جاءت عملية "تل أبيب" لتفاقم الأوضاع الميدانية والسياسية التي تمر بمرحلة دقيقة، في ظل مفاوضات التهدئة التي تراوح مكانها، وتزامنًا مع الحرب الضارية التي تخوضها القوات الإسرائيلية في قطاع غزة لليوم الـ318 تواليًا، مخلّفة الخراب والدمار في جميع البنى التحتية والمناحي الحياتية، وأودت بحياة الآلاف من أهالي قطاع غزة الذين باتوا لاجئين في خيام النزوح التي لا تسلم من نيران الصواريخ الإسرائيلية.تفجير تل أبيبوتبنت "كتائب القسام" التابعة لحركة "حماس" بالتعاون مع "سرايا القدس" التابعة لحركة "الجهاد الإسلامي" تفجير العبوة الناسفة في عملية "تل أبيب"، حيث انفجرت مبكّرًا في حاملها القادم من مدينة نابلس بالضفة الغربية، وأصابت إسرائيليًا.الحركتان أعلنتا "استئناف العمليات التفجيرية في إسرائيل"، في اعتبرت الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن الداخلي "شين بيت" التفجير "هجومًا إرهابيًا". وأفادت مصادر إسرائيلية "أنّ تزايد هذه العمليات لم يسبق له مثيل على الإطلاق، أكثر من 1000 هجوم تم إحباطه منذ بداية الحرب، في المتوسط هناك 4 هجمات محبطة يوميًا"، وذكرت هيئة البثّ الإسرائيلية بأنّ المؤسسة الأمنية تخشى من وجود أشخاص سيسعون إلى تقليد الهجوم وتفجير عبوات ناسفة. ومع تلويح المسؤولين عن العملية بالمزيد من الضربات في العمق الإسرائيلي، برزت مخاوف لدى المجتمع الإسرائيليّ من عودة فصل "العمليات الاستشهادية" التي زادت حدتها في الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 في الفنادق والمطاعم والأماكن العامة. فهل العملية مقدمة لعودة هذا النوع من العمليات للواجهة؟ وهل ستلجأ "حماس" لسياسة التفجيرات في قلب المدن الإسرائيلية؟ وما مدى تأثيرها على سير العملية التفاوضية غير المباشرة بين "حماس" و"إسرائيل"؟ وحدة الساحات صرّح الكاتب والمحلل السياسيّ الإسرائيليّ شلومو غانور لمنصة "المشهد"، بأنه "لا شك أنّ المحاولة الإرهابية في تل أبيب، قد تنعكس بصورة كبيرة على الإصرار والمساعي الإسرائيلية الحثيثة في مواجهة "حماس"، الرامية لإحباط مخططاتها، خصوصًا في خضمّ هذه المرحلة، التي تتسارع بها وتتكثف المساعي الدولية، بهدف التوصل الى تسوية بشأن المخطوفين الإسرائيليّين ووقف النار". وأضاف المحلل السياسيّ غانور لـ"المشهد"، بأنّ:من حسن الحظ أنّ العملية الإرهابية قد فشلت تمامًا، ولم تنجم أيّ خسائر، لكنّ ردّ الفعل الأولي، أدى إلى نسف وتعطيل المفاوضات غير المباشرة مع "حماس".هدف السنوار وسائر الفصائل الفلسطينية إشعال جميع الجبهات، بما فيها إشراك المجتمع العربيّ الإسرائيلي، من أجل العودة إلى العمليات الإرهابية داخل المدن الإسرائيلية، ضمن ما يسمى بوحدة الساحات.وشدّد المحلل السياسي على أنّ "قوات الأمن الإسرائيلية قد نجحت حتى الآن، بقدر كبير في إحباط المحاولات لنقل المواجهة إلى الداخل الإسرائيلي، عبر اتخاذها إجراءات مختلفة، من بينها وقف تشغيل العمال من الضفة الغربية في إسرائيل، وهذا الإجراء كلّف الاقتصاد الإسرائيليّ والفلسطينيّ خسائر كبيرة على حدّ سواء". رد على المجازروفي هذا الإطار، أوضح رئيس دائرة العلاقات الوطنية لحركة "حماس" القياديّ علي بركة لمنصة "المشهد"، بأنّ "عملية تل أبيب جاءت بمستوى تنسيق عالٍ بين "كتائب القسام" و"سرايا القدس"، ردًا على المجازر والمذابح الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزة، إسرائيل تواصل حربها للشهر الحادي عشر على التوالي، ترتكب حرب الإبادة الجماعية بأبشع صورها، والمفاوضات التي جرت في الدوحة قبل أيام فشلت في لجم إسرائيل، فكان لا بدّ من توجيه ضربة للمجتمع الإسرائيليّ في قلب تل أبيب".ولفت القياديّ في حركة "حماس" إلى أنّ:عودة "العمليات الاستشهادية" على الساحة الميدانية، جاءت لتأكيد أنّ المقاومة اتخذت قرارًا إستراتيجيًا وتصعيدًا نوعيًا، لأننا لن نقبل بأن نُذبح وحدنا في هذه المعركة. تل أبيب لن تنعم بالأمن ما لم ينعم به أهالي قطاع غزة، نتانياهو لا يراعي أبسط حقوق الإنسان، ولا القانون الدولي، يقصف المساجد والكنائس، يستهدف المستشفيات والمدارس وخيم النازحين والقائمة تطول.عملية تل أبيب تأتي تصعيدًا جديدًا من قبل المقاومة الفلسطينية لردع إسرائيل، جاءت بعد غياب سنوات، حيث إنّ المقاومة أوقفت هذه العمليات التزامًا منها بتحييد المدنيّين من الجانبين. لكن وبما أنّ إسرائيل تواصل قتل المدنيّين والأطفال، فكان لا بدّ من هذا التصعيد النوعي في قلب تل أبيب، وإسرائيل إذا أرادت الاستمرار بمجازرها ورفضت كل الوساطات والمساعي لوقف الحرب، عليها أن تنتظر المزيد من الاختراقات الأمنية في أعماقها.غطاء لصالح إسرائيل من جهته، اعتبر القياديّ في حركة فتح منير الجاغوب لمنصة "المشهد"، بأنّ " العمليات الاستشهادية تحديدًا في هذا الوقت هي غير مجدية، قد يكون هناك فكر لدى "حماس" لتكون عامل ضغط على إسرائيل، لكنها بذلك تعطيها ذرائع لارتكاب المزيد من الجرائم ضد الشعب الفلسطينيّ بالضفة وقطاع غزة، وهذا الموضوع له محاذير كبيرة، ومآلاته ستكون خطيرة على القضية الفلسطينية، وحركة "حماس" لربما قامت بالعملية كسياسة تكتيكية للضغط على إسرائيل، لكنّ التبعات ليست في صالحنا".وأكد الجاغوب خلال حديثه لـ"المشهد"، بأنّ "أيّ عمل أو تحرك ضد إسرائيل، يجب أن يكون مدروسًا، ولصالح الفلسطينيّين وليس لتدميرهم، من حق الشعب الفلسطينيّ أن يمارس المقاومة، مع الحفاظ على الأرواح وبناء الدولة، فإسرائيل تسعى للتخلص من الفلسطينيّين الذين يتفوقون عليها ديمغرافيًا، فتسعى لتقويضهم بأسلحتها وسياساتها وممارساتها القمعية ضدهم". وأضاف القياديّ في حركة فتح، أنّ:لا يوجد تهدئة، ولا نية إسرائيلية حقيقية لإبرام صفقة، وهذا جزء من إستراتيجية الحرب الإسرائيلية.نتانياهو وضع المفاوضات للتخدير ويتلاعب بالمجتمع الدوليّ لكسب المزيد من الوقت، مقابل مقتلة ضد الشعب الفلسطينيّ بالضفة وقطاع غزة.مثل هذه العملية في تل أبيب لا أعتقد بأنها ستضغط على الجانب الإسرائيلي، لكنها على الأغلب ستكون ذريعة جديدة لتدمير الضفة الغربية وتهويد القدس ومواصلة الحرب على قطاع غزة بلا هوادة. وختم الجاغوب حديثه قائلًا: "عملية تل أبيب تفجر الأوضاع من خلال أنّ إسرائيل تعزز روايتها، بأنّ الشعب الفلسطينيّ شعب دموي، ويقوم بتفجيرات بين المواطنين الإسرائيليّين، ونعود لدوامة قتل الفلسطينيّين من جديد".(المشهد)