لا يشكل التوصل لاتفاق الهدنة الموقتة نقطة مفصلية في الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من شهر ونصف الشهر فقط، بل قد تكون قرارًا مفصليًا لمستقبل "حماس" في القطاع، وفي حين يعتبر البعض أنّ "حماس" خسرت الحرب بإبرامها لهذه الصفقة وعدم تحقيق ما وعدت به يوم 7 أكتوبر الماضي، تؤكد آراء مقابلة أنّها حققت مكاسب عديدة سيكون لها تأثير كبير على حضورها في القطاع، وفي الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي ككل.والجمعة بدأ سريان الهدنة في قطاع غزة على أنّ يستمر لمدّة 4 أيام وذلك بعد اتفاق لتبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل برعاية قطرية مصرية أميركية. ويتضمّن اتفاق الهدنة وقفًا شاملًا لإطلاق النار في شمال غزة وجنوبها، من المقرّر أن يتمّ خلاله إطلاق سراح بعض الأسرى من بين أكثر من 200 أسير احتجزتهم "حماس" خلال هجومها على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر، في مقابل إطلاق سراح عدد من الفلسطينيّين المحتجزين في السجون الإسرائيلية.انتصار بشروط "حماس" يدفع قبول إسرائيل بالاتفاق بشروط "حماس" وعدم تحقيق أهدافها من الحرب بعد نحو 50 يومًا من القصف المستمر للقطاع لتأكيد الكثيرين أنّ صفقة الأسرى كانت مكسبًا مهمًا لحركة "حماس" التي وفق هذه الآراء، حققت انتصارًا في الحرب زاد من شعبيّتها داخليًا وخارجيًا. ويتفق المحلل السياسي نزار مقني مع هذا التقييم، مؤكدًا أنّ صفقة تبادل الأسرى زادت من شعبية حركة "حماس" في القطاع وفي العالم ككل. ويوضح مقني في تصريح لمنصّة "المشهد"، أنّ "حماس" فرضت شروطها على إسرائيل وفاوضتها تحت القصف والنار ولم تستسلم رغم الخسائر المادية والبشرية التي أوقعها القصف الإسرائيلي لغزة على امتداد أكثر من شهر ونصف الشهر. وأوقع القصف الإسرائيليّ لغزة أكثر من 50 ألف ضحية بين قتيل وجريح.ويضيف مقني أنّ "حماس" ورغم أنها لم تنجح في تحقيق هدف تبييض السجون كما أعلنت بداية، إلا أنّها نجحت في تحرير عدد مهمّ من الأسرى وستسعى لتحرير المزيد باستعمال ورقة الجنود الإسرائيليّين الأسرى، موضحًا "الأهداف التي تعلن في بداية كل الحروب تختلف وتتأثر بتطوراتها الميدانية". ويعتبر أنّ "حماس" نجحت اليوم في تغيير موقف الرأي العام الدولي منها، وخرجت من بوتقة التنظيمات الإرهابية لتنتقل إلى مصاف الحركات التحررية في العالم. ويزيد أنّ "صفقة تبادل الأسرى كشفت أنّ الجيش الإسرائيلي في حالة ضعف، وأنّ الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لم تستطع مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية عليها"، لافتًا إلى أنّ "إسرائيل أعلنت بداية أنّ هدفها من الاجتياح البرّي هو تركيع "حماس" والقضاء على بنيتها التحتية، لكنها لم تنجح في ذلك بعد أكثر من شهر ونصف الشهر من القصف". ويتابع أنّ "حماس" استطاعت تحرير عدد كبير من الأسرى بشروطها، وسوف تستغل الهدنة لمزيد من التخطيط الجيد للمعركة بعد أن أثبت تطورًا تكتيكيًا وقتاليًا مهمًا خلال هذه الحرب. وفاجأت "حماس" إسرائيل بهجوم مباغت داخل عمقها يوم 7 أكتوبر، أوقع 1400 قتيل ونحو 200 أسير رأى فيه كثيرون مؤشرًا على تطور قدراتها. ويرى مقني أنّ "حماس" حققت مكاسب سياسية من خلال هذه الصفقة التي انتهت بهدنة موقتة يمكن أن تتحوّل لدائمة، قائلا: "أولًا بما أنجزته في الميدان، إذ إنّ الجيش الإسرائيليّ ولأوّل مرّة يتكبّد خسائر بهذا الحجم، رغم رفضه الإفصاح عنها بدعوى الرقابة العسكرية، وثانيًا لأنها نجحت في خلق ضغط داخل المشهد السياسيّ الإسرائيليّ اليمينيّ المتطرف، الذي سيجد نفسه مجبرًا على إعادة التفكير في خياراته مستقبلًا من ملفات عديدة من بينها ملف الاستيطان". وقالت "حماس" إنّها دمرت 335 آلية عسكرية الإسرائيلية وقتلت عشرات الجنود، فيما اكتفت إسرائيل بإقرار مقتل 392 جنديًا. ورجّح مقني أن تعود "حماس" أقوى بعد هذه الهدنة، معتبرًا أنّ صفقة تبادل الأسرى اليوم بالنسبة لها، هي لبنة أولى لخيار سياسيّ أطول، وهدنة طويلة بضمانات أميركية، ووفق تقديره فإنّ"حماس" اليوم "قادرة على الفوز بأيّ انتخابات قد تجرى في القطاع، لأنّها نجحت في تقديم نفسها كنتاج للمقاومة، وهو ما سيدفع بها لأخذ مقعد في طاولة أخذ القرار الفلسطيني خصوصًا، والدفع نحو إعادة التفكير في مظلة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية سيكون للحركة مكان فيها". "صفقة المضطر" لكنّ اكتفاء "حماس" بالقبول بالإفراج عن عدد صغير من الأسرى عوض جميعهم، يجعل البعض يتحدث عن صفقة أُجبرت الحركة على القبول بها، ما يُعتبر هزيمة قد تكون لها تبعاتها على مستقبلها في القطاع. ويرى المحلل السياسي حميد قرمان في تصريح لمنصّة "المشهد"، أنّ "حماس" لم تنجح في تحقيق هدف تبييض السجون الذي رفعته يوم 7 أكتوبر الماضي، واكتفت بصفقة حررت فيها 150 أسيرًا بين أطفال ونساء. ويعتبر قرمان "أنها اضطرت إلى هذه الهدنة لاعتبارات سياسية بالنظر إلى حجم الضغط السياسي الذي مورس عليها من قِبل قطر ومصر، حيث تريد دولة قطر إنجاح صفقة التبادل لعكس صورتها على الساحة الدولية كونها وسيطًا يمكن الوثوق به، وهو ما ينعكس أيضًا على علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية". ويبلغ عدد الأسرى الفلسطينيّين في السجون الإسرائيلية قرابة 7500 أسير وفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيّين. ويضيف قرمان أنّ "حماس" تشعر بأنّها في مأزق حقيقي، لأنّها تورطت في حرب كبيرة وشرسة ومختلفة عن جولات التصعيد السابقة، "سواء من حيث حجم الدمار وعدد القتلى والجرحى، بالإضافة إلى عدد الاغتيالات التي طالت قادتها من الصف الأول والثاني في الحركة" وفق توضحيه. من ناحية أخرى يرى أنها فقدت كثيرًا من قدراتها العسكرية والصاروخية "وهو ما انعكس على حجم الرشقات الصاروخية التي تنطلق من القطاع حيث انخفضت بشكل ملحوظ".ويعتبر أنّ "حماس" تعاني تمامًا، فمن ناحية أولى لم يُؤتِ تأثير الضغط الدوليّ على إسرائيل لوقف الحرب ثماره بعد، ومن ناحية ثانية بعد ما يقارب 50 يومًا من الحرب أصبحت الشعوب العربية ترى أنّ مغامرة "حماس" وردة الفعل الاسرائيلية لا تتناسبان مع تمّ طرحه يوم السابع من أكتوبر الماضي". ثمن باهظ يفضل البعض تقييم تأثير الصفقة على "حماس" من منطلق مقابلها على الميدان. وفي السياق اعتبر الكاتب والمحلل السياسي طوني بولس أنّ "حماس" لم تحقق إنجازًا ميدانيًا أو سياسيًا من صفقة تبادل الأسرى، موضحًا في تصريح لمنصّة "المشهد"، أنّ "ثمنها كان باهظًا جدًا" فقد "قُتل أكثر من 15 ألف فلسطيني، وألحق الدمار بقسم كبير من القطاع وهُجّر مئات آلاف الفلسطينيّين". ويعتبر أنّ "حماس" لم تخرج مستفيدة من الصفقة ولم تنجز أيّ هدف من أهدافها التي أعلنتها قبل شهر ونصف الشهر، بل على العكس فقدت شعبيتها "بدليل أنّ هناك أصواتًا فلسطينية بدأت اليوم تتعالى من الداخل الفلسطيني سواء من غزة نفسها أو من الضفة، منتقدةً قرار "حماس" بالذهاب للحرب". ويشدد بولس على أنّ "حماس" خضعت للشروط التي فرضتها الدول الوسيطة بعد أن بلغت مرحلة الاستسلام. في المقابل يقول المحلل السياسي أحمد رفعت، إنّ كل فلسطين خرجت منتصرة من صفقة تبادل الأسرى وليست "حماس" فقط. ويعتبر في تصريح لمنصة "المشهد"، أنّ الحركة هزمت إسرائيل من خلال هذه الصفقة، بغضّ النظر عن تفاصيلها فأُجبرت على القبول بها. ويلفت إلى أنّ "الجيش الإسرائيليّ استقوى جوًا على المدنيّين، ولكنه عسكريًا لم يحقق شيئًا، فلا حرّر أسيرًا ولا وصل إلى مركز قيادة المقاومة، ولا اعتقل منهم قياديًا، في المقابل قوات "حماس" استعدت لدباباته واصطادتها واحدة بعد أخرى". ويرجح أنّ "حماس" سوف تستغل هذه الصفقة والهدنة الناتجة عنها، لإعادة تنظيم صفوفها ونقل مقاتلين إضافيّين من الجنوب إلى الشمال المستهدف فصله، ودعم مجموعاتها وإعادة انتشارهم ومزيد من التنسيق بين الفصائل". (المشهد)