استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في قصر الرئاسة، الذي بدأ زيارته الرسمية إلى الجزائر، بعدما شارك في أعمال القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز، التي استضافتها الجزائر مؤخرا.حيث شهدت الزيارة محادثات ثنائية موسعة بين الطرفين، أشرف من خلالها الرئيسان على مراسم التوقيع على عدد من اتفاقات التعاون ومذكرات تفاهم في العديد من المجالات، أكد من خلال الرئيس الجزائري أن العلاقات الجزائرية - الإيرانية تاريخية، مجدِّدا عزمه على الارتقاء بالتعاون الثنائي إلى مستوى الإرادة السياسية، كما أبرز الرئيس أنه تطرق مع نظيره الإيراني إلى مستجدات الأوضاع على المستوى الدولي والإقليمي .تأتي هذه الزيارة في ظل تساؤلات حول تداعياتها على علاقات الجزائر مع الغرب؟ وكيف تنظر دول الجوار لهذه الخطوة؟ في ظل الاتهامات المستمرة لإيران بزعزعة استقرار المنطقة؟انعكاسات التقارب الجزائري الإيرانيأوضح الرئيس الجزائري، في تصريح صحفي مشترك عقب المحادثات الثنائية أن اللقاء كان فرصة "لتطابق وجهات النظر والتوافق على مواصلة الجهود للمساهمة في استتباب الاستقرار في هذه المنطقة وحفظ السلم والأمن على المستويين الإقليمي والدولي".وفي هذا السياق، يرى المحلل السياسي جعفر الكيناني في تصريح لـ"المشهد" أنه ورغم الأزمات الدبلوماسية التي عاشتها إيران مع دول الجوار في الأعوام الأخيرة، بسبب مختلف الخلافات الحيوية بين الطرفين، في ما يتعلق بالأزمات اليمنية والسورية واللبنانية، وجدت الجزائر نفسها أمام حالة الوقوف على مسافة واحدة مع كل الأطراف من دون الانحياز لصالح جهة بعينها في الأزمات المذكورة.وعن انعكاسات هذا التقارب بين الجزائر وطهران يقول الكيناني إنه يشمل مجموعة من المحاور من بينها: الغرب حاليا متخوف من أي تقارب إيراني مع دول المنطقة نظرا لسياسته المبنية على التدخل في شؤون الدول، ومحاولاته دق اسفين بين الدول العربية والاسلامية، عبر خلق الفتن والازمات، لمنع أي تقارب أو تكامل بين هذه الدول، وشرعنة التواجد العسكري في المنطقة .هناك قلق من خطوات تعزيز العلاقات السياسية التي تربط الجزائر بطهران، والتي ستؤدي بالضرورة إلى تطوير العلاقات اقتصادية، بالعودة إلى إستحضار الذاكرة التاريخية للعلاقات بين البلدين، يطفو إلى السطح، حدثان بارزان، الأول توّسط "الجزائر" بين إيران والعراق سنة 1975، حين تم وضع حد للخلاف الحدودي بين البلدين، تقارب الجزائر مع إيران خدم الولايات المتحدة عندما اقتحم متظاهرون من أنصار الثورة مقر السفارة الأميركية في طهران واحتجزوا 52 أميركيا من موظفي السفارة كرهائن لمدة 444 يوما حتى جاء تحرير الرهائن الأميركيين ثمرة جهود دبلوماسية جزائرية شاقة في الحوار مع الطرف الإيراني.التوافق الذي حصل مؤخرا حول ما أدان به إعلان الجزائر الذي اعتمد بإجماع الدول المشاركة "جميع القيود الاقتصادية أحادية الجانب المتخذة دون الموافقة المسبقة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولأي تطبيق للقوانين والتنظيمات الوطنية خارج الحدود ضد الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدرة للغاز" سيزعج دول غربية كانت تحاول اللعب على وتر العقوبات الاقتصادية.هنا يجدر الإشارة أيضا إلى أهمية القارة الإفريقية عموما بالنسبة للرؤية الإيرانية، ويتجلى ذلك من خلال مختلف الزيارات التي يقوم بها مسؤولين إيرانيين وهو ما يثير قلق الغرب، إذ استضافت إيران سنة 2010 منتدى التقارب الفكري بين إيران وإفريقيا، شارك فيه أكثر من 30 دولة إفريقية، والجزائر كبلد إستراتيجي في المنطقة وبوابة للقارة تلعب دورا أساسيا في ميزان المشهد السياسي والإقتصادي.الاتفاقات التي تم توقيعها على هامش قمة الغاز في مجالات المتعددة، يعتقد الغرب أنها تتجه إلى بناء تعاون إستراتيجي شامل بين الجزائر وطهران وهو ما يشكل مصدر إزعاج بالنسبة لهم ، ولعل منطلق عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ظل يشكل أحد أبرز مبادئ السياسة الخارجية الجزائرية يشكل أيضا تشويش على طموحات الغرب في القارة السمراء .اتفاقات تعاونمن جانب أخر وبمناسبة الزيارة، أشرف كل من الرئيس الجزائري والرئيس الإيراني على مجموعة مراسم التوقيع على اتفاقات تعاون ومذكرات تفاهم عدة بين البلدين شملت قطاعات مختلفة، بين كل من وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة الجزائرية ونيابة رئاسة الجمهورية للعلوم والتكنولوجيا واقتصاد المعرفة بإيران. كما وقعا على مذكرة تفاهم بين وزارة السياحة الجزائرية ووزارة التراث الثقافي والسياحي والصناعات التقليدية بطهران، بالإضافة إلى مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال النفط والغاز.وعن أهمية هذه الخطوة، يقول الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني إنها تأتي مباشرة بعد أن توّج إعلان الجزائر المصادق عليه من طرف رؤساء وحكومات دول منتدى الغاز، الذي انعقد بالجزائر مؤخرا، بتوصيات مهمة، ستنعكس على معالم مسار مستقبل الطاقة من إنتاج واستثمار وتسويق وتسعير، إلى جانب تحويل التكنولوجيا وتطوير الابتكار.ويعدد سليماني في تصريح لـ"المشهد" مجموعة من المؤشرات التي تعزز هذه الأهمية من بينها: قمة الغاز الأخيرة سعت على إرساء أرضية توافق من شأنها أن تكون ورقة طريق ينسق على ضوئها التشاور والتعاون، بما يسمح للبلدان المنتجة أن تطور صناعة الغاز وتستغل ذلك في تنمية بلدانها، باعتبار أن الغاز ثروة مهمة وطاقة نظيفة .القمة انعقدت في ظرف استثنائي يشوبه الكثير من التقلب في سوق غاز متعطشة للمزيد من تدفق الإنتاج والإمدادات .من بين المحاور المهمة والبارزة المثارة والمصادق عليها، كان ملف حماية منشآت الغاز والحقوق السيادية المطلقة والدائمة للدول الأعضاء على مواردها من الغاز الطبيعي.تم التأكيد كذلك على ضرورة ضمان الطلب على الغاز الطبيعي، وذلك من خلال وضع أطر قانونية وتنظيمية شفافة وغير تمييزية وواضحة .إعلان الجزائر الذي أعتمد في القمة أكد على الرفض القاطع لأي محاولة استخدام التغير المناخي كذريعة لتعطيل الاستثمارات في مشاريع الغاز الطبيعي.الزيارات المتبادلة بين الجزائر وطهران، يراهن عليها لإعطاء دفعة جديدة للعلاقات الثنائية، وتخرجها من زاوية الشكوك التي كانت تحوم حولها خلال الأعوام الأخيرة، في ظل حراك دبلوماسي تقوم به الجزائر على مختلف الأصعدة .قمة الغاز بالجزائر ساهمت أيضا في تخفيف التوترات بين العراق وإيران من خلال لقاء الرئيسين العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي واعتماد الحوار البناء في حل النزاعات والعمل على إرساء السلم والأمن الدوليين.(المشهد)