بعد بدء تطبيق العقوبات الغربية الاقتصادية القاسية على النظام السوري السابق بقيادة بشار الأسد، لجأ الأخير إلى تجارة الكبتاغون كمصدر رئيسي للدخل لاستمرار حكم نظامه، وكأداة لدعم نظامه ماليًا. وبحسب العديد من التقارير، استفاد الأسد من تجارة الكبتاغون وغيرها من الأنواع المخدرة بشكل كبير لتمويل عملياته العسكرية طوال العقد الماضي. لكن اليوم وبعد سقوطه، تستمر عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود لكن بوتيرة أقل، في تحدٍ جديد يواجه الإدارة السورية القائمة في دمشق.عانت الدول المجاورة لسوريا من تهريب المخدرات إلى أراضيها، سواء بقصد التجارة في هذه البلدان أو بغرض العبور إلى دول وأسواق أخرى، حتى أن هذا الأمر وصل لكونه تهديدا حقيقيًا للأمن الإقليمي في المنطقة، خصوصا أن عمليات التهريب هذه تتم عبر من الشبكات والمافيات المحلية والعالمية، والتي لديها أساليب وطرق "مافياوية" في التهريب. وفي هذا السياق برزت طرق رئيسية للتهريب في طوال السنوات الماضية عبر سوريا أبرزها: الحدود السورية الأردنية: تعتبر أحد الطرق الرئيسية التي تُستخدم لتهريب المخدرات، من سوريا إلى دول أخرى. الحدود السورية اللبنانية: أحد أهم النقاط التي تُستخدم لتهريب المخدرات، خصوصا أنها تمتد على مسافات طويلة وتتميز بتضاريس جبلية وصحراوية وعرة، ما يسهل عملية التهريب. التهريب عبر البحر: أحد طرق التهريب التي استخدمها نظام الأسد، لكن كان يتم استخامها بوتيرة أقل من الطرق السابقة، وذلك لأن تهريب المخدرات عبر البحر يتطلب أنظمة متطورة والتي كان يفتقدها النظام. تراجع عمليات التهريب بعد سقوط الأسد، تم رصد تراجع في عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الدول المجاورة، على الرغم من الفوضى التي تعيشها البلاد. ويرجع الباحث الأردني المتخصص بالشأن السوري صالح ملكاوي تراجع عمليات تهريب إلى "غياب الطقس المناسب، حيث إن المهربين يعتمدون في عملياتهم على الضباب، واليوم عدد المنخفضات الجوية التي يصاحبها الضباب الكثيف قليل للغاية". ويضيف ملكاوي خلال حديثه إلى منصة "المشهد" أنه "في "صحراء الحماد" أو "بادية الحماد" الواقعة بين سوريا والأردن يعتمد المهربون على الضباب الذي يتكرر في عدة فترات من السنة، خصوصا في فصل الشتاء، حتى أن الرؤية تصبح محدودة للغاية". طوال السنوات الماضية خزّنت سوريا كميات كبيرة من الكبتاغون في مستودعات ومناطق نائية استعدادا لتهريبها للخارج، وتمت عمليات التخزين في عدد من المحافظات السورية كان أبرزها ريف دمشق والسويداء، وفقا لتقارير سورية. ويرى كحلاوي أنه "لا يزال هناك العديد من المستودعات التي لم يتم اكتشافها داخل الأراضي السورية، فيما لا يزال هناك مصانع صغيرة تعمل حتى الآن. ففي العام الماضي، تم ضبط ما يقارب 11-12 معملًا في جنوب سوريا وريف دمشق. حتى اليوم، لم نسمع عن عمليات مداهمة لهذه المصانع الصغيرة التي تنتج حوالي مليون حبة مخدر يوميًا".ويشير كحلاوي إلى أن "المعامل التي تظهر في التقارير الصادرة عن إدارة العمليات العسكرية في دمشق، هي معامل ضخمة وكبيرة، تابعة للفرق الرابعة وأخرى، وكانت مخصصة لتصدير الإنتاج عبر البحر إلى الأراضي الأردنية. لكن هذه الكميات لم تكن تدخل إلى الأردن، حيث إن معظم الكميات التي تدخل عبر الحدود الأردنية تأتي من الأراضي اللبنانية".من جهة ثانية، يقول الخبير الإستراتيجي الدكتور محمد نادر العمري في حديث إلى منصة "المشهد" إن "استمرار تهريب الكبتاغون عبر الحدود السورية الأردنية يعود لعدد من الأسباب. أولها، وجود مجموعة من تجار المخدرات الذين لا يزالون ينشطون في بعض المناطق ولديهم مخزون، وبالتالي يسعون إلى تصديره. حتى هذه اللحظة لم تتمكن السلطات الجديدة من إلقاء القبض على كل تجار العاملين في هذا المجال". ويلفت العمري إلى أن "حل الجهاز الأمني والعسكري وكذلك الشرطة وعودة السلطات الجديدة لإعادة بناء مؤسسة أمنية وعسكرية جديدة، يجعل السلطات الجديدة غير قادرة على ضبط كل الحدود. نحن نتحدث أيضا عن استعادة الأمن في الداخل السوري في ظل أيضا وجود بعض الخواصر الرخوة في الحدود السورية مع مجموعة من الدول بما في ذلك الأردن الذي ما زال حتى هذه اللحظة يشهد عملية محاولة نقل المخدرات، كون من يدير هذه المجموعات أو من يعمل من هذه المجموعات في هذه الصناعة يمتلك مخزونا أو لديه أماكن سرية ما زال يحتفظ بها، يريد تصدير ما يمتلكه من إنتاجه".طرق إمداد متعددةفي الأيام الأخيرة، شهدت الحدود اللبنانية السورية تصعيدًا كبيرا، حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين القوات السورية وعشائر الهرمل ومجموعات مرتبطة بـ"حزب الله، فيما أشارت مصادر عسكرية إلى أن هناك قراراً سورياً بإفراغ القرى الحدودية السورية التي يقطنها لبنانيون. كما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن الحملة الأمنية هدفت إلى "طرد المسلحين والمهربين ومطلوبين من تجار المخدرات وشخصيات مقربة من "حزب الله" اللبناني". يعلق على ذلك كحلاوي بالقول إنه "على الرغم من ذلك، هناك تجار في السويداء الذين كانوا يتعاملون مع الفرقة الرابعة والأفرع الأمنية السورية المتورطة في عمليات إنتاج ونقل وتهريب المخدرات. لكن أيضًا، كانت معظم البضاعة، خصوصا الحشيش والكبتاغون، تأتي من الأراضي اللبنانية". ويتابع كحلاوي أنه "عندما نتحدث عن تجارة المخدرات، فإننا نتحدث عن شبكة مصالح إقليمية ودولية تمتد عبر عدة دول، هذه الشبكات قد يتم استبدال بعض أفرادها في بلد معين، لكن مصالحها تظل قائمة". ويرى كحلاوي أن "سبب الاشتباكات بين الجانب السوري واللبناني كان مرتبطًا بتغيير شبكات التهريب في منطقة الريف القصير. حيث بدأ الخلاف نتيجة الضغوط التي تعرضت لها بعض الجماعات، مما أدى إلى صعود قوى جديدة في عمليات التهريب. وعليه، نشأت خلافات على طرق التهريب، مثل مرور شاحنات بأعداد محدودة أو كثيرة". متوقعا أن "نشهد في الفترة القادمة صراعات داخل محافظة السويداء بين مجموعات تهريب جديدة وأخرى قديمة كانت مرتبطة بالأمن العسكري والأفرع الأمنية السورية التي كانت تسهل عمليات التهريب وتؤمن المواد المخدرة". ويختم حديثه بالقول إن "شبكة المصالح الإقليمية للتهريب ستتأثر بهذه التغييرات، لكن في النهاية، فإن هذه الشبكات ستظل قائمة. القضاء عليها ليس بالأمر السهل، ولن يتم في يوم أو يومين أو حتى في سنة واحدة".(المشهد )