في حين يَغرَق لبنان في أزماته، يستمر تأثُّر البلاد بالتغيّر المناخيّ على نحو متصاعد، من دون أن يشكّل هذا التغيّر أولويّة واضحة في سلّم اهتمامات الحكومة اللبنانيّة، العاجزة ربّما عن التعامل معه بالطرق المطلوبة.علمًا أنّ أزمة كورونا وتراجع الأحوال المعيشيّة شكّلا فرصةً مؤاتيةً لتنفيذ التزامات لبنان بشأن خفض انبعاثات الكربون، لتعود المواجهات العسكريّة جنوبًا مع إسرائيل، وتنعكس سلبًا من جديد على الانبعاثات.الخبيرة في شؤون التغيّر المناخي والنائبة اللبنانية نجاة صليبا شدّدت في حديث خاص لمنصة وقناة "المشهد"، على 3 مخاطر تتهدّد المناخ في لبنان: أوّلها، ارتفاع درجات الحرارة التي تؤثّر على الجفاف وشحّ المياه، خصوصًا أنّ لبنان لا يتقن الاستفادة من ثرواته المائيّة التي تُهدر في مياه البحار خلال فصل الشتاء.ثانيًا، الحرائق وتهدّد التنوّع البيولوجيّ والمساحات الخضراء، ما يؤثّر على المناخ وسرعة الرياح والفصول التي نتمتّع بها في لبنان، وتصبح هذه الفصول غير واضحة وغير مجزّأة، فنرى فصولنا متداخلة ببعضها البعض، كما أنّ شحّ المياه يسبّب جفافًا في الأراضي الزراعية، ما يهدّد الأمن الغذائيّ.ثالثًا، هطول الأمطار يصبح بطريقة مفاجئة، ما يؤدي إلى انزلاق التربة، ويسبّب خسارة التنوّع البيولوجيّ وتهديد الأمن الغذائيّ.وتطرّقت صليبا إلى أهميّة مؤتمر المناخ كوب 28 COP في دولة الإمارات العربيّة المتحدة، الذي سيتبنّى سياسات التغيّر المناخيّ في البلدان، ويسعى إلى الحدّ من هذا التغيّر، وتكمن أهميّته أيضًا في المناقشات على صعيد سياسات عالميّة يستفيد منها لبنان، ومعه الدول العربيّة المشاركة. وعلى لبنان أن يأخذ دروسًا، ويشارك بدوره في كيفيّة تعاطيه مع التغيّر المناخيّ. ولفتت صليبا إلى أنّ من الأهداف المطروحة، تخفيف الانبعاثات، والهدف الموحّد أن تنخفض درجات الحرارة في الـ2050 بين 1.5 إلى درجتَين مئويّة. وكشفت صليبا عن مشروع في لبنان بالنسبة إلى الطاقة البديلة، والسماح لعدد من الشركات والمواطنين، من إنتاج الطاقة وتوزيعها في آنٍ واحد، الأمر الذي كان محصورًا بشركة "كهرباء لبنان"، وهذا ما يتمّ البحث فيه في المجلس النيابيّ، وهذا من أهمّ المشاريع التي يجب إقرارُها كي تستثمر الشركات في هذا المجال. التغيّر المناخي في لبنانفي لبنان تُشكِّل مؤشّرات كميّة متساقطات الأمطار، والتغيّر في درجات الحرارة، أهمّ معايير مراقبة التغيّر المناخيّ. وتبدو نتائج مراقبة هذَين المؤشّرَين في لبنان خلال الأعوام الماضية، دليلًا واضحًا على شمول هذه التغيّر. بحسب ما يُفيد تقرير البلاغ الوطنيّ الرابع عن التغيّر المناخيّ في لبنان الصادر عن وزارة البيئة 2023، هناك تراجع في تساقطات الأمطار بين عامَي 1950 و2020 بمعدل 0.53 ملم في العقد الواحد. وعلى رغم أنّ هذا التراجع كان أقلّ خلال الفترة الممتدّة من 1991 إلى 2020، وبمعدّل 0.35 ملم في العقد الواحد، فإنّ التوقّعات سلبيّة، إذ من المتوقّع أن يُسجَّل تراجعًا في تساقطات الأمطار في لبنان بنسبة 10% حتى نهاية القرن الحالي. وتتراوح متساقطات السنويّة بين 500 و900 ملم، أما نظيرتها في منطقة الشرق الأوسط فتتراوح بين 350 و750 ملم. ولكن يجب الإشارة إلى أنّ تساقطات الأمطار شهدت تقلّبات واضحة. ففي سنوات 1960-1961، و2001 و2010 و2019 بلغت تساقطات الأمطار، أقلّ من 500 ملم، في حين بلغت في سنوات 1968 و1970 و1994 و2004 قرابة 900 ملم. وتُفيد التغيّرات المستقبليّة المتوقّعة على هذا الصعيد، بتراجع التساقطات بنسبة 6.5%، لتبلغ 9% في العام 2050؛ وبنسبة 9% بين عامَي 2050 و2100، لتبلغ 22%. وتوقّعت الدراسات السابقة سنة 2014، حصول تراجع في تساقط الأمطار بنسبة 4% لكلّ درجة من درجات الاحترار العالميّ، ما يعني أنّ الدراسات والتوقّعات الحالية تزيد بنسبة 150% عن التوقّعات السابقة.وعن درجات الحرارة، تشير معطيات وزارة البيئة في لبنان إلى حصول ارتفاع في متوسط درجة الحرارة السنويّ بمعدل 1.6 درجة مئويّة خلال 70 عامًا امتدت من 1950 إلى 2020، مع ملاحظة أنّ هذا الارتفاع كان أكثر قوة في الفترة الممتدّة من 1991 إلى 2020. وقد ارتفعت معدلات درجات الحرارة السنويّة في مختلف أنحاء البلاد، من 14.22 درجة سنة 1901 إلى 15.83 سنة 2020، في حين أنّ هذا الارتفاع كان أكثر تباطؤًا في المناطق الساحليّة بسبب تأثير تبريد نسيم البحر. وتشير التغيّرات المتوقّعة بتأثير التغيّر المناخيّ على صعيد درجة الحرارة إلى زيادة في متوسط الحرارة من 1.6 إلى 2.2 حتى ،2050 مقارنة ببيانات الرصد المتوافرة عن السنوات الممتدة من 1985 إلى 2005. أما في الفترة الممتدّة من 2050 إلى 2100 فيُتوقّع أن يزيد متوسط الحرارة بنحو 4.4 درجة، الأمر الذي سيكون أكثر وضوحًا في فصلَي الصيف والخريف، وبتأثير أكثر وضوحًا في سهل البقاع وأغلب المناطق الساحليّة. أيضًا، بحسب توقّعات الحكومة اللبنانية، ستزداد أيام الجفاف المتتالية في كل المناطق في الفترة الممتدّة حتى سنة 2060، خصوصًا في المناطق الجنوبيّة والساحليّة، في حين ستزيد مدة موجات الحر وحدتها، مع انعكاسات صحيّة ملموسة على صحة الأشخاص الذين يعيشون في المدن، وارتفاع الطلب على الطاقة لاحتياجات التكييف والتبريد. وبين عامَي 2041 و2060 ستتضاعف الأيام التي تفوق فيها الحرارة 35 و40 درجة مقارنة مع البيانات المتوافرة عن الفترة الممتدّة من سنة 1995 إلى سنة 2014. حرائق الغابات الحرائق خلال 2019-2021 قد طالت أكثر من 12650 هكتارًا من الغابات والأحراج والأراضي الزراعيّة. وشجر الأرز الذي يشكل رمزًا وطنيًا في لبنان، وتنمو آلاف منها في محميّات مختلفة في أنحاء البلاد، تأثرت بمظاهر التغيّر المناخيّ، من ارتفاع درجات الحرارة التي أظهرت أمراضًا وحشرات تؤثّر سلبًا في الغابات، بالإضافة إلى حرائق الغابات التي طالت الأرز للمرة الأولى سنة 2019. ولأنّ مشاكل تأثيرات تغيّر المناخ تُفضي بدورها إلى مشاكل أخرى في حلقة متواصلة، سيتأثر الإنتاج الزراعيّ بتراجع متساقطات الأمطار، وارتفاع درجة الحرارة، وانحسار المياه في الأنهار والينابيع والآبار، وانتشار أمراض وآفات نباتيّة جديدة، في غياب القدرة على التأقلم مع عدم وجود دعم من قبل الدولة للمزارعين. يبقى ضرورة نشر الإرشادات اللازمة والوعي لدى المواطنين اللبنانيّين لحماية البلاد من مخاطر التغيّر المناخيّ.(المشهد)