بعد أكثر من عام على الحرب في غزة ولبنان واقتراب المنطقة من حرب شاملة لم يلاحظ أي تحرك ملموس لروسيا للتهدئة أو وقف الحرب باعتبارها قوة دولية كبرى لديها نفوذ وعلاقات مع أغلب دول المنطقة.بل الصمت الروسي وصل إلى غضه النظر عن الهجمات الإسرائيلية المتكررة على سوريا الحليف الأول لموسكو في المنطقة، والذي تتمركز فيها الآلاف من القوات الروسية.يرجع بعض المحللين هذا الصمت الروسي إلى العلاقات المعقدة بين موسكو وإسرائيل، بينما يرجعه آخرون إلى انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا والمستمرة منذ أكثر من عامين ونصف العام.في المقابل يؤكد المحللون الروس أن موسكو تبذل قصارى جهدها لدعم جهود التهدئة في الشرق الأوسط، وقدمت عددا من المبادرات لوقف الحرب في غزة.حرب غزةفي هذا السياق، يُشير الصحفي والكاتب في الشأن الروسي لمنصة "المشهد"، ديمتري بورسكينو، إلى الدور الروسي في وقف هذه الحرب، حيث يقول:قدمت روسيا مشروع قرار إلى مجلس الأمن يتضمن الدعوة إلى وقف إنساني دائم لإطلاق النار.ثم قدمت روسيا مشروع قرار ثانٍ بعد فشل تمرير المشروع السابق، يطالب بهدنة إنسانية تساعد في إيصال المساعدات الإنسانية عبر إنشاء ممرات إنسانية للسماح للوكالات الإنسانية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها.كما استخدمت روسيا حق النقض "الفيتو" في جلسات مجلس الأمن لتعطيل مشاريع القرارات التي تمنح إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وتنكر حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967.يعتمد الموقف الروسي على الاحتكام إلى القوانين الدولية أولاً، ثم العمل على توحيد الصف الفلسطيني.وأكد المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن موسكو تحافظ على اتصالاتها مع جميع أطراف النزاع، حيث قال: "تجري روسيا اتصالات مع جميع أطراف الصراع. لدينا اتصالات مع طهران، وكذلك مع الإسرائيليين والفلسطينيين. نحن نحرص على الحفاظ على هذه الاتصالات، ونسعى باستمرار لدعوة الأطراف إلى ضبط النفس وتسهيل أي جهود لتهدئة التوترات."ويعتبر الحفاظ على الاتصالات السياسية المستمرة مع "حماس" ميزة مهمة للدبلوماسية الروسية، حيث يُعتبر هذا بمثابة رصيد يمكن استخدامه في حالة إجراء مفاوضات محتملة بين هذه المنظمات في المستقبل.مباحثات بين فتح وحماس وبركسوفي وقت سابق، أعلنت روسيا أنها دعت الفصائل الفلسطينية "فتح" و"حماس" لمحادثات من أجل الوصول إلى المصالحة بين الطرفين، الأمر الذي وصفه مراقبون بالخطوة المهمة لإحداث اختراق في الانقسام الفلسطيني.وبالفعل، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفلسطيني محمود عباس محادثات في موسكو في شهر أغسطس الماضي، في زيارة هي الأولى من نوعها لعباس منذ عام 2021.وطلبت روسيا من الرئيس الفلسطيني، أن يتم ترتيب كافة الأمور بينه وبين حركة "حماس" وحصول المصالحة الفلسطينية بشكل نهائي وتام.وكان سفير فلسطين لدى روسيا عبد الحفيظ نوفل قد صرح سابقا: "روسيا كانت ولا تزال جزءا لا يتجزأ في ملف المصالحة الفلسطينية، ولطالما بذلت جهودا كبيرة وبارزة في هذا الصدد، كما أن موسكو تلعب دورا مهما في المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، وأؤكد أن الاستعدادات لعملية المصالحة جارية، ولقد حان الوقت بالفعل لمناقشة هذا الأمر بكل تفاصيله".ويرى محللون أن روسيا تُبدي حرصًا على الحياد والتوازن، فهي لا تؤيد كل الخطوات الإيرانية والإسرائيلية في المنطقة، كما أنها تحذر من تصاعد التوتر بين طهران وتل أبيب . حيث تسعى موسكو إلى لعب دور الوسيط لتهدئة الأوضاع، والحفاظ على استقرار المنطقة وذلك من خلال اتصالاتها المكثفة مع كافة الأطراف.حرب لبنانأبلغت السفيرة الإسرائيلية في موسكو، سيمون هالبرين، الجهات الروسية بضرورة تنفيذ لبنان لقرار مجلس الأمن 1701. ووفق المعلومات، فقد سلمت روسيا هذه التحذيرات إلى الحكومة اللبنانية وحزب الله، قائلة إن إسرائيل غيّرت معادلة الردع مع الحزب وانتقلت إلى مرحلة أكثر خطورة وأوسع مجالاً.في هذا الإطار، تتحدث الأستاذة في العلاقات الدولية في جامعة موسكو الحكومية، د. أولغا كراسيناك، "لمنصة المشهد":وجد لبنان نفسه رهينة المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران. رسميًا، تؤيد روسيا التسوية السياسية والدبلوماسية للصراع ووقف الأعمال العدائية.من المرجح أن تستمر الهجمات الإسرائيلية التي تستهدف استنزاف لبنان. ولا جدوى من الاعتماد على تأثير المجتمع الدولي، فإسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعكس قوة الدول الغربية على أراضي الشرق الأوسط.الشيء الوحيد الذي تستطيع روسيا تقديمه للشعب اللبناني هو المساعدات الإنسانية، حيث قدمت روسيا مساعدات إنسانية إلى لبنان مؤخرًا في 3 أكتوبر 2024.إذا افترضنا أن روسيا تدرس إمكانية توقيع اتفاقية شراكة إستراتيجية مع إيران (على غرار الاتفاقية الأخيرة مع كوريا الشمالية)، فمن المحتمل أن تكون فقط في هذا الشأن، دون أن تؤثر على التحولات المستقبلية في الشرق الأوسط.الدور الروسي في سورياوبحسب المحللين، تسعى روسيا إلى ضبط الأوضاع في سوريا، حيث أكدت أن التنسيق مع إسرائيل لم يتوقف خلال مرحلة "طوفان الأقصى". إلى الآن. الهدف من هذا التنسيق هو ضبط جبهة الجولان ومنعها من الانزلاق إلى مواجهة مفتوحة تؤثر سلبًا على سوريا وعلى الوجود الروسي فيها. وتعمل موسكو على إقناع دمشق بالالتزام بالهدوء الدبلوماسي، في إطار جهودها لتهدئة المنطقة وتجنب أي تصعيد عسكري. وبالتالي، فإن أبرز ما يمكن أن تقدمه روسيا في هذا السياق، كما يقول المحللون، هو الدعم السياسي لوقف الحرب في الشرق الأوسط. وذلك من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، مما يعكس التزامها بمبادئ القانون الدولي.(المشهد)