بعد 47 يوما من الحرب الدامية التي أوقعت آلاف القتلى والجرحى من الفلسطينيين والإسرائيليين، توصل الجانبان إلى اتفاق هدنة مؤقت، يتكون من بنود وشروط عدة، أبرزها إطلاق سراح أسرى إسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين، مع توقف مؤقت لإطلاق النار. ولا تعني هذه الهدنة انتهاء الصراع في قطاع غزة، إذ جاءت كمسكن مؤقت لكلا الجانبين، في وقت شددت فيه إسرائيل على استئناف القتال مباشرة بعد انتهاء فترة التهدئة اللازمة لتأمين إطلاق سراح الأسرى، وذلك من أجل تدمير القدرات العسكرية والتنظيمية لـ"حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وإنشاء شروط عودة جميع الأسرى، وفقا للبيان الإسرائيلي.هدنة مؤقتة على الرغم من إصرار إسرائيل في بداية الحرب على أنه لا هدنة أو وقف لإطلاق النار من دون إطلاق سراح جميع الأسرى المحتجزين لدى "حماس"، إلّا أن الضغوط الداخلية والخارجية يبدو أنها أجبرت تل أبيب على القبول بالهدنة المطروحة. ففي الأيام الأخيرة عمّت التظاهرات إسرائيل، مطالبة بإطلاق سراح الأسرى لدى "حماس"، تزامن ذلك مع استياء شعبي إسرائيلي من سياسة نتانياهو التي أوصلتهم إلى هذا الوضع حسب تصريحاتهم. يضاف إلى ذلك الضغوط التي تتلقّاها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إذ كشفت تقارير عدة عن انشقاقات داخل الإدارة الديمقراطية بسبب دعم بايدن "اللامحدود" لإسرائيل حسب وصفهم. كما أن هذه الضغوط تتزامن مع التحضير للانتخابات الرئاسية المقبلة التي بدأت إدارة بايدن تروّج لها. تقول "حماس" إنها ستلتزم بالاتفاق، لكن هناك جهات أخرى تتصارع مع إسرائيل، أبرزها "حزب الله"، ما يطرح السؤال حول استعداد "حزب الله" للالتزام ببنود الهدنة المطروحة. في هذا السياق، قالت مصادر لبنانية لمنصة "المشهد" إن "حزب الله ليس جزءًا من الاتفاق، وليس ما يطبق على الفلسطينيين يطبق على الحزب، فالحزب هو جبهة مساندة، وهو ملتزم إذا توقف إطلاق النار بشكل رسمي". وأضافت المصادر ذاتها، أن "حزب الله" سيلتزم بالهدنة التي أعلن عنها إذا التزمت فيها إسرائيل، لكن "الحزب مستعد دائما لأي هجوم، إلى أن تنتهي الهدنة، وسيراقب على أي أساس ستنتهي الهدنة، وعلى أي أساس سيتم التبادل، وبالمحصلة الحزب ينتظر كلمة "حماس" والفصائل الفلسطينية الأخرى، ليبني عليها ما سيفعله لاحقا". وتابعت المصادر أن "حزب الله" لن يصدر بيانا حول التزامه بوقف إطلاق النار، لكن مصادر من داخله عبرت عن موقفه، مؤكدة أن "حزب الله" لم يكن جزءا من المفاوضات المتعلقة باتفاق الهدنة وتبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل، و"لبنان هو جبهة مساندة لقطاع غزة وتوقف القتال هناك سينسحب إلى لبنان". وشدّدت المصادر اللبنانية على أن أي تصعيد إسرائيلي في جنوب لبنان أو غزة خلال الهدنة سيقابله رد من "حزب الله".التصعيد على الجبهة اللبنانية في كل يوم على مدى الأسابيع الستة الماضية، هاجمت إسرائيل لبنان وهاجم "حزب الله" إسرائيل أيضا، وهو النمط الذي بدأ كأسلوب ثأري ثم تحول الآن إلى تبادل مستمر لإطلاق النار. في أغلب الأحيان تقريبًا، تكون الضربات ضمن نطاق 4 إلى 5 أميال من الحدود على كلا الجانبين، وهي معايرة متعمّدة مصمّمة لاحتواء العنف وتجنّب حرب أكثر تدميراً بكثير، وفق صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية. وصعّد المسؤولون الإسرائيليون من لهجتهم، حيث قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري "سيتحمل المواطنون اللبنانيون تكلفة هذا التهوّر، وتكلفة قرار "حزب الله" بأن يكون المدافع عن "حماس" و"داعش". في السياق ذاته، قال الكاتب والمحلل السياسي أمير مخول في حديث إلى منصة "المشهد" إنه "مقابل كثرة الحديث عن تنفيذ الهدنة وصفقة تبادل الأسرى، فإن التصعيد على الجبهة الشمالية مع لبنان وصل الى درجة جديدة".وبحسب مخول "هذا من شأنه أن يزيد من وتيرة الاستهداف المتبادل، لكن قد يدحرج الأمور نحو توسيع نطاقه بشكل جوهري رغم استبعاد الحرب الشاملة". وحول ما إذا كانت إسرائيل قد انتقلت إلى سياسة أخرى في الحرب تتركز على استهداف شخصيات سياسية أو إعلامية قال الكاتب السياسي اللبناني رضوان عقيل إلى "المشهد" إن "إسرائيل منذ اليوم الأول تستهدف المدنيين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، واستهداف الإعلاميين يُفسّر على أن إسرائيل لا تريد توجّه الإعلاميين إلى جنوب لبنان". ويضيف عقيل "وتيرة المواجهة بين إسرائيل والفصائل التي تُحاربها ارتفعت، ولا سيما أن الإسرائيليين تلقوا ضربات قوية"، و"حزب الله" كشف عن جزء من ترسانته العسكرية من خلال صواريخ بركان، لكن هذا لا يعني أن الأمور ستتجه إلى معركة كبرى بين "حزب الله" وإسرائيل". في هذا الإطار، قالت قناة كان العبرية إن "حزب الله" أعلن استعداده للالتزام بهدنة غزة طالما فعلت إسرائيل ذلك أيضًا. وأضافت أن مصلحة السجون الإسرائيلية بدأت بالتحضير لإطلاق سراح بعض الأسرى الفلسطينيين ضمن صفقة التبادل مع "حماس". فيما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إن إسرائيل مستعدة لتمديد الهدنة الإنسانية في غزة لإخراج مزيد من أسراها.(المشهد)