تعرّض محيط السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، (الاسم الشائع للحي الدولي في بغداد، الذي يضم سفارات ومقرّات ومنظمات حكومية وأجنبية)، في ساعات الصباح الأولى من يوم الجمعة 8 ديسمبر2023، إلى هجوم صاروخي دون سقوط ضحايا.ووصف البيان العسكري لمكتب رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، الهجوم بـ"الإرهابي"، موجهاً الأجهزة الأمنية بملاحقة مرتكبيه وتقديمهم للعدالة.ولم يتبن أي طرف من أطراف الصراع الموجودة في العراق الهجوم الصاروخي، إلا أن بعضاً من قوّات الحشد الشعبي (فصائل مسلحة أطلقتها المرجعية الدينية في النجف في العام 2016 لمحاربة تنظيم داعش في العراق)، هاجمت السوداني عبر منصاتها، بعد البيان الذي صدر عن مكتبه العسكري.موقف بغداد محرج وتعليقاً على الهجوم، يقول المحلل والباحث السياسي العراقي، محمد العكيلي لمنصة "المشهد" إن: "موقف الحكومة العراقية معقّد ومُحرج، لأنها ليست الوحيدة المسؤولة عن وقف الهجمات، بل أيضاً الولايات المتحدة الأميركية، التي تستهدف بين الحين والآخر، منشآت وقطعات عسكرية تابعة للحشد الشعبي، دون التنسيق مع الحكومة العراقية، ما يؤدي إلى التصعيد بين الطرفين".ويرى العكيلي أن: "ردع الهجمات ممكن أن يتحقق، عبر التنسيق والتعاون المشترك بين الحكومة العراقية والقوات الأميركية الموجودة في العراق، لذلك لابد للقوات الأميركية أن تشارك الحكومة الاتحادية تفاصيل وافية عن أنشطتها في العراق، حتى تتمكن الأخيرة من ضبط الأجواء والإيقاع الأمني والاستراتيجي في البلاد".ومن جانب آخر، يكشف العكيلي أن: "الحكومة العراقية قادرة على الوصول إلى الجهات التي نفذت هذا الاعتداء، لكنها ترفض بشكل قاطع، أي ردّ انتقامي مباشر من قبل الولايات المتحدة الأميركية على قواعد أو قطاعات عسكرية عراقية دون علمها، حتى لا يتم التصعيد مرة أخرى".الحكومة العراقية أمام خيارين! أما الخبير الأمني العراقي مخلد حازم الدرب يرى تحوّلا نوعيا في عملية الاستهداف الصاروخي، على الأراضي العراقية، يقول لمنصة "المشهد": "سابقاً كانت الهجمات تستهدف القواعد الأميركية كعين الأسد والحرير، أما اليوم بدأنا نشهد نوعا آخر من الاستهدافات، وهو استهداف السفارات، ما يعتبر الأخطر، ويضع السوداني، أمام خيارين".ويشرح الدرب خيارات الحكومة العراقية قائلاً: الخيار الأول: أن تقوم بردع الجهات المسؤولة عن هذه الاستهدافات، ما سيجعلها في مواجهة مباشرة مع الفصائل المسلحة، باعتبار أن جزءا من هذه الفصائل له تمثيل في الحكومة. الخيار الثاني: أن تتّجه الدعوة لعدم التصعيد، وتهدئة الأجواء السياسية في البلاد.ويؤكد الدرب أنه يجب على الحكومة الحالية التماهي مع المادة 22 من اتفاقية فيينا لعام 1961، التي تحتّم عليها حماية البعثات والمباني الدبلوماسية، وإلا سيشهد العراق انسحابات للسفارات، ما سيؤثر على وضعه الخارجي. لكن هل التنديد الحكومي كافٍ؟ يجيب الدرب بالقول: شهدنا أكثر من بيان حكومي يصف هذه الفصائل بأنها خارجة عن القانون، ويجب ملاحقتها، لكن إلى الآن لم يتم القبض على أي مجموعة أو منصة تابعة لها.بالتالي الموضوع قد يكون في قادم الأيام الأخطر على الحكومة، في ظل الانتخابات المقبلة، وبناء علاقات استراتيجية مع الدول.خصوصا أن الحكومة الحالية تحاول بناء أرضية أمنية خصبة في العراق لجميع الشركات الأجنبية التي تريد الاستثمار في العراق. لكن كل ما يحصل في العراق ينفي فكرة أنه بلد آمن.في ظل هذا الوضع ما هدف الفصائل من استهداف السفارة الأميركية؟يقول الدرب إن نشاط الفصائل المسلحة ازداد منذ بداية عملية طوفان الأقصى في غزة، بحجة أنها تُساند ما يحصل في القطاع المُحاصر، على اعتبار أن الولايات المتحدة تقف مع الجانب الإسرائيلي، وهي تقوم بدورها من منطلق "وحدة ساحات المقاومة"، فتستهدف السفارة الأميركية في العراق.وعن أنشطة الفصائل المسلحة ضد القواعد الأميركية في العراق، يقول المحلل السياسي ورئيس مركز المورد للدراسات والإعلام في العراق، نجم القصاب، لمنصة "المشهد" إن: "الفصائل المسلحة ربما تُحاول عبر هذه الهجمات إرضاء مصالح إيران في العراق، ومن جهة أخرى تهدف إلى الضغط على الولايات المتحدة الأميركية لإيقاف الحرب على غزة".وينفي القصاب احتمالية خروج قريب للولايات المتحدة الأميركية من العراق، قائلاً إن: "المؤشرات السياسية على أرض الواقع لا تُشير إلى خروج قريب للقوات الأميركية من العراق، لأن ذلك يعني مغادرة كل سفارات التحالف الدولي والاتحاد الأوروبي، ما سيجعل العراق في عزلة، هذا ما يدفع الحكومة الحالية إلى التهدئة وعدم التصعيد، لأنها تحاول تقديم خدمات للشركات الأجنبية لتشجيعها على الاستثمار في العراق، لذلك أظن أن التصعيد مستبعد عكس ما هو متوقع".أربيل ستشتكي للمجتمع الدولي وكانت السلطات الأمنية في كردستان، أعلنت مساء الجمعة، تعرّض بناء مدني لأضرار عدة، إثر استهدافه بطائرة مسيرة مفخخة. ونقلت شبكة رووداو الإعلامية عن جهاز مكافحة الإرهاب في كردستان أن صوت الانفجار الذي سُمع كان لطائرة مفخخة أصابت بناية مدنية، في حي سكني قريب من مطار أربيل.ويشرح المحلل السياسي محمد زنكنة موقف حكومة إقليم كردستان من الهجمات التي طالت القواعد العسكرية الأميركية في أربيل، قائلاً إن: "حماية البعثات الدبلوماسية الموجودة في العراق، هو من صميم مهمة الحكومة الاتحادية العراقية، التي لا تلعب دورها في هذا المجال، لأنها خاضعة للفصائل المسلحة، أما حكومة إقليم كردستان لا يمكنها تجاوز الدستور، لكنها تستطيع التقدم بشكاوى للمنظمات الدولية ولمنظمة الأمم المتحدة للمطالبة بحماية أمن إقليم كردستان. ويرى زنكنة أن استهداف المواقع العسكرية في أربيل، يؤثر على المصالح الأجنبية داخل إقليم كردستان، مؤكداً أن "مشروع وجود نظام حماية جوية أميركية في أربيل، عاصمة إقليم كردستان، يعمل بشكل تجريبي لكنه لم يدخل حيز التنفيذ بعد، انطلاقته هي الحل الوحيد لتقليل هذه الهجمات أو ردعها".وعن الناحية الأمنية، يؤكد زنكنة أن أمن الإقليم لن يتأثر سلباً، مهما كان هدف الفصائل من زعزعة الاستقرار، ومساواة المشهد الأمني غير المستقر في بقية أنحاء العراق بإقليم كردستان، لذلك لابد أن يلعب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني "دوره الحقيقي كقائد عام للقوات المسلحة لإيقاف هذه الهجمات".(المشهد)