هزّت قضية مقتل الطفلة نارين جونير، البالغة من العمر 8 أعوام، الشارع التركي، والتي اختفت في 21 أغسطس بعد خروجها لحضور دورة تحفيظ القرآن الكريم في قريتها بمدينة ديار بكر. بعد بحث استمر لمدة 19 يومًا، تم العثور على جثتها مغلفة في كيس بلاستيكي وملقاة في منطقة وعرة قرب نهر في القرية. قضية الطفلة نارين جونيربحسب التحقيقات الأولية فإن الطفلة تعرضت للخنق ولإصابات خطيرة، وأن جثتها قضت فترة طويلة في الماء، كما أشارت المعلومات إلى تورط أحد أقاربها في الجريمة، حيث تطابقت عينات الحمض النووي الموجودة على ملابس الطفلة مع تلك الموجودة في سيارة عمها. وقال أحد المشتبه بهم إنه تلقى طلبًا من عم الطفلة للتخلص من جثتها مقابل مبلغ مالي كبير، كاشفًا عن تفاصيل عملية التخلص من الجثة، مما زاد من صدمة الرأي العام. وفي آخر التطورات، أصدرت محكمة تركية اليوم الجمعة قرارًا بالحبس الاحتياطي لوالدة وشقيق نارين. ووجه ممثلو الادعاء في محكمة ديار بكر اتهامات إلى والدة الفتاة وشقيقها بالمشاركة في القتل، بينما اتهم 6 أشخاص من بينهم عمها وأبناء عمومتها بتدمير الأدلة. كما اتهم عم آخر في وقت سابق بالقتل. وخرجت أحزاب سياسية وجماعات نسوية في احتجاجات في مدن مختلفة في أنحاء تركيا للمطالبة بالعدالة لنارين، التي أثار مقتلها حالة من الصدمة على وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصًا بسبب عدد الأقارب الذين يعتقد بتورطهم في قتلها. ولم تتضح طريقة قتلها، لكن تقارير إعلامية ذكرت أن تشريح الجثة كشف عن وجود جروح على رقبتها. عقوبة الإعدام في تركيا قضية الطفلة نارين أعادت الحديث عن إعادة العمل بعقوبة الإعدام التي كانت موجودة بالفعل في تركيا، حيث تعهد كبار الساسة الأتراك وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بإنزال أشدّ العقوبة على الفاعل. بعد الانقلاب الفاشل عام 2016، طالب إردوغان مرات عدة بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام، وذلك لمحاسبة المتورطين في الانقلاب، وقد لوّح إردوغان إلى أنه قد يذهب بذلك منفردًا من خلال المصادقة على القانون إذا ما وافق البرلمان على إعادة العمل بالعقوبة.رغبة إردوغان اصطدمت بجهود بلاده للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث ألغت تركيا عقوبة الإعدام بشكل رسمي في عام 2004 كجزء من جهودها للانضمام إلى الاتحاد، في وقت كانت فيه هذه العقوبة تشكل عائقًا أمام مفاوضات الانضمام.يشرح المحلل السياسي التركي جواد كوك لـ"المشهد" أنّ أنقرة ألغت عقوبة الإعدام فقط من أجل تلبية شروط الاتحاد الأوروبي، الذي كان يصرّ على ذلك". مشيرًا إلى أنه "في ظل ضعف الأمل بالانضمام إلى الاتحاد لا يوجد مشكلة بإعادة القانون".ويلفت كوك إلى أن هناك "طلبات واسعة من فئات مختلفة من الحكومة والمعارضة للإعدام في جرائم عدة يشهدها الشارع التركي". بدوره، يقول المحلل السياسي المتخصص في الشأن التركي محمود علوش في حديث إلى منصة "المشهد" إن "إلغاء عقوبة الإعدام كان جزءًا من متطلبات عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وطالما أن مسار الانضمام لا يزال قائمًا وحتى في ظل جموده، فإنه من غير المتصور أن تعيد تركيا العمل بهذه العقوبة". ويضيف علوش أن "حسابات العلاقة مع الأوروبيين تلعب دورًا رئيسيًا في مقاربة تركيا لقضية عقوبة الإعدام. حتى بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وتلويح إردوغان بإعادة العمل بالعقوبة، لم يتخذ إجراء بهذا الخصوص". مشيرًا إلى أن "خطوة من هذا القبيل من شأنها أن تعقد بشكل إضافي مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد وهذا ما تسعى أنقرة لتجنبه". الجدير بالذكر أنه تم تنفيذ آخر حكم بالإعدام في تركيا عام 1984، وبعد ذلك بدأت القيود على استخدام هذه العقوبة في التسعينيات حتى تم إلغاؤها بالكامل في 2004، بعد تعديل القوانين التركية.انقسام في المجتمع التركي وتنقسم آراء الشعب التركي حول عقوبة الإعدام ما بين مؤيد ومعارض. إذ يرفض عدد كبير من المجتمع التركي، بما في ذلك الأحزاب السياسية المعارضة والمنظمات الحقوقية، عودة عقوبة الإعدام، وهؤلاء غالبًا من مشجعي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ويشيرون إلى أن عقوبة الإعدام لا تنسجم وحقوق الإنسان. في المقابل، يؤيد القسم الآخر من الشعب التركي إعادة تطبيق عقوبة الإعدام، وغالبًا ينتمي هؤلاء إلى الأوساط القومية والمحافظة من الشعب التركي، إذ يرون أن بعض الجرائم لا يمكن معالجتها إلا بالإعدام. ويشرح علوش أن "هناك انقسامًا مجتمعيًا في تركيا بشأن إعادة عقوبة الإعدام، لكنه يلعب دورًا أقل تأثيرًا في تشكيل المقاربة الحكومية لهذه القضية. في النهاية، هناك اعتبارات تتعلق بسياسة تركيا مع الاتحاد الأوروبي تلعب الدور الأهم في هذه المسألة".في المقابل، يقول كوك إن "غالبية الشعب التركي يريدون إعادة عقوبة الإعدام إلى الدستور التركي". (المشهد )