يشهد العالم على امتداده موجة من التطرف المناخي أثرت عليه بشكل واضح في السنوات القليلة الماضية، فبينما تجتاح بعض الدول حرائق ودرجات حرارة عالية، تواجه دول أخرى أمطارا غزيرة وفيضانات، وتصيب بلدانا أخرى موجات باردة غير مألوفة وشديدة وخطيرة. ما يقرب من ثلث الأميركيين، نحو 113 مليون شخص، يتلقون حاليا تحذيرات من ارتفاع درجات الحرارة، من فلوريدا إلى كاليفورنيا وحتى ولاية واشنطن، وحضت خدمة الطقس الوطنية في البلاد الناس على عدم التقليل من المخاطر على الحياة، وأبلغت العيادات المتنقلة هناك عن علاج مشردين يعانون حروقا من الدرجة الثالثة. في كندا يقول المسؤولون إنّ حرائق الغابات التي أججها ارتفاع درجات الحرارة فوق المتوسط، والتي غطّت أجزاءً من الولايات المتحدة بالدخان، أدت الآن إلى حرق ما يقرب من نحو 10 ملايين هكتار من الأراضي. إنذار أحمر في 16 مدينة إيطالية بسبب موجة الحر وتحذيرات من ارتفاع أشد في أوروبا، فيما عدد القتلى من جرّاء الأمطار الغزيرة التي تتعرض لها كوريا الجنوبية منذ أيام، ارتفع إلى 31، وتشهد جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا تساقطا للثلوج لأول مرة منذ 10 سنوات.في الصين أجلت السلطات أكثر من 40 ألفا في إقليم سيتشوان بسبب الفيضانات، وأغرقت زخات الأمطار الغزيرة غير المعتادة مناطق مختلفة على مدار الأسابيع القليلة الماضية، ما تسبب في فيضانات وانهيارات أرضية ألحقت أضرارا بالمنازل، ودمرت البنية التحتية، وأودت بحياة أشخاص عدة، وفي الهند قالت السلطات إنّ مناطق عدة في العاصمة نيودلهي لا تزال غارقة، بعد تدفق مياه نهر يامونا، الذي يمر عبر المدينة. الاحتباس الحراري موجات حر طالت الدول العربية، ولا يمكن القول إنّ درجات الحرارة التي تشهدها من شمال إفريقيا وصولا إلى المشرق العربي، طبيعية، فالطقس الذي يسيطر على المنطقة العربية غير مسبوق، أو على الأقل لم نعرفه في الأعوام الماضية. ويبدو أنّ هذا الطقس ستشتد حرارته في السنوات المقبلة بحسب المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، التي رجحت أن ترتفع درجات الحرارة العالمية في السنوات الـ 5 المقبلة، بفعل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وظاهرة النينيو الطبيعية، لتصل إلى مستويات قياسية. وعن أسباب التغير المناخي والارتفاع الكبير في درجات الحرارة، يشير خبير الكوارث الطبيعية وتغيّر المناخ في باريس الدكتور بدوي رهبان، في حديثه لمنصة "المشهد"، إلى أنّ السبب يعود إلى "الاحتباس الحراري بالدرجة الأولى، والذي يحدث بدوره نتيجة الانبعاثات في غازات الدفيئة منذ أكثر من 30 سنة، مضيفا أنّ " الانبعاثات تأتي بسبب المصانع ووسائل النقل اليومية، وقطع وزوال الغابات والأشجار، والعمران والبنى التحتية التي تولّد ثاني أوكسيد الكربون، واستخراج الوقود الأحفوري". ظاهرة النينيو وتوقع العلماء بأن يشهد العالم موسما صيفيا شديد الحرارة، فيما توقعت المنظمة أن تشهد الفترة المقبلة تطور ظاهرة النينيو المناخية، التي تتزامن بشكل عام مع ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الجفاف في بعض أنحاء العالم، وأمطار غزيرة بمناطق أخرى. وفي هذا الإطار أشار الدكتور رهبان إلى أنّ "ظاهرة النينيو الطبيعية التي تحدث كل 5 أو 7 سنوات، سببها يعود إلى تغير في تيارات المحيطات وخصوصا المحيط الهادىء، بحيث تأتي تيارات مُحملة بالمياه الحارة من غرب المحيط الهادئ (أستراليا) إلى شرقه (أميركا الجنوبية) وتمتد ذروتها ثم تتضاءل بحلول شهر ديسمبر المقبل". وقدرت المنظمة عدد الكوارث المرتبطة بالطقس والمناخ بنحو 12 ألف كارثة خلال الـ 50 سنة الماضية، مشيرة إلى أنّ هذه الكوارث أودت بحياة أكثر من مليوني شخص، وأسفرت عن خسائر اقتصادية بقيمة 4.3 تريليونات دولار. التطرف المناخي وفي الوقت الذي يعاني فيه العالم حرائق وارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة، يبدو أنّ دولا أخرى تعاني كوارث تتعلق بالفيضانات والأمطار، وهو ما يُطلق عليه التطرف المناخي الذي يعدّه الدكتور رهبان أحد خصوصيات تغيّر المناخ، مشيرا إلى أنّ "الأعوام القادمة ستشهد تزايدا في هذا التطرف وتصاعدا في وتيرته". ويترتب على ظاهرة التطرف المناخي الكثير من الأضرار من أهمها: التأثير على حياة البشر بشكل كلي، حيث إنه يتسبب في موت ما يقرب من 150 ألف شخص سنويا. اختفاء ما يقارب 20% من الأحياء البرية، وذلك في بداية مجيء عام 2050. انهيار المجال الزراعي بشكل واضح، وظهور ظاهرة التصحر في الكثير من المناطق، نتيجة لإزالة الطبقة النباتية أو ما يسمى بـ تعرية التربة في العديد من المناطق. خلل في الأنظمة الحيوية الطبيعية في البيئة. الجفاف وقلة الأمطار وقلة مياه الشرب، وانتشار ما يسمى بظاهرة التصحر في الكثير من الأراضي الواسعة. حدوث كثير من الفيضانات في مناطق متنوعة من العالم. انصهار الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي، ما يعمل على ارتفاع منسوب البحار، فيؤدي ذلك إلى اختفاء كثير من المدن الساحلية. حدوث الكثير من عمليات التعرية للتربة، ما يؤدي إلى التقليل من خصوبة التربة في كثير من المناطق الزراعية. انتشار العديد من الأمراض عن طريق الحشرات التي تعمل على نقل الأمراض مثل الذباب والبعوض، واختفاء بعض من الجزر في البحار والمحيطات. وفي هذا السياق يشير خبير الكوارث الطبيعية وتغير المناخ لمنصة "المشهد"، إلى أنّ التداعيات المحتملة للتطرف المناخي والاضطرابات، ستتمثل في خلل المجتمعات بسبب تغير المناخ، وسيكون له آثار على الموارد الطبيعية والموارد البيئية والتنوع البيولوجي، وصحة الإنسان والأمن الغذائي، وحماية بلداننا ومدننا وقرانا من العوامل المناخية المتطرفة، كالسيول وموجات الحر والعواصف التي تتسبب بوفيات وأضرار على الأرواح والممتلكات. الحد من الآثار ويشير التخفيف من آثار تغيّر المناخ إلى الجهود المبذولة لتقليل أو منع انبعاث الغازات الدفيئة، ويمكن أن يعني التخفيف استخدام تقنيات جديدة وطاقات متجددة، أو جعل المعدات القديمة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، أو تغيير ممارسات الإدارة أو سلوك المستهلك، وفي ما يلي أهم الطرق للحد من التطرف المناخي: اللجوء إلى استخدام الطاقات المتجددة مثل طاقة المياه والرياح والطاقة الشمسية والابتعاد عن الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز الطبيعي (طاقات غير متجددة) التي تكثر من الغازات الضارة. الخفض من استخدام الغازات الدفيئة التي تتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري وثقب طبقة الأوزون. التأكيد على ضرورة تطبيق قوانين الحفاظ على البيئة والتي تُعتبر من القوانين المستخدمة في الحدّ من انتشار الملوثات البيئية، وتحافظ على البيئة من أيّ أضرار. وتحدد اتفاقية باريس أهدافا طويلة الأجل لتوجيه جميع الدول للحدّ بشكل كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحدّ من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين، لتجنّب أو تقليل الآثار السلبية والخسائر والأضرار.(المشهد)