تتصاعد المضايقات ويتنوع هجوم إسرائيل ضد السلطة الفلسطينية بين الفينة والأخرى، لتظل هزيلة تحت سيطرتها المحكمة، إلا أنّها وفي الوقت ذاته تسعى للوقوف دون انهيارها، السلطة اليوم تخوض معركة "البقاء" في ظل الحرب المفصلية على قطاع غزة. تراقب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن كثب أوضاع السلطة الفلسطينية، وتحذر من احتمالية تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، وتستند هذه التقديرات تأثراً بالتطورات التي تشهدها سوريا عقب انهيار نظام بشار الأسد، ضمن نظرية "تدحرج حجارة الدومينو"، وثانياً تبعات الاشتباكات الواسعة في شمال الضفة الغربية بين أجهزة أمن السلطة ومسلحين فلسطينيين. وبحسب المؤسسة الأمنية الإسرائيلية فإن إيران و "حماس" تحاولان جرّ الضفة للمواجهة، وأشارت إلى أن "الوصول إلى نقطة تنهار فيها السلطة الفلسطينية سيؤدي لموجة إرهاب وفقدان للسيطرة". وفي هذا الصدد، نشرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن التقديرات في أجهزة الأمن الإسرائيلية خلصت إلى أن "تدهوراً محتملاً في الضفة قد يقود إلى انهيار السلطة الفلسطينية"، مشيرة إلى أنّ المواجهات المندلعة في مدينة جنين "غير عادية"، وأبدت تخوفها من امتداد هذه المواجهات نحو مناطق أخرى بالضفة، تزامناً مع الاشتباكات التي أفضت عن قتلى وجرحى، في ظل التحريض المتزايد ضد السلطة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، ومساعي "حماس" الحثيثة" إلى إشعال الفوضى.التقديرات الإسرائيلية تزايدت جدية التقديرات الإسرائيلية المتكررة حول احتمالية انهيار السلطة الفلسطينية منذ سنوات، خصوصًا بعد هجوم "حماس" على إسرائيل في السابع من أكتوبر العام الماضي، وتأتي الآن في ظل اشتباكات مسلحة بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ومسلحين بمدينة جنين، فالمشهد ينذر بمزيد من الفوضى التي تغذيها "أطراف أخرى". الباحث والمحلل السياسي الإسرائيلي شلومو غانور يرى أنّ "السلطة الفلسطينية هي السلطة المسؤولة عن الأمور الأمنية بالضفة الغربية بموجب إتفاقيات أوسلو، بالتنسيق مع الجهات الأمنية الإسرائيلية، لذلك يجب الحفاظ على التنسيق من قبل كلا الطرفين، بدون تقصير والعمل بجدية من أجل الحفاظ على أمن وسلامة جميع السكان، هذا المنطق وهذه السياسة التي يجب أن تسير عليها المنطقة". وأوضح غانور في حديثه مع منصة "المشهد" أن "إيران لن تتوقف يوماً ما عن محاولات إشعال ساحة الضفة الغربية، امتداداً للرؤيا التي وضعتها عبر ضرب طوق من النار حول إسرائيل، بعد أن تبددت مساعيها في قطاع غزة، ولبنان وسوريا، والآن تسعى إيران إلى إيجاد وإحياء جبهة جديدة عبر إثارة القلاقل بالضفة الغربية ".وأضاف "من هنا تستند تقديرات المؤسسة الأمنية في إسرائيل، وكل التحركات الإسرائيلية تأتي في سياق إحباط هذه المآرب الإيرانية، وهي مواجهة غير مباشرة بين إيران وإسرائيل على حساب سكان الضفة الغربية، لتفوت الفرصة عليها من فتح جبهة جديدة". وأشار إلى أن "المواجهات الدائرة في جنين والتي شهدتها عدة مناطق فلسطينية، يجب أن لا تمر مرور الكرام، في ظل التحريض المتزايد عبر شبكات التواصل الإجتماعي ضد السلطة الفلسطينية، وسعي حركة حماس إلى إثارة الفوضى في ساحة جنين ومختلف المناطق، وتخشى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن تكون الضفة الغربية وجهة الإيرانيين المقبلة".أحداث جنين منذ أيام يشتبك مسلحون فلسطينيون مع عناصر السلطة الفلسطينية في مدينة جنين، حيث تسببت الاشتباكات بمقتل شاب فلسطيني، قال المسلحون إن السلطة قتلته، ودعت جماعات شبابية ومعارضة لمظاهرات ضد السلطة في أرجاء الضفة، وتعهدت السلطة بمواجهة "الفلتان". وفي سياق متصل، اندلعت اشتباكات مع السلطة خلال الشهور الماضية في مناطق أخرى في طولكرم والخليل ونابلس، ما أثار مخاوف حول إمكانية تمدد الفوضى ورفع مستوى التوتر. ومتابعة لهذه القضية تحدثت منصة "المشهد" مع المحاضر في العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية بمدينة جنين أيمن يوسف، وعلق قائلاً "الحادث المؤسف الذي وقع بمدينة جنين وأدى لمقتل الشاب الشلبي، تلته حالة استقطاب على المستوى السياسي والفصائلي والميداني والاجتماعي في عموم جنين، تم تحشيد الأفراد المحسوبين على الكتيبة والجهاد الإسلامي ووقعت عملية إطلاق نار على مراكز الشرطة الفلسطينية".وأكد يوسف أنه في المقابل هناك جهود تبذل على الصعيد الرسمي والمجتمع المدني بتخفيف التوتر، وخرجت مبادرة من منظمات المجتمع المدني في جنين للسيطرة على حالة الاشتباك القائمة، والمفاوضات الجارية لم تسفر عن شيء، فهناك إصرار من قبل السلطة الفلسطينية بدخول مخيم جنين، ورفض تام من قبل الكتيبة وعناصرها.وشدد قائلًا "من الواضح وحسب متابعتي للميدان، تبدو الأمور مستعصية وصعبة، وتزيد حدتها شيئاً فشيئاً السياسات الإسرائيلية تجاه السلطة الفلسطينية، والاستهداف المباشر لجنين ومخيمها وحصارها المتواصل من قبل القوات الإسرائيلية، وفي هذه القضية هناك بعد إقليمي مهم على الساحة الفلسطينية والدولية، خصوصًا مع التحولات الهامة بعد انهيار النظام السوري وضعف "حزب الله"، المعركة المقبلة ربما مع إيران، لكن على الأغلب إيران مع الوقت ستجفف كل منابع الدعم للفصائل الفلسطينية". أيام صعبة بدوره، يقول الخبير الحقوقي والمحلل السياسي عمر رحال، إن "السلطة الفلسطينية ليست في آخر أيامها، لأنها من وجهة النظر الإسرائيلية، حاجة إسرائيلية بحتة، فوجودها يعفي إسرائيل من مسؤولياتها أمام المجتمع الدولي، ومن أي إلتزامات دولية في قضايا التعليم، والصحة، والرفاه تجاه الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي وفق القانون الدولي".وأضاف رحال في حديثه مع منصة "المشهد" "هنالك مصلحة إسرائيلية في وجود السلطة، لكن إذا أرادت إسرائيل سحق وإنهاء السلطة يكون ذلك في أقل من ساعة، ولا تتوانى إسرائيل من أن تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، والمس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها". وأكد أن "السلطة ستبقى قائمة إذا ما بقيت إسرائيل راغبة بوجودها وبقائها، تبعاً للمقاس الإسرائيلي، ولا يعني إسرائيل أن تكون السلطة قوية أو ضعيفة بالمجتمع الفلسطيني، لأنه في نهاية المطاف قوات الجيش الإسرائيلي تمارس الحسم والسطوة الأمنية، وهذا يتمثل بالاعتقالات، والاغتيالات، والاقتحامات اليومية التي تشهدها مختلف المناطق الفلسطينية، وما يجري في جنين وقبلها طولكرم ومناطق عدة لا يهدد وجود السلطة على الإطلاق".(المشهد )