المصرية الاقتراب والدخول أيديولوجياً إلى قطاع غزة، لكنها لم تنجح لأن "حماس" حركة مقاتلة وطنية، وهم حركات إسلامية عابرة للوطنية أجندتها دولية، وبالتالي لا يوجد علاقة مباشرة بلا هناك عداء بينهما"ويعتقد الكاتب والباحث في شؤون الجماعات الإرهابية ساري عرابي لمنصة "المشهد" بأن التحذيرات من تبعات الحرب على غزة تزايد قوة التنظيمات الإرهابية "عندما يكون هناك انسداد ويأس بين شباب المسلمين وحالة قتل واسع، فبعض هؤلاء الشباب يتوجه للجماعات الأكثر تطرفاً وغلواً مثل "داعش" و"القاعدة" والسلفية الجهادية، والذي حصل في غزة مذبحة كبيرة جداً، وبالتأكيد سوف يفكر بعض شباب المسلمين بالانتساب لجماعات قد تكون أكثر عنفاً، تماماً مثل ما حصل في حالة "القاعدة" عندما استهدفت برجي التجارة والبنتاغون كان الشعار لفلسطين .. وهكذا، لكن بالتأكيد لا توجد علاقة فكرية أو تنظيمية ما بين حركة "حماس" و"داعش". صعود جديد للإرهاب وقال الباحث في الشؤون العربية والإسلامية الحاخام الإسرائيلي إلحنان ميلير لمنصة "المشهد" إن "داعش" مثل الفيروس أو الجرثومة تعيش في "الفراغ أو الأجسام الضعيفة، بكل تأكيد لو لم يكن هناك جهة مسؤولة قوية مثل السلطة الفلسطينية أو سلطة دولية أخرى تسيطر على قطاع غزة، فبكل تأكيد وفي ظل دمار "حماس" يمكن أن يستولي عليها عناصر إرهابية مثل "داعش" أو "القاعدة" أو جهات متطرفة، لذلك يجب إعطاء فرصة للسلطة الفلسطينية للدخول لقطاع غزة وتسيطر على الأمور، وتنهي الفلتان الأمني وتحسن من الوضع القتصادي الموجود هناك". وأضاف "في ظل الإحباط من "حماس" يمكن أن يتجه بعض المتدينين إلى فئات ومنظمات متطرفة، واستمرار الحرب فرصة ذهبية لتنظيمي"القاعدة" و"داعش" للعودة مجدداً، وتوظيف ما حصل ويحصل لتخفيف الضغوط عليهما، واستغلال الثغرات وزيادة عملياتهما، ومن المحتمل أن يقوم "داعش" بإحياء نمط الذئاب المنفردة لاستغلال الحرب في غزة". وأكد الخبير الإستراتيجي في مكافحة الإرهاب اللواء محمد عبد الواحد لمنصة "المشهد" أنه "في ضوء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لن تعود الجماعات الإرهابية بقوة لأنها تلقت ضربات موجعة أدت إلى تفكك تنظيماتها، وهناك حالة استنفار غربي شديدة من خلال حلفائهم في المنطقة عبر اتخاذ إجراءات أمنية قاسية لمتابعة الأنشطة مع ارتفاع حملات الاعتقالات ومتابعة تحركات الأموال في البنوك بقوة، وخطابات الكراهية على مواقع التواصل الإجتماعي والمنصات الإعلامية وحذفها، وعقد اجتماعات في الغرف المغلقة لأجهزة الاستخبارات الأجنبية من تداعيات هذه الحرب لأن الغرب متورط مع إسرائيل في الحرب، فلديه تخوف من انتقال العمليات الإرهابية لأراضيه". (المشهد)