بعد يومين من إعلان زعيمه التاريخي، عبد الله أوجلان، ودعوته أنصاره لإلقاء السلاح، أعلن "حزب العمال الكردستاني" المحظور استجابته لهذه الدعوة، مُنهيًا بذلك صراعًا دام 40 عامًا مع الحكومة التركية. هذه الخطوة، التي تعدّ تحولًا إستراتيجيًا في سياسات الحزب، قد تفتح الباب أمام تحولات كبيرة في العلاقات الكردية التركية، خصوصًا في ظل وعود أنقرة بتعزيز الاعتراف الدستوري بالحقوق الكردية، وإعادة رؤساء البلديات المنتخبين في المناطق ذات الأغلبية الكردية، إلى جانب تقديم حقوق ثقافية تشمل بثًا عامًا باللغة الكردية ودورات تعليمية في المدارس.انعكاسات القرار على سوريامن المرجح أن يلقي هذا التطور بظلاله على الأوضاع في سوريا، حيث كانت وحدات حماية الشعب الكردية متحالفة مع واشنطن منذ عام 2014 لمحاربة تنظيم "داعش"، ما أثار استياء تركيا التي اعتبرت هذه الوحدات امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.وبعد سقوط نظام بشار الأسد، تمكنت هذه القوات من بسط سيطرتها على مساحات واسعة من شمال شرق سوريا، بما في ذلك حقول النفط، إلا أنّ نفوذها بدأ يتراجع في ظل نية القيادة السورية الجديدة استعادة جميع الأراضي الخاضعة لسيطرة الأكراد.تشير تقارير إلى أنّ قادة وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية بدأوا فعليًا محادثات مع دمشق لبحث خيارات إعادة الأراضي إليها، وسط تصاعد الضغوط التركية واحتمال انسحاب القوات الأميركية من سوريا، ما يعني فقدان الأكراد الغطاء الأميركي الذي اعتمدوا عليه لفترة طويلة. تفكيك "حزب العمال الكردستاني" سيؤدي إلى إعادة تشكيل علاقات تركيا مع الأكراد في سوريا، حيث قد تصبح أنقرة أكثر انفتاحًا على التعاون معهم إذا ترسخت دعوة أوجلان.دعوات لإلقاء السلاحفي سياق هذه التطورات، دعا المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي، عمر جيليك، جميع المسلحين الأكراد في سوريا والعراق، بمن فيهم قوات سوريا الديمقراطية، إلى إلقاء السلاح. في المقابل، طالب حزب المساواة والديمقراطية للشعب التركي، المؤيد للأكراد، حكومة إردوغان باتخاذ خطوات فورية نحو التحول الديمقراطي، مؤكدًا ضرورة استجابة الحكومة لهذه الدعوات.من جانبه، رحّب قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، بالإعلان التاريخي، لكنه أكد أنّ دعوة أوجلان تتعلق بحزب العمال فقط، وليس بسوريا. كما اعتبر أنّ هذه الخطوة تفتح المجال أمام عملية سياسية سلمية، وتعدّ فرصة لبناء علاقات صحية ومستقرة في المنطقة.تحوّلات دوليةفي التفاصيل، قال المحلل السياسي، بكير أتاجان، إنّ تخلي الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن أوكرانيا ربما يعطي رسالة إلى العالم أجمع بأنّ الضعفاء عليهم أن يقبلوا بقوانين الأقوياء، في إشارة إلى ضرورة تخلي قوات قسد الكردية عن سلاحها في سوريا.وأضاف في لقاء مع برنامج "المشهد الليلة" الذي تُقدمه الإعلامية آسيا هشام، على قناة ومنصة "المشهد"، أنّ دعوة أوجلان وتخلي أكراد تركيا عن سلاحهم ربنا يساهم في حل المسألة السورية من خلال مبادرات تطرحها الدولة التركية.وتطرق إلى الحديث عن أهمية أن يتخلى أكراد سوريا عن أفكار الانفصال عن دمشق، لافتًا إلى أنّ هناك تحولات دولية كبرى تتطلب أن تعيد قسد تفكيرها في الكثير من القضايا.بدوره، قال الباحث في المركز الكردي للفكر، الدكتور طارق حمو، إنّ أزمة الأكراد في تركيا هي أزمة داخلية نتجت عن عدم وجود عدالة وديمقراطية في البلاد، لافتًا إلى أنّ الدعوة التي قام بها أوجلان بلا شك ستسهم في تهدئة الأجواء بالمنطقة.وأشار لـ"المشهد" إلى أنّ "قسد" هي تنظيم مسلح سوري ظهر بعد توسع "داعش" في المنطقة، قبل أن يقدم التحالف الدولي الدعم لقسد من أجل حماية المواطنين هناك، لافتًا إلى أنّ قضية قسد لا علاقة لها بقوات الشعب الكردي في تركيا.ولكنه في الوقت نفسه رأى أنّ حل الأزمة الكردية في تركيا ستنعكس إيجابًا على أزمة أكراد سوريا وربما تقوم أنقرة بمباردات بين قسد ودمشق لحل المشكلة.(المشهد)