بعد قرار بايدن بالسماح بضرب العمق الروسي، نفذت اليوم القوات المسلحة الأوكرانية أول ضربة لها في منطقة حدودية داخل الأراضي الروسية بصاروخ "ATACMS"، حسبما ذكرت قناة "RBC Ukraine" نقلاً عن مسؤول في الجيش الأوكراني.قبل الضربة الأوكرانية، أبدى الكرملين رد فعل قوي على قرار إدارة بايدن بالسماح لأوكرانيا باستخدام الصواريخ الأميركية لتنفيذ ضربات في عمق الأراضي الروسية، واصفاً الخطوة بالمتهورة والخطيرة، ومشيراً إلى أنها قد تؤدي إلى تصعيد النزاع وتورط الولايات المتحدة بشكل مباشر في الصراع.واعتبر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف القرار بأنه يمثل تحولاً نوعياً في مشاركة الغرب في الحرب الأوكرانية.روسيا تهدد مع بداية الحرب فرضت الدول الغربية مجموعة واسعة من العقوبات على موسكو، بهدف تقييد قدراتها العسكرية ومواردها الاقتصادية. ومع ذلك، أظهرت التقارير أن روسيا أبدت مرونة ملحوظة تجاه هذه العقوبات، وتمكنت من الحفاظ على قدراتها العسكرية ومواصلة مجهودها الحربي. في المقابل، حذّر المسؤولون الروس من أن السماح لأوكرانيا بتنفيذ ضربات بعيدة المدى سيتم تفسيره بأنه تورط مباشر من قبل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بقيادة الولايات المتحدة، في النزاع، في انعكاس للقلق الروسي المتنامي من احتمال نشوب مواجهة عسكرية مباشرة مع الأطلسي.واليوم، وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الثلاثاء مرسوما يسمح لموسكو باستخدام أسلحة نووية ضد دولة لا تملك هذا النوع من السلاح إذا كانت مدعومة من قوى نووية.وجاء قرار بايدن بالمساح لكييف باستخدام صواريخ ATACMS خارج حدودها في لحظة مفصلية من الحرب المستمرة في أوكرانيا، حيث استعادت أوكرانيا بعض الأراضي في منطقة كورسك، ويمثّل في حال تطبيقه، المرة الأولى التي تُستخدم فيها الأسلحة الأميركية ضد ما يعتبره الروس أراضيهم السيادية منذ بداية النزاع في عام 2022. يرى الخبير الأمني والعسكري سعاد ديلغين، في تصريحات إلى منصّة "المشهد" أن "القرار يشكّل منعطفاً خطيراً، ومن غير المستبعد أن ترد موسكو عليه بإجراءات أكثر صرامة قد تصل إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية". ويشرح ديلغين، الضابط السابق في الجيش التركي أن "استخدام هذه الصواريخ يعني تهديد روسيا من الداخل. حتى الآن بقي المجتمع الروسي إلى حد كبير بعيداً عن تأثيرات الحرب المباشرة، لكن مع بدء قصف مواقع استراتيجية وحساسة داخل البلاد ستزيد الضغوط على بوتين". بدوره يؤكد المحلل السياسي الأوكراني فلوديمير شوماكوف في تصريحه لـ"المشهد" أن "قرار بايدن لن يؤثر كثيرا على ساحة المعركة، إذ إن بايدن طوال السنوات الماضية كان مترددا جدا في دعم كييف". ويبين شوماكوف أن "السماح الأميركي باستهداف العمق الروسي، سيتبعه موافقة باقي الدول مثل بريطانيا وفرنسا".أوكرانيا متحمّسة غيّرت الحرب الأوكرانية المشهد الأمني في أوروبا بشكل كبير، ودفعت أعضاء الناتو والاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في استراتيجيات الدفاع والجاهزية العسكرية، وسط توافق متزايد حول ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي وإنشاء أطر أمنية جديدة لردع أي خطر روسي مستقبلي. وأعلن المسؤولون الأوكرانيون عن نيتهم استخدام هذه الصواريخ بعيدة المدى في غضون أيام، ما فسر كرغبة أوكرانية في الاستفادة من الدعم العسكري الأميركي لتعزيز قدراتها العملياتية ضد القوات الروسية وتحقيق المزيد من المكاسب الميدانية. تمنح صواريخ "ATACMS"، التي تصل مداها إلى 300 كيلومتر كييف قدرة مهمة لاستهداف البنية التحتية العسكرية الروسية وخطوط الإمداد الرئيسية، مما قد يغير ديناميكيات الحرب. ضغط القادة الأوكرانيون للحصول على أسلحة بعيدة المدى منذ بداية الحرب، على أمل أن تمكّنهم من شن ضربات أكثر عمقا داخل الأراضي الروسية. ويُنظر إلى هذه الخطوة كوسيلة لتقويض فعالية موسكو العسكرية قبل أن تنخرط القوات الأوكرانية بشكل أوسع في الجبهة الشرقية. رغم أن الدعم الأولي الأوروبي لأوكرانيا كان قوياً، لكن تقارير محدثة تشير إلى ظهور علامات الإرهاق والشكوك بشأن استدامة هذه المساعدات العسكرية والمالية، لذا فإن الخطوة الأميركية يمكن أن تحفّز حلفاءها الغربيين، مثل بريطانيا وفرنسا، لتقديم أسلحة بعيدة المدى إضافية مثل صواريخ "Storm Shadow"، مما يعزز القدرات العسكرية الأوكرانية. ويلفت شوماكوف أن "قرار بايدن متأخر، وهو جاء كهدية لترامب الذي يتحدث عن دعم أوكرانيا بتصريحات مختلفة، من دون أن تبنى موقفا واحدا تجاه الحرب". وبرأي ديلغين، ضابط الارتباط السابق بين الناتو والجيش التركي، فإن "مكالمة شولتس أمس مع بوتين سرّعت من خطوة بايدن، الذي يخشى على ما يبدو من صدع في التحالف الأميركي-الأوروبي ضد روسيا. هذه الخطوة ستزيد الضغوط اليوم على ألمانيا من أجل تزويد كييف بصواريخ تاوروس الأكثر خطورة".المواقف الأميركية في المقابل، أعرب بعض المسؤولين الأميركيين عن شكوكهم حول ما إذا كان السماح بالضربات بعيدة المدى سيغير بشكل كبير مسار الحرب، خصوصا مع استمرار القوات الروسية في تحقيق تقدم. ومع ذلك، يُنظر إلى القرار على أنه لحظة حاسمة لأوكرانيا، حيث تسعى لتعزيز دفاعاتها ومواجهة التقدم الروسي. وأشار نائب مستشار الأمن القومي الأميركي جون فينر إلى أن روسيا قد زادت من تصعيد الوضع من خلال السماح للجنود الأجانب، خصوصاً الكوريين الشماليين، بالانخراط في جهودها العسكرية، في تطور زاد من تعقيد ديناميكيات النزاع، وأثار القلق بشأن تداعياته الأوسع. الانتقادات لقرار بايدن لما تقتصر على موسكو فقط، بل عبّرت شخصيات بارزة في الحزب الجمهوري في أميركا، بمن فيهم مارجوري تايلور غرين ودونالد ترامب الابن عن رفضهم للقرار. فقد اتّهمت غرين بايدن بمحاولة إشعال حرب عالمية ثالثة دون اكتراث، مشيرة إلى أن الرأي العام الأميركي يفضل التركيز على القضايا الداخلية بدلاً من الصراعات الخارجية. وأكدت أن نتائج الانتخابات الأخيرة تعكس رفضاً للتمويل الأميركي للحروب الأجنبية. كما كرر دونالد ترامب الابن هذه الانتقادات، مشيراً إلى أن تصرفات بايدن محاولة لتقويض إرث والده من خلال وضع الولايات المتحدة على شفا صراع خطير. وانتقد ما وصفه بـ"المجمع الصناعي العسكري"، مشيراً إلى وجود مصالح مالية تدفع نحو تصعيد الصراع لتحقيق الأرباح. وبالفعل بدأ ترامب بمحادثات مع كل من الرئيسين الأوكراني والروسي، مما يشير إلى تحول محتمل في السياسة الخارجية الأميركية بمجرد توليه المنصب. مع ذلك، ستعتمد التأثيرات الإجمالية لهذا التفويض على قواعد الاشتباك المحددة لاستخدام صواريخ ATACMS. إذا سُمح باستخدامها في جميع أنحاء روسيا، فقد يعقد ذلك بشكل كبير العمليات العسكرية الروسية. أما إذا اقتصر استخدامها على منطقة كورسك، فقد لا تحقق الميزة الاستراتيجية المرجوة. لا شك أن التصعيد الأخير ينسف آمال حل النزاع القائم في أوكرانيا بسرعة. ومع تمسك الجانبين بمواقفهما، وارتفاع الرهانات باستمرار، فإن احتمالية استمرار الصراع لفترة طويلة تظل قوية. وتشير التغييرات في العقائد العسكرية، إلى جانب زيادة تورط القوى الأجنبية، إلى أن الوضع قد يتطور إلى مواجهة أكثر تعقيداً وخطورة وصولاً إلى مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو. (المشهد )